الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون يطلقون أسيرا فيطلق الروم أسيرا ويلتقيان فى وسط النهر، ويأتى هذا لأصحابه وهذا لأصحابه حتى فرغوا، وكان عدّة أسرى المسلمين أربعة آلاف وأربعة وستين «1» نفسا، والنساء والصبيان ثمانمائة، وأهل الذمة مائة نفس.
ودخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين
ذكر وفاة أبى جعفر الواثق وشىء من أخباره
كانت وفاته بسامرا فى يوم الأربعاء لست بقين من ذى الحجة منها، وكانت علته «2» الاستسقاء فعولج بالإقعاد فى تنور مسخن، فوجد لذلك خفة فأمرهم من الغد بالزيادة فى إسخانه، ففعل ذلك وجلس فيه أكثر من اليوم الأول، فحمى عليه فأخرج منه ووضع فى محفة فمات فيها، ولم يشعر به حتى ضرب وجهه المحفة؛ وقيل إن أحمد بن أبى دؤاد حضر وفاته وغمّضه، وقيل إنه لما حضرته الوفاة جعل يردد هذين البيتين:
الموت فيه جميع الخلق مشترك
…
لا سوقة منهم تبقى ولا ملك
ما ضرّ أهل قليل فى تفاقرهم
…
وليس يغنى عن الأملاك «3» ما ملكوا
وأمر بالبسط فطويت وألصق خده بالأرض، وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه. وقال أحمد بن محمد الواثقى: كنت فيمن يمرّض»
الواثق، فلحقته غثية وأنا وجماعة من أصحابة قيام، فقلنا لو عرفنا خبره! فتقدمت إليه فلما صرت عند رأسه فتح عينيه فكدت أموت خوفا،
فرجعت إلى خلفى وتعلقت قنبعة «1» سيفى بعتبة المجلس، فاندقت وسلمت من جراحه، ووقفت فى موقفى ثم مات الواثق وسحبناه، وجاء الفراشون فأخذوا ما تحته فى المجلس ورفعوه لأنه مكتوب عليهم، واشتغل الناس بأخذ البيعة وجلست على باب المجلس لحفظ الميت، ورددت الباب فسمعت حسّا ففتحت الباب، فإذا جرذ قد دخل من بستان هناك فأكل إحدى عينى الواثق؛ فقلت: لا إله إلا الله- هذه العين التى فتحها من ساعة، فاندق سيفى هيبة لها، صارت طعمة لدابة ضعيفة، فسألنى ابن أبى دؤاد عن عينه فذكرت له القصة فعجب منها، وصلّى عليه ابن أبى دؤاد وأنزله فى قبره، وقيل صلّى علية أخوه المتوكل، ودفن بالهارونى، وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة، وقيل ستا وثلاثين سنة وشهورا، وقيل سبعا وثلاثين، ومدة خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وستة أيام. وكان أبيض مشربا بحمرة جميلا ربع القامة حسن الجسم بعينه اليمنى وقيل اليسرى نكته بياض.
وقد وقفت فى أثناء مطالعتى على حكاية غريبة اتفقت للواثق، أحببت أن أضمها إلى أخباره، وهى ما رواه أبو الفرج الأصبهانى «2» بسنده إلى محمد ابن الحارث، قال: كانت لى نوبة فى خدمة الواثق فى كل جمعة. إذا حضرت ركبت إلى الدار، فإن نشط إلى الشرب أقمت عنده، وإن لم ينشط انصرفت، وكان رسمنا الا يحضر أحد منا إلا يوم نوبته، فإنى لفى منزلى فى يوم غير يوم نوبتى إذا برسل قد هجموا على، وقالوا لى: احضر، فقلت خيرا «3» ، قالوا: خير، فقلت: إنّ هذا يوم لم يحضرنى فيه أمير المؤمنين قط، ولعلكم غلطتم، قالوا: الله المستعان- لا تطل «4» وبادر، فقد أمرنا ألا ندعك تستقر على الأرض، فدخلنى فزع شديد وخفت أن يكون سعى بى
ساع «1» ، أو بليّة قد حدثت فى رأى الخليفة علىّ، فتقدمت بما أردت وركبت حتى وافيت الدار، فذهبت لأدخل على رسمى من حيث كنت أدخل فمنعت، وأخذ بيدى الخدم فعدلوا «2» بى إلى ممرات لا أعرفها، فزاد ذلك فى جزعى وغمّى، ثم لم يزل الخدم يسلموننى من خدم إلى خدم حتى أفضيت إلى دار مفروشة بالصخر «3» ، ملبّسة الحيطان بالوشى المنسوج بالذهب، ثم أفضيت إلى رواق أرضه وحيطانه ملبسة «4» بمثل ذلك.
