الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الثاني والثلاثون
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد، فهذا هو الجزء الثانى والثلاثون من كتاب «نهاية الأرب فى فنون الأدب» لشهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويرى المتوفى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة من الهجرة. وهو يؤرخ للحقبة الزمنية التى تبدأ من سنة إحدى وسبعمائة وتنتهى بنهاية سنة إحدى وعشرين وسبعمائة. وفيها تقع أحداث دولة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية اعتبارا من السنة الرابعة من ولايته إلى منتصف شوال من سنة ثمان وسبعمائة، وأحداث دولة الملك المظفر بيبرس المنصورى الجاشنكير، والتى انتهت فى رمضان سنة تسع وسبعمائة. ثم دولة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة حتى نهاية السنة الحادية عشرة من ولايته وهى سنة عشرين وسبعمائة هذا فضلا عن الأحداث والحروب التى وقعت بين مملكة غرناطة الإسلامية بالأندلس، ومملكة قشتالة المسيحية فى سنة تسع عشرة وسبعمائة، وانتصرت فيها الجيوش الإسلامية.
وكذلك أخبار إمارة الأشراف الحسنيين أولاد أبى نمىّ محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة الحسنى وهم عز الدين حميضة، وأسد الدين رميثة، وعماد الدين أبو اليث، وسيف الدين عطيفة، والنزاع الذى وقع بينهم على تولى إمارة مكة. وموقف السلطنة فى مصر منهم، وتدخلها فى النزاع لضمان استتباب الأمن بمكة وبخاصة فى مواسم الحج وحماية للمجاورين من ظلم الأمراء وأتباعهم.
وترجع أهمية هذا الجزء إلى أن النويرى عايش كل الأحداث التى وقعت فى هذه الحقبة إما من مشاهدة، أو سماع ممن شهدها أو نقل عن رسائل ممن شهدها، ويسر له ذلك ما كان يتولاه من أعمال تجعله قريبا من صناع القرار ومدبرى تلك الأحداث.
من ذلك أنه يقول فى أخبار سنة 107 هـ: رسم بتوجهى إلى دمشق المحروسة، لمباشرة الأملاك السلطانية بالشام، وتوجهت إلى دمشق فى جمادى الآخرة، وفيه وصلت إلى دمشق- وهو أول دخولى إليها.
ويقول فى أخبار حرب التتار سنة 702 هـ وفى يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شعبان اختبط الناس بدمشق. وجفلوا من الحواضر والقرى، وخرج أكابر أهل دمشق وأعيانها فى هذا اليوم منها. فمنهم من التحق بالحصون، ومنهم من توجه نحو الديار المصرية، وكنت يوم ذاك بدمشق، فخرجت منها بعد أن أعددت لأمة الحرب، والتحقت بالعسكر بعد الغروب إلى منزلة العسكر بميدان الحصا، فوجدتهم قد توجهوا إلى مرج الصفر، فلحقته الجيوش فى يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر- وهو سلخه- وأقمنا بالمرج يوم الخميس ويوم الجمعة.
ثم يسوق أخبار الحرب إلى أن انتهت بنصر جيوش السلطان على التتار.
ويقول فى أخبار سنة 703 هـ وقع فناء عظيم فى الخيول بالشام حتى كاد أن يأتى عليها، ونفقت أكثر خيول الناس، وكنت أملك عشرة أرؤس من الخيول الجياد أو أكثر، فنفقت كلها، واحتجت إلى ابتياع ما أركبه. ثم أخذ فى الحديث عن غلاء أسعار الخيل بعد أن كانت تدنت بعد الانتصار على التتار وأخذ خيولهم وأسلحتهم.
وفى هذه السنة يقول أيضا وفيها فى شهر رمضان توجهت من دمشق إلى الأبواب السلطانية بالديار المصرية مفارقا لمباشرة أملاك الخاص الشريف، وكان وصولى إلى القاهرة فى يوم الأحد السابع والعشرين من شهر رمضان بعد الظهر، وباشرت ديوان الخاص، والبيمارستان المنصورى وما معه من الأوقاف المنصورية فى بقية اليوم الذى وصلت فيه، ورفع إلىّ حساب المياومة قبل غروب الشمس.
وفى أخبار سنة 709 هـ- بعد أن غادر الناصر محمد بن قلاوون قلعة القاهرة، وتوجه إلى قلعة الكرك ونزل بها هو وخواصه، وكتب إلى الأمراء بالقاهرة أنه تخلّى عن الملك- يقول النويرى: وفى أوائل شهر ربيع الآخر توجهت من القاهرة إلى الكرك، والتحقت بالأبواب السلطانية إلى أن عاد الركاب الشريف السلطانى الملكى الناصرى، وعدت إلى القاهرة في سلخ رمضان.
