الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعزّموا على امرأة مجنونة فصرعت والمعتضد ينظر إليهم، فلما صرعت أمرهم بالانصراف.
وحجّ بالناس فى هذه السنة محمد بن عبد الله بن داود الهاشمى المعروف بأثرجّة
ودخلت سنة خمس وثمانين ومائتين
فى هذه السنة كان بالكوفة ريح صفراء فبقيت إلى المغرب ثم اسودّت، ثم وقع مطر شديد برعود هائلة وبروق متصلة، ثم سقط بعد ساعة بقرية تعرف بأحمد أباذ «1» أحجار بيض وسود مختلفة الألوان، فى أوساطها ضيق «2» . وفيها كان بالبصرة ريح صفراء ثم عادت خضراء ثم سوداء، ثم تتابعت الأمطار بما لم ير مثله، ثم برد كبار الوزن البردة مائة وخمسون درهما. وفيها غزا راغب مولى الموفّق فى البحر، فغنم مراكب كثيرة من الروم فضرب أعناق ثلاثة آلاف منهم كانوا فيها، وأحرق المراكب وفتح حصونا كثيرة وعاد سالما. وفيها توفى أحمد بن عيسى بن الشيخ، وقام بعده ابنه محمد بآمد وما يليها على سبيل التغلب، فسار المعتضد إلى آمد فوصلها فى ذى الحجة، وحصرها إلى شهر ربيع الآخر سنة ست وثمانين ونصب عليها المجانيق، فطلب محمد الأمان لنفسه ولمن معه فأمنّهم المعتضد، فخرج إليه وسلّم البلد فخلع عليه المعتضد وأكرمه وهدم سور البلد، ثم بلغه أن محمدا يريد الهرب فقبض عليه وعلى أهله.
وحكى أبو الفرج بن الجوزى فى المنتظم عن أبى بكر الصولى أنّه قال «3» : كان مع المعتضد رجل أعرابى فصيح يقال له شعلة بن شهاب
اليشكرى وكان يأنس به، فأرسله إلى محمد بن عيسى بن شيخ ليرغّبه فى الطاعة ويحذّره العصيان، قال: فصرت إليه فخاطبته فلم يجبنى، فتوجهت إلى عمتّه فصرت إليها، فقالت: يا أبا شهاب كيف خلّفت أمير المؤمنين؟
فقلت: خلّفته أمارا بالمعروف فعّالا للخير، فقالت، أهل لذلك ومستحقه، وكيف لا! وهو ظل الله الممدود على بلاده، وخليفته المؤتمن على عباده، فكيف رأيت صاحبنا؟ قلت: رأيت غلاما حدثا معجبا قد استحوذ عليه السفهاء، واستبدّ بآرائهم، يزخرفون له الكذب، فقالت:
هل لك أن ترجع إليه بكتابى قبل لقاء أمير المؤمنين؟ قلت: أفعل، فكتبت إليه كتابا لطيفا أجزلت فيه الموعظة، وكتبت فى آخره:
اقبل نصيحة أمّ قلبها وجع
…
خوفا عليك واشفقا وقل سددا
واستعمل الفكر فى قولى فإنّك ان
…
فكّرت ألفيت فى قولى لك الرشدا
ولا تثق برجال فى قلوبهم
…
ضغائن تبعث الشنآن والحسدا
مثل النعاج خمولا فى بيوتهم
…
حتى إذا أمنوا ألفيتهم أسدا
وداو داءك والأدواء ممكنة
…
وإذ طبيبك قد ألقى عليك يدا
أعط الخليفة ما يرضيه منك ولا
…
تمنعه مالا ولا أهلا ولا ولدا
واردد أخا يشكر ردا يكون له
…
ردا من السوء لا تشمت به أحدا
قال: فأخذت الكتاب وصرت إليه فلما نظر إليه رمى به إلىّ ثم قال:
يا أخا يشكر ما بآراء النساء تتم الدول، ولا بعقولهّن يستأمن «1» الملك، ارجع إلى صاحبك، ورجعت إلى المعتضد بالله فأخبرته الخبر، فأخذ الكتاب فقرأه فأعجبه شعرها وعقلها، ثم قال: إنى لأرجو أن أشفّعها فى كثير من القوم، فلما كان من فتح ما كان أرسل إلىّ المعتضد، فقال: هل عندك علم من تلك المرأة، قلت: لا، قال: فامض مع الخادم فإنّك
ستجدها فى جملة نسائها، فمضيت فلما بصرت بى من بعيد كشفت «1» عن وجهها، وجعلت تقول:
ريب الزمان وصرفه
…
وعثاره «2» كشف القناعا
وأذلّ بعد العزّ م
…
نّا الصعب والبطل الشجاعا
ولكم نصحت فما أطع
…
ت وكم صرخت بأن أطاعا
فأبى بنا المقدور «3» إل
…
لا أن نقسّم أو نباعا
يا ليت شعرى هل نرى
…
أبدا لفرّقتنا اجتماعا
ثم بكت حتى علا صوتها وضربت بيدها على الأخرى، وقالت: إنّا لله وإنا إليه راجعون، كأنى والله كنت أرى ما أرى «4» ، فقلت لها: إن أمير المؤمنين وجّه بى إليك، وما داك إلا لجميل رأيه فيك، قالت: فهل لك أن توصل لى رقعة إليه؟ قلت: أفعل «5» ، فدفعت إلىّ رقعة فيها:
قل للخليفة والإمام المرتضى
…
وابن الخلايف من قريش الأبطح
علم الهدى ومناره وسراجه
…
مفتاح كل عظيمة لم تفتح
بك أصلح الله البلاد وأهلها
…
بعد الفساد وطال ما لم تصلح
وتزحزحت بك هضبة العرب التى
…
لولاك بعد الله لم تتزحزح
أعطاك ربّك ما تحب فأعطه
…
ما قد يحب وجد بعفو واصفح
يا بهجة الدنيا وبدر ملوكها
…
هب ظالمىّ ومفسدىّ لمصلح
قال: فصرت بها إلى المعتضد بالله، فلما قرأها ضحك وقال: لقد نصحت لو قبل منها، وأمر أن يحمل إليها خمسون ألف درهم وخمسون تختا