قال: وإذا الواثق فى صدره على سرير مرصّع بالجوهر، وعليه ثياب منسوجة بالذهب، وإلى جانبه فريدة جاريته عليها مثل ثيابه وفى حجرها عود، فلما رآنى قال: جوّدت «5» والله يا محمد- إلينا إلينا، فقبّلت الأرض ثم قلت: يا أمير المؤمنين- خيرا! قال: خيرا «6» - ما ترانا طلبت والله ثالثا يؤنسنا! فلم أر أحق بذلك منك، فبحياتى بادر فكل شيئا وبادر إلينا، والله «7» - يا سيّدى- قد أكلت وشربت أيضا، قال: اجلس فجلست.
وقال: هاتوا لمحمد رطلا فى قدح فأحضرت ذلك، واندفعت فريدة تغنى:
أهابك إجلالا وما بك قدرة
…
علىّ ولكن ملء عين «8» حبيبها
وما هجرتك النفس يا ليل أنّها
…
قلتك ولا أن قلّ منك يصيبها
فجاءت والله بالسحر، وجعل الواثق يجاذبها وفى خلال ذلك نغنى «9» الصوت بعد الصوت، وأغنّى فى خلال غنائها، فمرّ لنا أحسن ما مرّ لأحد، فإنّا لكذلك إذ رفع رجله فضرب بها صدر فريدة، ضربة
تدحرجت منها من أعلى السرير إلى الأرض، وتفتّت عودها، ومرّت تعدو وتصيح وبقيت كالمنزوع الروح، فلم أشك فى أنّ عينه وقعت علىّ- وقد تظرت إلىّ ونظرت إليها، فأطرق ساعة «1» إلى الأرض متحيرا، وأطرقت أتوقع ضرب العنق، فإنى لكذلك إذ قال لى: يا محمد- فوثبت، فقال:
ويحك أرأيت أعجب «2» ممّا تهيّأ علينا!! فقلت: يا سيّدى الساعة «3» تخرج روحى، فعلى من أصابنا بعين لعنة الله، فما كان السبب والذنب «4» ؟
قال: لا والله، ولكنّى ذكرت «5» فى أنّ جعفرا يقعد غدا هذا المقعد، وتقعد معه كما هى قاعدة معى، فلم أطق الصبر وخامرنى ما أخرجنى إلى ما رأيت، فسرّى عنّى وقلت: بل يقتل الله جعفرا ويحيا أمير المؤمنين أبدا، وقبّلت الأرض وقلت: يا سيدى «6» إرحمها ومر بردّها، فقال لبعض الخدم الوقوف مرّ «7» وجىء بها، فلم يكن بأسرع من أن خرجت وفى يدها عود، وعليها غير الثياب التى كانت عليها، فلما رآها جذبها إليه وعانقها، فبكت وجعل هو يبكى واندفعت أنا فى البكاء، فقالت: ما ذنبى يا مولاى «8» ؟ وبأى شىء استوجبت هذا؟ فأعاد عليها ما قال لى وهو يبكى «9» ، فقالت سألتك بالله يا أمير المؤمنين إلا ضربت عنقى الساعة، وأرحتنى من الفكر فى هذا وأرحت قلبك من الهمّ «10» ، وجعلت تبكى ويبكى ثم مسحا أعينهما، ثم رجعت إلى الغناء، وأومأ إلى خدم وقوف بشىء
لا أعرفه، فمضوا وأحضروا أكياسا فيها عين وورق، ورزما فيها ثياب كثيرة، وجاء خادم بدرج ففتحه وأخرج منه عقدا ما رأيت قط مثل جوهر كان فيه، فألبسه إياها، وأحضرت بدرة فيها عشرة آلاف «1» فجعلت بين يدى، وخمسة تخوت فيها ثياب، وعدنا إلى أمرنا وإلى أحسن ما كنّا «2» فيه، فلم نزل كذلك إلى الليل ثم تفرّقنا، وضرب الدهر ضربة وتولى المتوكل، فو الله إنى لفى منزلى بعد «3» يوم نوبتى، إذ هجم علىّ رسل «4» الخليفة فلم يمهلونى حتى ركبت وصرت إلى الدار، فأدخلت- والله- الحجرة بعينها، وإذا المتوكل فى الموضع الذى كان فيه الواثق على السرير بعينه وإلى جانبه فريدة، فلما رآنى قال: ويحك ما ترى ما «5» أنا فيه من هذه- منذ غدوة!! أطالبها أن تغنى «6» فتأبى ذلك، فقلت لها: يا سبحان الله تخالفين سيّدك وسيّدنا وسيّد البشر!! بحياته غنّى فضربت «7» والله ثم اندفعت تغنّى:
مقيم بالمجازة من قنونا
…
وأهلك بالأجيفر والثماد «8»
فلا تبعد فكل فتى سيأتى
…
عليه الموت يطرق أو يغادى
ثم ضربت بالعود الأرض ورمت بنفسها عن السرير، ومرّت تعدو وهى تصيح وا سيّداه، فقال لى: ويحك ما هذا فقلت: لا أدرى والله- يا سيّدى، قال: ما ترى؟ قلت أرى»
أن تحضر هذه ومعها