الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمصر. ولما وصل الرأس الى السفاح كان بالكوفة، فلما رآه سجد ثم رفع رأسه، فقال: الحمد لله الذى أظهرنى عليك، وأظفرنى بك، ولم يبق ثأرى قبلك وقبل رهطك أعداء الدين، ثم تمثل:
لو يشربون دمى لم يرو شاربهم
…
ولا دماؤهم للغيظ تروينى
قال: ولما قتل مروان قصد عامر الكنيسة التى فيها حرم مروان، وكان قد وكل بهنّ خادما له، وأمره أن يقتلهن بعده، فأخذه عامر وأخذهن، وهنّ نساء مروان وبناته، فسيّرهن إلى صالح بن على، فلما دخلن عليه تكلمت ابنة مروان الكبرى فقالت: يا عم أمير المؤمنين، حفظ الله لك من أمرك ما تحب حفظه، نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمك، فليسعنا من عفوك ما وسعكم من جورنا، قال: إذن لا أستبقى منكنّ واحدة، ألم يقتل أبوك ابن أخى إبراهيم؟! ألم يقتل هشام بن عبد الملك زيد بن على بن الحسين وصلبه فى الكوفة؟! ألم يقتل الوليد بن يزيد- يحيى بن زيد وصلبه بخراسان؟! ألم يقتل ابن زياد الدعىّ مسلم بن عقيل؟! ألم يقتل يزيد بن معاوية- الحسين بن على وأهل بيته؟! ألم يخرج إليه بحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا فوقفهن موقف السبى؟! ألم يحمل إليه رأس الحسين وقد فرغ دماغه؟! فما الذى يحملنى على الإبقاء عليكن؟! قالت: فليسعنا عفوكم، أما هذا فنعم، وإن أحببت زوّجتك ابنى الفضل، فقالت: بل تحملنا إلى حرّان، فحملهن إليها.
ذكر من قتل من بنى أمية بعد مقتل مروان بن محمد
قال: دخل سديف مولى للسفاح عليه وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك وقد أكرمه السفاح، فقال سديف:
لا يغرنك ما ترى من رجال
…
إن تحت الضلوع داء دويا
فضع السيف وارفع السوط حتى
…
لا ترى فوق ظهرها أمويا
فقال سليمان قتلتنى يا شيخ ودخل السفاح، وأخذ سليمان فقتل، قال:
ودخل شبل بن عبد الله مولى بنى هاشم على عبد الله بن على وعنده من بنى أمية نحو تسعين رجلا على الطعام، فأقبل عليه شبل فقال:
أصبح الملك ثابت الأساس
…
بالبهاليل من بنى العباس
طلبوا وتر هاشم فشفوها
…
بعد ميل من الزمان وباس
لا تقيلن عبد شمس عثارا
…
واقطعن كل رقلة وغراس
ذلها أظهر التودد منها
…
وبها منكم كحر المواسى
فلقد غاظنى وغاظ سوائى
…
قربهم من نمارق وكراسى
أنزلوها بحيث أنزلها الل
…
هـ بذات «1» الهوان والإتعاس
واذكروا مصرع الحسين وزيدا
…
وقتيلا بجانب المهراس
والقتيل الذى بحرّان أضحى
…
ثاويا بين غربة وتناسى
فأمر بهم عبد الله فضربوا بالعمد حتى قتلوا، وبسط عليهم الانطاع فأكل الطعام عليها، وهو يسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جميعا، وأمر عبد الله بن على بنبش قبور بنى أمية بدمشق، فنبش قبر معاوية بن أبى سفيان فلم يجدوا فيه إلا خيطا مثل الهباء، ونبش قبر يزيد بن معاوية فوجدوا فيه حطاما كالرماد، ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجدوا فيه جمجمة، وكان يوجد فى القبر العضو بعد العضو، غير هشام بن عبد الملك فإنه وجد صحيحا، لم يبل منه إلا أرنبة أنفه، فضربه بالسياط ثم صلبه ثم حرقه وذراه فى الريح، وتتبع بنى أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم فأخذهم، فلم يفلت منهم إلا رضيع أو من هرب إلى الأندلس، واستصفى ما لهم من أموال وغيرها، فلما فرغ منهم قال:
بنى أمية قد أفنيت جمعكم
…
فكيف لى منكم بالأول الماضى
يطيّب النفس إن النار تجمعكم
…
عوضتم من لظاها شر معتاض
إن كان غيظى لفوت منكم فلقد
…
رضيت «1» منكم بما ربى به راض «2»
وقيل إن سديفا أفسد الشعر، الذى ذكرناه عنه للسفاح ومعه كانت الحادثة، وقتل سليمان بن على بن عبد الله بن العباس بالبصرة منهم جماعة.
وألقاهم على الطريق فأكلتهم الكلاب، فاختفى من قدر من بنى أمية.
وتشتت شملهم، وكان ممن اختفى منهم عمرو بن معاوية بن عمرو بن سفيان ابن عتبة بن أبى سفيان، قال: فكنت لا آتى مكانا إلا عرفت فيه، فضاقت علىّ الأرض فقصت سليمان بن على، وهو لا يعرفنى، فقلت له: لفظتنى البلاد إليك، ودلّنى فضلك عليك، فإما قتلتنى فاسترحت، وإما رددتنى سالما فأمنت، فقال من أنت؟ فعّرفته بنفسى فعرفنى، فقال: مرحبا بك.
حاجتك؟ فقلت: إن الحرم التى أنت أولى الناس بهنّ، وأقربهم إليهن قد خفن لخوفنا، ومن خاف خيف عليه، فبكى كثيرا ثم قال: بل يحقن الله دمك، ويوفّر مالك. ويحفظ حرمك، ثم كتب إلى السفاح: يا أمير المؤمنين، إنّه قد وفد وافد «3» بنى أمية علينا، وإنّا إنما قتلناهم على عقوقهم لا على أرحامهم، فإنّا يجمعنا وإياهم عبد مناف، فالرحم تبل ولا تفل «4» ، وترفع ولا توضع، فإن رأى أمير المؤمنين أن يهبهم لى فليفعل.
وإن فعل فليجعل «5» كتابا عاما إلى البلدان، شكرا «6» لله تعالى على نعمه عندنا وإحسانه إلينا، فأجابه إلى ذلك. وكتب لهم أمانا، وكان هذا أول أمان بنى أمية.