الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر حادثه غريبة
وفى هذه السنة وردت مطالعة نائب السلطان بحماة تتضمن أن [1] أراضى بارين [2] من بلد حماه جبلين بينهما واد يجرى الماء فيه وانتقل [3] نصف الجبل الواحد من موضعه إلى الجبل الآخر والتصق ولم يسقط فى الوادى الذى بينهما شئ من حجارته وأن النائب بحماة كشفه بالقاضى ببارين وعمل به محضرا وطول النصف الذي انتقل من الجبل مائة ذراع وعشرة أذرع وعرضه خمسة وخمسون ذراعا ومسافة الوادى الذى بين الجبلين مائة ذراع وقرئت المطالعة بمحضر نسخته بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
لما اشتهر فى البلاد وانتشر فى الحاضر والباد أن يعمل حصن الأكراد جبلا بوادى بارين قد أفضى بعضه الى التحويل ولم يكن ذلك فى القدرة الإلهية بمستحيل واتصل ذلك بالمسامع الشريفة المولوية السيفية كافل الممالك الشريفة الحموية شنفها الله تعالى بما تحب أن تسمع وطوقها بلطائف الخير أجمع فأحب- أعلى الله له شأنا وملا قلبه نورا وإيمانا- أن يعلم حقيقة ذلك إيقانا وأن يكشف كنهه وضوحا وبيانا انتدب لتحقيق هذه الصورة الجناب العالى الحسامى نقيب العساكر المنصورة وعلى يده المرسوم الكريم إلى المجلس العالى الشهابى متولى بارين المعمورة أن يخرجا والحاكم الذى سيضع خطه أعلاه ومعهم [4] من الشهود من سيرقم شهادته أدناه وأن ينتهوا إلى الوادى المشار إليه ويشاهدوا هذا الجبل ويقفوا عليه وأن يحققوا فى ذلك قصة الحال أحق ما قيل عنه أو محال؟ فبادروا الى امتثال [5] ما رسم لهم به مسرعين وخرجوا نحو الجبل مهرعين، وحضروا جميعا بقرية بقعبرا وسألوا أهلها ما حدث على الجبل وطرأ فإذا برجلين قد دخلا فى واد بين جبلين وقالا [6] هذا الجبل الذى نزل به ما نزل وفى قعر الوادى الماء
[1] فى ك «بأن بأرضى» .
[2]
بارين أو بعدين: بلدة صغيرة بها قلعة وعيون وبساتين وصفها ياقوت بأنها مدينة حسنة بين حلب وحماة من جهة الغرب (معجم البلدان) .
[3]
فى ص «فانتقل» .
[4]
فى ك «ومعه» والمثبت من ص، وف.
[5]
هذا اللفظ ساقط من ك.
[6]
فى ك «وقال» المثبت من ص، وف.
يترقرق ويسيل ويتدفق ووقفوا عند عرقوب فى الجبل القبلى ناتئ مستعل صفته بين الانضمام والانسطاح وقد تحلق على صفحة الجبل المقابل له وطاح ولم يقع منه فى قعر المسيل الا النزر القليل مع أن أصله تراب أن هذا الشئ عجاب وبقى ما انسلخ منه متقعرا فى الجبل كهيئة محراب [1] وسفل الوادى على حاله لم يتغير والماء جار على العادة فيه يتكسر ويتحدر لم يحصل له سدة ولا احتقان ولا انتقل جريانه من مكان إلى مكان على أن ما انقلع منه طولا عشرة أذرع ومائة جملة وتفصيلا، وعرضا نصف ذلك قليلا، وعفا مثل نصف العرض تقريبا ومدي الحذف [2] كالطول أو يكون منه قريبا، وذكر من حضر من أهل المكان أن وقوع ذلك فى أواخر رجب وأوائل شعبان ومن وقف على أثر هذا المكان ورآه وعلم من هذا الكتاب فحواه وضع به خطه أدناه وكان ذلك فى نهار الخميس ثامن عشرين شعبان سنة ست وسبعمائة وبذيل المحضر خط شهود وما علاه خط الحاكم ببارين ومثاله: الحمد لله حمدا يرضاه وقفت على الوادى المذكور وشاهدت العرقوب الذى انقلع ونقل ترابه وفيه نبات وحجارة على صفحة الجبل الذى قابله والتأم فى ذرعه [3] وعدم وقع التراب فى مسيل الماء كما شرح فيه، كتبه أبو بكر بن نصر الهاشمى المعاد [4] الشافعى العباسى الحاكم ببارين- عفا الله عنه وفيها فى يوم الجمعة الرابع والعشرين من شوال خطب بالجامع الجديد الغربى بسفح جبل قاسيون الذى أنشأه الأمير جمال الدين آقش الأفرم نائب السلطنة الشريفة بالشام مقابل الرباط الناصرى وخطب فيه القاضى شمس الدين بن المعز الحنفى.