وفى أخبار سنة 710 هـ يقول: وفى هذه السنة رسم لى أن أتوجه إلى المملكة الطرابلسية صاحب الديوان بها، وكتب توقيعى، وهو من إنشاء شهاب الدين محمود الحلبى، بخط ولده، القاضى جمال الدين إبراهيم، وهو مؤرخ فى الخامس عشر من المحرم، وتوجهت فى مستهل صفر، ووصلت إلى طرابلس، وباشرت الوظيفة، ثم انتقلت إلى نظر الجيوش بها في مستهل شوال من السنة.
وفى أخبار سنة 712 هـ يقول: وفى هذه السنة حصل انفصالى من نظر الجيش بالمملكة الطرابلسية فى منتصف جمادى الأولى، وتوجهت إلى الديار المصرية، فكان وصولى إلى القاهرة فى العشرين من شهر رجب من السنة.
ثم إنه يتابع أخبار مواقف الإمام ابن تيمية منذ الخلاف الذى حصل بينه وبين الصوفية، أو بينه وبين قاضى قضاة المالكية وغيره، والطعن فى رأى ابن تيمية وفتاويه فى مسألة الطلاق، وقوله فى كلام الله تعالى وقدمه وهل هو بصوت أو بلا صوت. واستوائه تعالى على العرش، ومحاققته، والتحامل عليه، ومنعه من الفتوى فى موضوع الطلاق، وترحيله إلى القاهرة وسجنه إلخ.
كما يتابع أحداث النصيرية وآراءهم، وموقف السلطان منهم ومراسيمه فى شأنهم والقضاء عليهم وفتوى الإمام ابن تيمية بخروجهم من ملة الإسلام.
وفى عرض المؤلف للأحداث فى الأندلس سنة 719 هـ والحرب بين المسلمين والمسيحيين، وانتصار الجيوش الإسلامية فى وقائع متتالية يحرص النويرى على توثيق الأخبار حين يقول: كانت هذه الوقعة المباركة التى أجلت
عن الظفر والغنيمة فى شهر ربيع الأول من سنة تسع عشرة وسبعمائة، ووصل الخبر بها إلى الديار المصرية فى سنة عشرين وسبعمائة، واجتمع بى من حضر هذه الوقعة، وقص على نبأها. وعلقت ذلك منه ثم فقدته، ورأيت هذه الوقعة قد ذكرها الشيخ شمس الدين الجزرى فى تاريخه عن الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن يحيى بن ربيع المالقى، وملخص ما نقله عنه
…
وبعد سرده للملخص يقول: وقد ورد كتاب إلى الديار المصرية من أغرناطة من جهة الشيخ حسين بن عبد السلام تضمن من خبر هذه الغزاة. وسرد ما جاء بكتابه.
ومن هذه النقول يتضح حرص المؤلف على متابعة الأخبار التى عايشها بما يضفى أهمية كبيرة على تاريخ النويرى لتلك الحقبة ويجعل منه المصدر الموثوق به لدى المؤرخين فاعتمدوا على النقل منه- ليس من أرخوا لمصر والشام فقط ولكن من أرخوا للحجاز أيضا، وقد عايشت تاريخ مكة فى كتاب «إتحاف الورى بأخبار أم القرى» للنجم عمر بن فهد المتوفى سنة 885 هـ، وكتاب «غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام» للعز عبد العزيز بن عمر بن فهد المتوفى سنة 922 هـ ورأيت مدى اعتمادهما على النقل من نهاية الأرب فيما يتصل بإمارة مكة المكرمة وعلاقتها بالسلطنة فى مصر. كما رأيت تقى الدين محمد ابن أحمد بن على الفاسى المتوفى سنة 832 هـ يعتمد عليه فى كتابيه «شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام» و «العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين» وهذا الجزء من كتاب نهاية الأرب يعتبر النص الأول الذى قمت بتحقيقه، وكان تقرير أستاذنا الكبير المرحوم الدكتور عبد العزيز الأهوانى- الذى كان لى شرف أن يراجع عملى فيه- دافعا قويا لى على مواصلة الاشتغال بتحقيق التراث التاريخى؛ ذلك لأنه أثنى على جهدى بقوله: إنه جهد باحث واعد فى تحقيق النصوص. وكان رحمه الله صاحب مدرسة فى التحقيق؛ كان لا يرضى أن يتجرأ محقق على انتقاص جهد الأساتذة الذين سبقوه فى هذا الميدان، وعاهدنى ألا أعرّض بخطأ أحد مهما كبر هذا الخطأ أو صغر، وقال: يكفيك أنك عرفت الصواب.
ومضيت فى التحقيق لكتب التاريخ، وكنت أقدم له كل نص يطبع، وكان يذكرنى بما قاله فى تقريره عنى وعن جهدى.
وقد اختاره الله إلى جواره فى 13 مارس سنة 1979 م، وبفقده فقدنا عالما جليلا، يسابق أدبه علمه. كان أستاذا للأدب العربى بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم وكيلا لوزارة الثقافة، ثم رئيسا للهيئة المصرية العامة للفنون، وكنت من الذين يتمتعون بعطفه ورعايته وما أكثر مريديه الذين شاركونى فى هذا العطف وتلك الرعاية. فجزاه الله أجر ما قدم من فضل لأبنائه والعاملين معه وأسكنه فسيح جناته.
