الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودخلت سنة إحدى وثلاثين ومائتين
ذكر خبر أحمد بن نصر «1» بن مالك الخزاعى وما كان من أمره
فى هذه السنة تحرّك ببغداد قوم مع أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعى، وجده مالك أحد نقباء بنى العباس، وكان سبب هذه الحركة أن أحمد بن نصر كان يغشاه أصحاب الحديث كابن معين وابن الدورقى وأبى زهير، وكان يخالف من يقول بخلق القرآن ويطلق لسانه فيه، مع غلظة الواثق، وكان يقول إذا ذكر الواثق: فعل هذا الخنزير، وقال: هذا الكافر، وفشا ذلك، وكان يغشاه رجل يعرف بأبى هارون السراج وآخر يقال له طالب وغيرهما، فدعوا الناس إليه فبايعوه على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وفرّق أبو هارون وطالب فى الناس مالا، فأعطيا كل رجل دينارا، واتعدوا ليلة الخميس لثلاث خلون من شعبان، ليضربوا بالطبل ويثوروا «2» على السلطان، وكان أحدهما فى الجانب الشرقى من بغداد والآخر بالغربى، فاتفق أن رجلين ممّن بايعهم من بنى الأشرس شربا نبيذا ليلة الأربعاء قبل الموعد بليلة، فلما أخذ منهم ضربوا الطبل فلم يجبهم أحد، فسمع صاحب الشرطة الطبل فسأل عن الخبر، فدل على رجل يكون فى الحمّام مصاب العين يعرف بعيسى الأعور، فأخذه وقرّره فقرّ على بنى الأشرس وأحمد بن نصر وغيرهم، فأخذ بعض من سمّى وفيهم طالب وأبو هارون، ورأى فى منزل بنى الأشرس علمين أخضرين، ثم أخذ خادما لأحمد بن نصر فقرّره فأقرّ بمثل ما قال عيسى، فأرسل إلى أحمد فأخذه وهو فى الحمام، وفتش بيته فلم يجد فيه سلاحا ولا شيئا من الآلات، فسيّرهم إلى الواثق مقيدين على بغال بأكف بغير وطاء «3» إلى سامرّا، فجلس الواثق
مجلسا عامّا فيه أحمد بن أبى دؤاد، فلما حضر أحمد بن نصر عند الواثق لم يذكر له شيئا من فعله والخروج عليه، بل قال له: ما تقول فى القرآن؟
قال: كلام الله، قال: أمخلوق هو؟ قال: كلام الله، قال: فما تقول فى ربك- أتراه يوم القيامة؟ قال: يا أمير المؤمنين- جاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر- لا تضامون فى رؤيته) ، وحدثنى سفيان بحديث رفعه (أنّ قلب ابن آدم [المؤمن «1» ] بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلّبه)، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يدعو: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبى على دينك، فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون فيه؟! فقال عبد الرحمن بن إسحاق: هو حلال الدم، وقال بعض أصحاب ابن أبى دؤاد: اسقنى دمه، وقال ابن أبى دؤاد: هو كافر يستتاب لعل به عاهة أو نقص عقل، وكان كارها لقتله، فقال الواثق: إذا رأيتمونى قد قمت إليه فلا يقومنّ أحد، فإنى احتسب خطاى إليه، ودعا بالصّمصامة ومشى إليه وهو فى وسط الدار على نطع، فضربه على حبل عاتقه ثم ضربه على رأسه، ثم ضرب سيما الدمشقى عنقه وطعنه الواثق بطرف الصمصامة فى بطنه، وصلب عند بابك وحمل رأسه إلى بغداد فنصب بها، وكتب فى أذنه رقعة: هذا رأس الكافر المشرك الضال أحمد بن نصر، وتتبع أصحابه فجعلوا فى الحبوس هذا ما حكاه ابن الأثير فى تاريخه الكامل.
