الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فجمعت من بيسان [1] من الغور وما بعدها من المراكز إلى دمشق، وقصد بذلك تعذر وصول البريد من الديار المصرية إلى الشام وترادفت الأمراء من دمشق إلى خدمته أولا فأولا، ولما شاهد الأمير جمال الدين نائب السلطنة بالشام ذلك من حال الأمراء، ولم يكن قد قدّم من الخدمة ما يقضى اللحاق بخدمة السلطان والانضمام إلى، ثم أجمع أمره على مفارقة دمشق، وتوجّه بعض مماليكه إلى شقيف أرنون [2] وكان خروجه من دمشق فى ليلة الأحد سادس عشر شعبان، وصحبه الأمير علاء الدين بن صبح مقدم الجبلي، والتحق بركاب السلطان جماعة من مماليكه، واستمر السلطان على المسير إلى أن وصل إلى دمشق فى الساعة السابعة من يوم الثلاثاء ثامن عشر شعبان ونزل، بالقصر الأبلق وانتظم له الأمر واستوثق.
وكان كتاب الملك المظفر قد وصل إلى سائر
النواب والأمراء بالممالك الشامية: أنه متي استدعاهم الأمير جمال الدين نائب السلطنة بالشام لا يتأخرون عن خدمته، فأوّل من استدعى الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار نائب السلطنة بالشام بالمملكة الصفدية فحضر بعسكر صفد فلما وصل السلطان تلقاه بالطاعة وحلف له، ثم أرسل السلطان الأمير جمال الدين آقش الأفرم فى العود، [55] وبذل له الزمان، ووعده بمضاعفة الإحسان والعفو عما سلف من ذنبه فحضر إلى الخدمة السلطانية فى يوم السبت ثانى عشرين شعبان وهو مشدود الوسط بمنديل فتلقّاه السلطان، وترجل لترجله وأحسن إليه وخلع إليه، وتحدث معه فى النيابة على عادته، ثم ترادف وصول نوّاب السلطنة بالممالك الإسلامية وعساكرها، فوصل الأمير سيف الدين تمر الساقى بعسكر حمص ثم وصل الأمير سيف الدين قبجق نائب السلطنة بحماة، والأمير سيف الدين أسندمر نائب السلطنة بالفتوحات وعساكرهما فى يوم
[1] بيسان: مدينة بين حوران وفلسطين (معجم البلدان 1: 788) .
[2]
شقيف أرنون: عمرها السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقدارى سنة 662 هـ وكانت قد خربت فى سنة 658 وهو قلعة حصينة قرب بانياس، وحاليا تقع فى جنوب لبنان، ويقال قلعة الشقيق ومعجم البلدان 3: 403 تحقيق فريد الجندى، والمنجد فى الأعلام ص 37) .
الإثنين رابع عشرين الشهر فركب السلطان وتلقاهما، وعاملهما بما عامل به الأمير جمال الدين الأفرم، ثم وصل الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى نائب السلطنة بحلب فى يوم الجمعة ثامن عشرين الشهر، فتلقاه السلطان كما تقدم، ووصل العسكر الحلبى فى بكره نهار السبت بأحسن زى وأفخر ملبوس وأكمل عدة، وقدم سائر النواب من الأموال والمماليك والخيول والأقمشة والتحف وغير ذلك ما يخرج عن الإحصاء، وظهر من حسن إخلاصهم ما لا يزيد عليه، وخطب للسلطان الملك الناصر على منابر دمشق فى يوم الجمعة ثامن عشرين شعبان، وأقيمت الجمعة بالميدان، وحمل إليه منبر وصناجق وخطب خطيب الجامع واستناب عنه، وصلى السلطان الجمعة بالميدان، والقضاة والنواب والأمراء وكذلك أيضا فى الآتية [1] فى خامس شهر رمضان وأعاد السلطان قاضى القضاة تقى الدين سليمان الحنبلى [2] ، وكان قد عزل فى أيام المظفر- فأعاده السلطان فى يوم الإثنين رابع عشرين شعبان وخلع عليه فى يوم الأربعاء، وحكم فى يوم الخميس.
ولما تكامل وصول النواب والعساكر أمر السلطان بالنفقة فى سائر الجيوش، وابتدى بها فى يوم الإثنين مستهل شهر رمضان وجرّدت العساكر أولا فأولا، فجرد السلطان الأمير سيف الدين اسندمر والأمير سيف الدين تمر الساقى وأمرهما أن يتقدما إلى غزة بمن معهما، فتوجها، واستدعى السلطان الأمير سيف الدين كراى المنصورى- وكان بالقدس كما تقدم ذكر ذلك- فوصل إلى دمشق مسرعا بهمة عالية، ورغبة فى الخدمة ظاهرة، فرسم السلطان له ولمن معه من مماليكه بالنفقة، فامتنع من قبولها وسأله أن يؤذن له فى النفقة من ماله على جماعة من العسكر فشكر له ذلك، وخلع عليه وسأل أن يتقدم إلى غزة فأذن له بالتقدم بمن معه، وجمع طائفة من العرب ونفق فيهم من ماله ووصل إلى الخدمة السلطانية فى ثامن شهر رمضان من الديار المصرية أربعة من المماليك السلطانية، وأنهوا له الأحوال على جليتّها وأن جماعة من الأمراء المصريين
[1] أى فى الجمعة المقبلة.
[2]
هى تقى الدين سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر المقدسى الحنبلى المتوفى سنة 715 هـ (البداية والنهاية 14: 75، والنجوم الزاهرة 9: 231، والدرر الكامنة 2: 146، وطبقات الحنابلة 2: 264، وشذرات الذهب 6: 35) .