الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو، وثارت الفتن بسببه، فجاء غلام إلى دار يطلب ماء فسمع قائلا يقول: أيها الأمير تنحّ فهذا غلام يطلب ماء، فسمع الغلام فجاء إلى عيّار فأخبره، فأخذ معه ثلاثة نفر وجاء إلى صالح وبيده مرآة ومشط وهو يسرّح لحيته، فأخذه فتضرّع إليه فقال: لا يمكننى تركك، ولكنّى أمرّ بك على أبواب «1» أهلك وقوّادك وأصحابك، فإن اعترضك منهم اثنان أطلقتك، فأخرج حافيا وليس على رأسه شىء، والعامة تعدو خلفه وهو على برذون بإكاف، فأتوا به نحو الجوسق فقتلوه، وذلك لثمان «2» بقين من صفر منها، وأخذوا رأسه وحمل وطيف به على قناة ونادوا عليه: هذا جزاء من قتل مولاه، ولما قتل أنزل رأس بغا الصغير ودفع الى أهله ليدفنوه.
ذكر خلع المهتدى وموته
قال: وكان خلعه فى منتصف «3» شهر رجب سنة ست وخمسين ومائتين؛ وتوفى لاثنتى عشرة ليلة بقيت منه، وسبب ذلك أن أهل الكرخ والدور من «4» الأتراك تحركوا فى طلب أرزاقهم أول شهر رجب، فسكّنهم المهتدى فرجعوا، فبلغ أبا نصر محمد بن بغا أن المهتدى قال: إن المال عند محمد وموسى ابنى بغا، فهرب إلى أخيه وهو يقاتل مساور الخارجى، فكتب المهدى إليه أربع كتب يعطيه الأمان، فرجع هو وأخوه حبشون «5» فحبسهما ومعهما كيغلغ، وطولب أبو نصر محمد بن بغا بالمال،
فقبض من وكيله خمسة عشر ألف دينار، وقتل لثلاث خلون من شهر رجب ورمى فى بئر فأنتن، وأخرجوه إلى منزله وصلّى عليه الحسن بن المأمون.
وكتب المهتدى إلى موسى بن بغا لما حبس أخاه يأمره بتسليم العسكر إلى بايكباك والرجوع إليه، وكتب إلى بايكباك أن يتسلّم العسكر ويقوم بحرب مساور، فصار بايكباك بالكتاب إلى موسى فقرأه عليه، وقال: لست أفرح بهذا فإنّه تدبير علينا جميعا- فما ترى؟ قال موسى: أرى أن تصير إلى سامرّا وتخبره أنّك فى طاعته، وناصره علىّ وعلى مفلح فإنّه يطمئن إليك ثم تدبّر فى قتله، فأقبل إلى سامرا ومعه يارجوخ «1» وأسارتكين وسيما الطويل وغيرهم، فدخلوا دار الخلافة لاثنتى عشرة ليلة مضت من شهر رجب، فحبس بايكباك وصرف الباقون، فاجتمع أصحاب بايكباك وغيرهم من الأتراك وقالوا: لم حبس قائدنا؟ ولم قتل محمد بن بغا؟ وكان عند المهتدى صالح ابن على بن يعقوب بن المنصور فشاوره فيه، فقال: إنه لم يبلغ أحد من آبائك «2» ما بلغته من الشجاعة، وقد كان أبو مسلم أعظم شأنا عند أهل خراسان من هذا عند أصحابه، وقد كان فيهم من يعبده، فما كان إلا أن طرح رأسه حتى سكنوا، فلو فعلت مثل ذلك سكنوا، فركب المهتدى وقد جمعوا له جميع المغاربة والأتراك والفراغنة، فصيّر فى الميمنة مسرورا «3» البلخى- وفى الميسرة يارجوخ- ووقف هو فى القلب مع أسارتكين وطبايغو وغيرهما من القواد، وأمر بقتل بايكباك فقتل وألقى رأسه إليهم عتّاب بن عتّاب فقتلوه، وعطفت ميمنة المهتدى وميسرته بمن فيها من الأتراك فصاروا مع إخوانهم الأتراك، فانهزم الباقون عن المهتدى وقتل جماعة من الفريقين، فانهزم المهتدى وبيده السيف وهو ينادى: يا معشر الناس- أنا أمير
المؤمنين، قاتلوا عن خليفتكم فلم يجبه أحد من العامة، فصار إلى السجن وأطلق من فيه وهو يظن أنهم يعينونه فهربوا، فصار إلى دار أحمد بن جميل صاحب الشرطة فدخلها وهم فى أثره، فدخلوا عليه وأخرجوه وساروا به إلى الجوسق وهو على بغل، فحبس عند أحمد بن خاقان وقبّل المهتدى يده- فيما قيل- مرارا كثيرة، وأرادوه على الخلع فأبى واستسلم للقتل، فداسوا خصيتيه فمات واشهدوا على موته أنه سليم ليس فيه أثر؛ قال: وكانوا قد خلعوا أصابع يديه ورجليه من كعبيه، وقيل إن ابن عم بايكباك وجأه بسكين فقتله وشرب من دمه، قال: وطلبوا محمد بن بغا فوجدوه ميتا فكسروا على قبره ألف سيف.
وكانت خلافة المهتدى أحد عشر شهرا وخمسة عشر يوما، وكان عمره ثمانيا وثلاثين سنة، وقيل أكثر إلى أربعين سنة وقيل اقل إلى سبع وثلاثين. وكان مربوعا أسمر واسع الجبهة رقيقا أشهل طويل اللحية عظيم «1» البطن، وكان حسن الطريقة. قال: وصلّى عليه القاضى جعفر بن عبد الواحد «2» الهاشمى، ودفن بسامرا وكان مولده بالقاطول. وكان نقش خاتمه: من تعدّى الحق ضاق مذهبه. وكان له من الأولاد خمسة عشر ذكرا. وزراؤه أبو أيوب سليمان بن وهب وجعفر بن محمود الإسكافى وأبو صالح عبد الله «3» بن محمد وغيرهم، قاضيه: الحسن بن أبى الشوارب ثم عبد الرحمن بن نائل البصرى «4» . حجابه: صالح بن وصيف وبايكباك «5» وموسى بن بغا. الأمير بمصر: أحمد بن طولون. قاضيها بكّار.