الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نهض وفتح الباب وخرجنا، فلما صرنا إلى الدار قال لى: يا إسحاق لا يقفنّ أحد على ما وقفت عليه فإن المجالس بالأمانات، فقلت: يا أمير المؤمنين- ومثلى يحتاج إلى وصيّة! قال: فلما أصبحنا أمر بحمل المال إليه، ونقلت إليه من يومها، قال إسحاق فما فهت بالخبر إلا بعد موت المأمون.
قال ابن عبدون «1» : وذكر أنّه لما أراد أن يعرس بها أمر بإخراج الفساطيط والقباب «2» ، وأن تضرب على ضفّة دجلة فى موضع منخفض، وخرج وجوه الناس لحضور ذلك وعامّة الناس للتنزه، وكانت النفقة من عند الحسن بن سهل على كل من حضر. قال: وكان عدد الملاحين منهم خاصة أرباب الزلاليات والزواريق وماشاكلها- الذين يحملون الناس فى مراكبهم إلى موضع العرس- عشرة آلاف «3» ، ويقال إنّه لما بسطت القبّة التى دخل فيها المأمون على بوران خيّر الحسن الخاصة- ممّن حضر ذلك العرس- بين مائة دينار وحلّة أو قبضة من أرض تلك القبّة، فيقال إن القابض بكفّه من أرض القبّة كان أرجح ممن أخذ مائة دينار وحلّة، فإنه ربما كان يخرج من قبضته حجر ياقوت أو حجر زمرّد أو درّة نفيسة تساوى أضعاف ذلك القدر.
ذكر مسير عبد الله بن طاهر إلى مصر وفتحها وفتح الإسكندرية
وفى سنة عشر ومائتين سار عبد الله بن طاهر إلى مصر وافتتحها، واستأمن له عبيد الله «4» بن السّرى، وكان سبب مسيره أن عبيد الله بن السرى كان قد تغلّب على مصر وخلع الطاعة، وخرج جمع من الأندلس
فغلبوا على الإسكندرية، واشتغل عبد الله بن طاهر عنهم بحرب نصر بن شبث، فلما فرغ منه سار نحو مصر، فلما قرب منها قدّم قائدا من قوّاده إليها لينظر موضعا يعسكر فيه، وكان ابن السرى قد خندق على مصر. فاتصل الخبر به فخرج إلى القائد وقاتله قتالا شديدا. والقائد فى قلة «1» فسيّر بريدا إلى عبد الله بن طاهر يخبره، فحمل عبد الله الرجال على البغال وجنّبوا الخيل، وأسرعوا السير فلحقوا القائد وهو يقاتل. فلما رأى ابن «2» السّرى ذلك لم يثبت بين أيديهم، وانهزم وتساقط أكثر أصحابه فى الخندق. فهلك منهم بالسقوط أكثر ممّن قتل بالسيف، ودخل ابن السرى مصر وأغلق الباب، وحاصره عبد الله فأرسل إليه فى الليل ألف وصيف ووصيفة مع كل واحد منهم ألف دينار. فردّهم ابن طاهر وكتب إليه: لو قبلت هديتك نهارا لقبلتها ليلا، بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ. ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ «3»
. فعندها طلب ابن السرى الأمان فأمنّه، ثم بعث عبد الله بن طاهر إلى الإسكندرية يؤذن الذين تغلّبوا عليها بالحرب أو الدخول فى الطاعة. وكانوا قد أقبلوا من الأندلس فى مراكب، والناس فى تلك الفتن التى ذكرناها، فأرسوا بالإسكندرية وتغلّبوا عليها. وكان رئيسهم يدعى أبا حفص. فلما أتتهم رسالته سألوا الأمان. على أن يرحلوا عنها إلى بعض أطراف الروم التى ليست من بلاد الإسلام، فأمّنهم على ذلك فرحلوا ونزلوا بجزيرة اقريطش.
واستوطنوها وأعقبوا وتناسلوا.
قال: وبعث ابن طاهر عبيد الله بن السرى إلى بغداد. فقدمها فى سنة إحدى عشرة ومائتين. وأنزل مدينة المنصور. وأقام ابن طاهر بمصر واليا عليها وعلى الشام وعلى الجزيرة، إلى أن نقل إلى خراسان على ما نذكره
إن شاء الله تعالى. وروى أبو الفرج الأصفهانى «1» أنّ المأمون أعطى عبد الله ابن طاهر مال مصر لسنة خراجها وضياعها، فوهبه كله وفرّقه فى الناس.
ورجع صفرا من ذلك فغاظ المأمون فعله، فدخل إليه يوم مقدمه وأنشد أبياتا قالها فى هذا المعنى يقول منها:
إليك أقبلت من أرض أقمت بها
…
حولين بعدك فى شوق وفى ألم
أقفو مساعيك اللاتى خصصت بها
…
حذو الشراك على مثل من الأدم
وكان فضلى فيها أننى «2» تبع
…
لما سننت من الإنعام والنعم
ولو وكلت إلى نفسى غنيت بها
…
لكن بدأت فلم أعجز ولم ألم
فضحك المأمون وقال: والله ما نفست عليك بمكرمة نلتها، ولا أحدوثة حسن عنك ذكرها، ولكن هذا شىء إذا عوّدته نفسك افتقرت، ولم تقدر على لمّ شعثك وإصلاح حالك؛ وزال ما كان فى نفسه.
قال «3» : وكان المال الذى فرّقه عبد الله بن طاهر- وهو على المنبر- ثلاثة آلاف ألف دينار، أجاز بها قبل نزوله عن المنبر، قال: معلّى الطائى- وقد بلغه ما صنع عبد الله بن طاهر- فقال: أصلح الله الأمير، أنا معلّى الطائى وقد بلغ منّى ما كان منك إلىّ من جفاء وغلظ، فلا يغلظنّ على قلبك، ولا يستخفنّك الذى بلغك، فأنا الذى أقول:
لو يصبح «4» النيل يجرى ماؤه ذهبا
…
لما أشرت إلى خزن بمثقال
تغلى «5» بما فيه رقّ الحمد تملكه
…
وليس شىء أعاض الحمد بالغالى
فى أبيات أخر، قال: فضحك عبد الله وسرّ بما كان منه، وقال: