الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن الواثق وهو غلام أمرد قصير، فألبسوه درّاعة سوداء وقلنسوة فإذا هو قصير، فقال وصيف: أما تتقون الله- تولون مثل هذا الخلافة!! فتناظروا فيمن يولّونه فذكروا عدة ثم أحضروا المتوكل، فألبسه أحمد بن أبى دؤاد الطويلة وعمّمه وقّبله بين عينيه، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله، وكان عمر المتوكل يوم ذاك ستا وعشرين سنة، ووضع العطاء للجند لثمانية أشهر. قال: وأراد ابن الزيات أن يلقّبه، فقال أحمد ابن أبى دؤاد: قد رأيت لقبا أرجو أن يكون موافقا- وهو المتوكل على الله، فأمر بإمضائه فكتب به إلى الآفاق. وقيل بل رأى المتوكل فى منامه قبل أن يستخلف كأنّ سكّرا ينزل من السماء- مكتوب عليه المتوكل على الله، فقصّها على أصحابه فقالوا: هى الخلافة، فبلغ ذلك الواثق فحبسه وضيّق عليه.
ودخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين
ذكر القبض على محمد بن عبد الملك الزيات
وفى هذه السنة لسبع «1» خلون من صفر قبض المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات، وكان سبب ذلك أنّ الواثق كان قد استوزره وفوّض إليه الأمور كلها، وكان قد غضب على أخيه جعفر المتوكل، ووكل عليه من يأتيه بأخباره كلها، فجاء المتوكل إلى ابن الزيات فسأله أن يكلّم الواثق ليرضى عنه، فوقف بين يديه وهو لا يكلّمه، ثم أشار إليه بالقعود فجلس، فلما فرغ من الكتب التى بين يديه التفت إليه كالمتهدّد، وقال: ما جاء بك؟
قال: جئت لتسأل أمير المؤمنين الرضا عنّى، فالتفت إلى من حوله وقال:
انظروا يغضب أخاه ثم يسألنى أن أسترضيه له، اذهب فإنّك- إذا
صلحت- رضى عنك، فقام من عنده حزينا «1» وأتى أحمد بن أبى دؤاد، فقام إليه واستقبله على باب البيت وقبّل يده، وقال: ما حاجتك؟
جعلت فداك، قال: جئت لتسترضى عنّى أمير المؤمنين، قال: أفعل ونعمة عين وكرامة، وكلّم أحمد الواثق فيه فوعده- ولم يرض غنه، ثم كلّمه ثانية فرضى عنه وكساه قال: ولما خرج المتوكل من عند ابن الزيّات، كتب أن جعفرا أتانى فى زى المخنثين له شعرقفا، يسألنى أن أسأل أمير المؤمنين الرضا عنه، فكتب إليه الواثق: ابعث إليه وأحضره، ومر بجزّ شعر قفاه، قال المتوكل: لما أتانى رسوله لبست سوادا جديدا، وأتيته رجاء أن يكون قد أتاه الرضا عنّى، فاستدعى حجاما وأخذ شعرى على السواد الجديد، ثم ضرب به وجهى، فلما ولى المتوكل الخلافة أمهله إلى صفر، وأمر إيتاخ بأخذ ابن الزيات وتعذيبه، فاستدعاه وأدخله حجرة ووكل به، وأرسل من أصحابه من هجم منازله وأخذ كل ما فيها، واستصفى أمواله وأملاكه فى جميع البلاد، ثم جعله فى تنّور كان قد عمله هو وعذّب به ابن أسباط «2» وأخذ ماله، وكان التنّور من خشب فيه مسامير من حديد، أطرافها إلى داخل التنور، يمنع من يكون فيه من الحركة، وكان ضيّقا بحيث إن الانسان إذا دخل فيه يمد يديه إلى رأسه ليقدر على دخوله لضيقه، فبقى أياما ومات لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول منها، وقيل: بل ضرب فمات وهو يضرب، وقيل مات بغير ضرب؛ وقد تقدّم أن المتوكل حرقه بالنار والله أعلم.
ولما مات ألقى على الباب بقميص فغسّل ودفن، فقيل إن الكلاب