وقد حكى الحافظ أبو بكر أحمد بن على بن ثابت «2» خبر مقتله، فذكر ما تقدّم وذكر زيادات أخرى بأسانيد رفعها، قد رأينا أن نثبت منها طرفا، فقال بسند رفعه إلى محمد بن يحيى الصولى: إنّه لما حمل أحمد بن
نصر وأصحابه إلى الواثق بسرّ من رأى جلس لهم الواثق، وقال لأحمد بن نصر: دع ما أخذت له- قال: ما تقول فى القرآن؟ قال: كلام الله، قال: أمخلوق هو؟ قال: كلام الله، قال: أفترى ربك فى يوم القيامة؟
قال: كذا جاءت الرواية، قال: ويحك!! كما يرى المحدود المتجسم ويحويه مكان ويحصره الناظر!! أنا أكفر برب هذه صفته، ما تقولون فيه؟ فذكر من كلام عبد الرحمن بن إسحاق ما تقدم، وقال جماعة من الفقهاء كما قال، فأظهر ابن أبى دؤاد أنّه كاره لقتله فقال للواثق: يا أمير المؤمنين- شيخ مختلّ لعله به عاهة أو تغير عقل، يؤخر أمره ويستتاب، فقال الواثق: ما أراه إلا مؤديا لكفره، قائما بما يعتقد منه، وذكر من قيام الواثق إليه نحو ما تقدّم، إلا أنّه قال إن الواثق ضرّب عنقه.
ثم قال بسند آخر رفعه إلى جعفر بن محمد الصائغ «1» أنه قال: بصر عيناى- وإلا فعميتا- وسمع أذناى- وإلا فصمتّا- أحمد بن نصر الخزاعى حيث ضربت عنقه يقول رأسه: لا إله إلا الله.
وقال بسند آخر إلى العباس بن سعيد «2» : نسخة الرقعة المعلقة فى أذن أحمد بن نصر- بسم الله الرحمن الرحيم هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك دعاه عبد الله الإمام هارون- وهو الواثق بالله أمير المؤمنين- إلى القول بخلق القرآن ونفى التشبيه فأبى إلا المعاندة، فجعله الله إلى ناره.
وكتب محمد بن عبد الملك الزيات «3» قال: ولما جلس المتوكل دخل عليه عبد العزيز بن يحيى المكى فقال: يا أمير المؤمنين- ما رئى أعجب من أمر الواثق قتل أحمد بن نصر وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دفن، قال:
فوجد المتوكل من ذلك وساءه ما سمعه فى أخيه، إذ دخل عليه محمد بن عبد
الملك الزيات، فقال له: يا ابن عبد الملك- فى قلبى من قتل أحمد بن نصر، فقال له: يا أمير المؤمنين- أحرقنى الله بالنار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا، ودخل عليه هرثمة فقال: يا هرثمة- فى قلبى من قتل أحمد بن نصر، فقال: يا أمير المؤمنين- قطعنى الله إربا إربا إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا، قال: ودخل عليه أحمد بن أبى دؤاد، فقال:
يا أحمد- فى قلبى من قتل أحمد بن نصر، فقال: يا أمير المؤمنين- ضربنى الله بالفالج إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا، قال المتوكل: فأما ابن الزيات فأنا أحرقته بالنار، وأما هرثمة فإنّه هرب وتبّدى، واجتاز بقبيلة خزاعة فعرفه رجل فى الحىّ فقال: يا معشر خزاعة- هذا الذى قتل ابن عمكم أحمد بن نصر، فقطعوه إربا إربا، وأما ابن أبى دؤاد فقد سجنه الله فى جلده.
وقال أحمد بن كامل القاضى «1» عن أبيه أنه وكل برأس أحمد بن نصر من يحفظه بعد أن نصب برأس الجسر ببغداد، وأن الموكل به ذكر أنه يراه بالليل يستدير إلى القبلة بوجهه، فيقرأ سورة يس بلسان طلق، وأنّه لما أخبر بذلك طلب فخاف على نفسه فهرب. وقال بسند آخر إلى إبراهيم بن إسماعيل بن خلف «2» : كان أحمد بن نصر خلّى، فلما قتل فى المحنة وصلب رأسه أخبرت أن الرأس يقرأ القرآن، فمضيت فبت بقرب من الرأس مشرفا عليه، وكان عنده رجّالة وفرسان يحفظونه، فلما هدأت العيون سمعت الرأس يقرأ الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ «3»
فاقشعر جلدى، ثم رأيته بعد ذلك فى المنام وعليه السندس والاستبرق وعلى