وقد تم تحقيق هذا الجزء فى سنة 1962 م وسلم للمؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، لدفعه إلى المطبعة. ولكنه بقى فى مخازن المؤسسة حتى سنة 1992 م. وعنّ لى أن أعود إليه مرة أخرى قبل دفعه للمطبعة- وبعد أن حققت منفردا ستة عشر مجلدا من التراث التاريخى وأربعة مجلدات بالاشتراك مع أساتذة أفاضل. وطلبت ذلك من مركز تحقيق التراث بالهيئة المصرية العامة للكتاب، وتفضل المركز فوافق. وقد أضفت إلى جهدى فى التحقيق السابق كثيرا، وأعدت ضبط ما كنت ضبطته بالشكل لأن طول المدة أتى على الضبط ومحاه كله تقريبا. أما ما أضفته فأغلبه فى أخبار إمارة مكة، وأزمة الإمام ابن تيمية، وأخبار النصيرية، وتراجم بعض الأعلام.
وقد حظى هذا الجزء بما لم يحظ به غيره من الأجزاء إذ تفضل أستاذنا الجليل الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور بمراجعته- بعد إضافاتى الجديدة، وأضفى عليه من علمه وفضله ونظراته الثاقبة، فجزاه الله عنى خير الجزاء، ومد فى عمره حتى ينعم الكثير من أبنائه بأستاذيته الكريمة.
وقد اعتمدت فى تحقيق هذا الجزء على مصورات ثلاث:
إحداها: مصورة مخطوطة «كوبريلى» ورقمها فى دار الكتب المصرية هو 549 معارف عامة وقد رمزت إليها بحرف «ك» وتقع هذه المصورة فى 142 لوحة، وقد تبين أنه يسقط منها ما يوازى 55 صفحة من المنسوخة عنها استكملتها من مصورة أخرى، وهى مكتوبة بخط نسخى جميل غير أنها كثيرة البياض فى صفحاتها الأخيرة وأكثر البياض عناوين، ولعلها كانت فى الأصل مكتوبة بقلم أحمر ولم تظهر فى التصوير، وقد ملأت هذا البياض من النسختين الأخريين.
والثانية: هى المصورة عن مخطوطة «أيا صوفيا» ورقمها فى دار الكتب المصرية 551 معارف عامة.
وقد رمزت إليها بالحرف «ص» ويرجح أن هذه النسخة بخط المؤلف، وتقع فى 241 لوحة مقسمة على ثلاثة أقسام، كل قسم فى مجلد، ويصل ترقيم اللوحات فى الأقسام الثلاثة إلى رقم 482، وهذه النسخة مصدرة بوقفية ومنهية بخاتمة، وتعتبر أتم النسخ الثلاث، وخطها نسخى معتاد، وقد استكملت الساقط فى «ك» منها.
والثالثة مصورة عن مخطوطة «الفاتيكان» ورقمها فى دار الكتب المصرية 592 معارف عامة وقد رمزت إليها بالحرف «ف» وهى تنقص مقدار 89 صفحة من المنسوخة، ويشتمل الساقط على بعض أحداث سنة 701، 702 وبينها وبين مخطوطة كوبريلى شبه كبير. لكنها تتميز بضبط بعض الكلمات بالشكل وخصوصا أسماء الأعلام.
وقد تم مقابلة المنسوخة على المصورات الثلاث، وعلقت على مواطن الاختلاف فى العبارة أو الفروق فى بعض الكلمات. مع إثبات الراجح فى متن المنسوخة قمت بضبط الألفاظ التى تحتاج إلى الضبط بالشكل، وخصوصا الأعلام، والمصطلحات الحضارية كالوظائف والآلات والصنائع والألفاظ
المقحمة على اللغة العربية من الفارسية والتركية. وصوبت لغة الكتاب من حيث قواعد الإعراب. وسلامة الرسم الإملائى: ووضعت علامات الترقيم المتعارف عليها فى أماكن الحاجة إليها من أسلوب الكتاب.
وقابلت أحداث الجزء على التواريخ وغيرها من الفنون التى عالجت التأريخ لهذه الحقبة الزمنية، ووثقت الأحداث بما جاء فى تلك المراجع، وأثبت ما يكون من خلاف بينها في التعليقات على النص، وسيضمّن فهرس المراجع أسماء الكتب التى استعنت بها.
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل، تحريرا فى 12 من رمضان سنة 1412 (16 مارس سنة 1992 م) المحقق فهيم محمد علوي شلتوت ولا يفوتنى أن أذكر ما قام به الأستاذ عز الدين محمد أبو الحسن والسيدة أسما محمود محمد من التصحيح الطباعى لهذا الجزء ومتابعته فى المطبعة من حيث سلامة التجارب بحيث أصبح هذا الجزء فى مستوى الأجزاء الأخرى من هذا الكتاب فلهما الشكر على ما قاما به.
فهيم محمد علوي شلتوت