الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان المعتصم يأمره بإعطاء المغنّى والنديم فلا ينفّذ الفضل ذلك، فثقل على المعتصم، وكان له مضحك اسمه إبراهيم، فأمر له المعتصم بمال فلم يعطه الفضل، فداعب المعتصم يوما إبراهيم فقال له إبراهيم: والله لا أفلحت، فضحك وقال: وهل بقى من الفلاح شىء لم أدركه بعد الخلافة؟ فقال:
أتظن أنك أفلحت؟! لا والله- مالك من الخلافة إلا اسمها، والله ما يجاوز أمرك أذنيك- إنما الخلافة الفضل، فقال: وأى أمر لى لم ينفّذ؟
فقال: أمرت لى من شهرين بكذا وكذا فلم أعط حبّة، فحقدها المعتصم على الفضل ثم نكبه هو وأهل بيته فى صفر من هذه السنة، وصيّر مكانه محمد بن عبد الملك الزيات فصار وزيرا وكاتبا.
وحجّ بالناس فى هذه السنة صالح بن العباس بن محمد.
ودخلت سنة إحدى وعشرين ومائتين
حجّ بالناس فى هذه السنة محمد بن داود بن عيسى بن موسى؛ وكان فيها من محاربة بغا الكبير وبابك ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ودخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين
ذكر أخبار بابك الخرّمى وفتح البذ وأسر بابك وقتله
كان ابتداء أمر بابك فى سنة إحدى ومائتين فى خلافة المأمون، وتحرك فى الجاويدانية- أصحاب جاويدان بن سهل صاحب البذ «1» ، وادعى أن روح جاويدان حلّت فيه، وتفسير جاويدان: الدائم الباقى، ومعنى خرّم:
الفرج، والرجل منهم ينكح أمه وأخته وابنته- ولهذا يسمونه دين الفرج،
ويعتقدون التناسخ وأن الأرواح تنتقل من حيوان إلى غيره، وكان لبابك فى أيام المأمون حروب مع جيوش المأمون، كان الظفر فيها لبابك وأصحابه، وقتل محمد الطوسى عامل المأمون على الموصل، فى سنة أربع عشرة ومائتين فى حرب كانت بينهم ولما حضرت المأمون الوفاة كان من جملة وصيّته للمعتصم غزو الخرّمية كما ذكرنا ذلك، فلما أفضت الخلافة إلى المعتصم عقد للأفشين حيدر بن كاووس على الجبال، ووجّهه لحرب بابك فى سنة عشرين ومائتين، وكان قبل ذلك قد وجّه المعتصم- أبا سعيد محمد بن يوسف إلى أردبيل، وأمره أن يبنى الحصون التى خرّبها بابك فيما بين زنجان وأردبيل، ويجعل فيها الرجال لحفظ الطريق لمن يجلب الميرة إلى أردبيل، فتوجّه أبو سعيد لذلك وبنى الحصون، ووجّه بابك سريّة فى بعض غاراته فأغارت ورجعت، فبلغ ذلك أبا سعيد فخرج فى طلب السريّة، فاعترضها فى بعض الطريق فظفر بهم وقتل وأسر منهم، وبعث بالرءوس والأسرى إلى المعتصم، وكانت هذه أول هزيمة على أصحاب بابك، ثم كانت الأخرى لمحمد بن البعيث، وذلك أن محمدا كان فى قلعة له حصينة تسمى شاهى من أذربيجان، وله حصن آخر فى أذربيجان يسمى تبريز «1» ، وكان مصالحا لبابك تنزل سراياه عنده فيضيفهم حتى أنسوا به، ثم وجّه بابك قائدا من قوّاده اسمه عصمة فى سرية، فنزل بمحمد بن البعيث فأنزل له الضيافة على عادته، واستدعاه إليه فى خاصته ووجوه أصحابه فصعدوا إليه، فغذاهم وسقاهم الخمر حتى سكروا، ثم وثب على عصمة فاستوثق منه وقتل من كان معه من أصحابه، وأمره أن يسمى له رجلا رجلا من أصحابه، فكان يدعو الرجل باسمه فيصعد فيضرب عنقه حتى علموا بذلك، وسيّر عصمة إلى المعتصم، فسأله عن بلاد بابك فأعلمه طرقها ووجوه القتال فيها، ثم حبسه فبقى إلى أيام الواثق؛ ثم سار الأفشين بعد ذلك إلى بلاد بابك، فنزل
برزند «1» وعسكر بها وضبط الطرق والحصون فيما بينه وبين أردبيل، ثم سار الأفشين والتقى ببابك واقتتلوا قتالا شديدا، وكانت وقعة عظيمة فى سنة عشرين ومائتين، قتل فيها كثير من أصحاب بابك الذين كانوا معه، وأفلت هو فى نفر يسير، واستمرت الحرب بينه وبين بابك المرة بعد المرة إلى سنة اثنتين وعشرين ومائتين، ففتح الأفشين البذّ- مدينة بابك- وأسر بابك، وخرّب المسلمون المدينة واستباحوها وذلك لعشر بقين من شهر رمضان فى هذه السنة، وكانت حروب يطول شرحها انجلت «2» عن ظفر المسلمين.
قال: وكان الأفشين قد قصّر فى الحصار، فرأى رجل من أصحابه فى منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: قل للأفشين- إن أنت حاربت هذا الرجل وجددت فى أمره وإلا أمرت الجبال أن ترجمك بالحجارة، وشاعت هذه الرؤيا فثار المتطوّعة وصمّموا على الحصار، وحاصروا وكانت حروب عظيمة انجلت «3» عن الفتح فى التاريخ المذكور، وهرب بابك ثم أحضر هو وأخوه عبد الله لعشر خلون من شوال، وكان وصولهما إلى المعتصم بسامرّا فى صفر سنة ثلاث وعشرين ومائتين. ولما وصل إلى سامرّا أمر المعتصم أن يركب فيلا والناس ينظرونه، وأدخل دار المعتصم فأمر بإحضار سيّاف بابك، وأمره أن يقطع يديه ورجليه فقطعهما فسقط.
ثم أمر به فذبح وشقّ بطنه، وأنفذ رأسه إلى خراسان وصلب بدنه بسامرّا.
وأمر بحملّ أخيه عبد الله إلى بغداد، وأن يفعل به كما فعل ببابك، ففعل به ذلك وصلب فى الجانب الشرقى بين الجسرين. وكان من قتله بابك فى عشرين سنة مائتى ألف وخمسة وخمسين ألفا وخمسمائة إنسان؛ هذا ما كان أمره على سبيل الاختصار.