وفى هذه السنة ولى قاضى القضاة صدر الدين أبو الحسن على بن الشيخ صفى [41] الدين أبى القاسم بن محمد الحنفى البصروى [5] القضاء بدمشق عوضا عن القاضى شمس الدين الأذرعى الحنفى، وكان وصوله إلى دمشق فى تاسع عشرين ذى القعدة.
[1] فى ك «المحراب» والمثبت من ص، وف.
[2]
عبارة الأصول «مثل نصفه العرض بقربها ومعا للحذف» وليس لها بهذا الشكل أى معنى. ولعل الصواب ما أثبته.
[3]
ذرعه: أى فى قياسه على رواية ص- أو فى جانبه- على رواية ك.
[4]
كذا فى الأصول، ولعل المراد أن نسبه يعود إلى بنى هاشم.
[5]
هو قاضى القضاة صدر الدين على بن محمد بن عثمان البصراوى، توفى سنة 727 هـ (شذرات الذهب لابن العماد الحنبلى 6: 78، والنجوم الزاهرة 9: 268) .
وفيها فى يوم الثلاثاء ثامن عشر ذى الحجة أعيد الأمير سيف الدين بكتمر الحسامى إلى الحجبة بالشام وولى وظيفة الشد بدمشق الأمير جمال الدين آقصى الرستمى نقل من ولاية الولاة بالضفة القبلية إلى هذه الوظيفة ببذل وهو ثمانمائه ألف درهم فى أربع سنين واشترط أنه لا يحدث حادثا ولا يجدد رسما وباشر الوظيفة في يوم الخميس العشرين من الشهر وحضر الأمير سيف الدين بكتمر معه إلى الديوان حتى رتبه فى الوظيفة وتوجه الأمير عز الدين حسين بن صبرة إلى الضفة القبلية والى الولاة وكان خروجه لذلك فى ثامن المحرم سنة سبع وسبعمائة.
وفى سنة ست وسبعمائة أيضا فى تاسع جمادى الأولى ورد إلى دمشق فقير أعجمى اسمه براق فى جمع كثير من الفقراء، وشعارهم أنهم يحلقون لحاهم ويبقون شواربهم ويلبسون على رءوسهم كلاوت من اللباد الأبيض يتعممون فوقها وفوق الكلاوت قرون ومعهم أجراس فأنزلهم نائب السلطنة بالمنيبع [1] ورتب لهم راتبا كثيرا ثم توجه براق ومن معه إلى القدس وقصد دخول الديار المصرية فلم يؤذن له فى ذلك فرجع، ومن سنة هؤلاء أنه [2] من تأخر منهم عن صلاة فى وقتها ضرب أربعين سوطا وفيها توفى الطواشى عز الدين دينار الغزنوى [3] الخزندار الظاهرى الدوادار الناصرى، كان دوادار السلطان الملك الناصر، وناظر الأوقاف الظاهرية، وكانت وفاته فى يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الأول، وكان ديّنا خيّرا، كثير المطالعة، لين الجانب، يحب أهل الخير ويكرمهم- رحمه الله تعالى-[4] .
وفيها توفى الأمير عز الدين أيبك الطويل الخازندار المنصورى بدمشق فى حادى عشر شهر ربيع الأول، ودفن بقاسيون وكان مشكور السيرة والديّانة- رحمه الله تعالى-.
[1] المنيبع: محلة غربى دمشق، ومن متنزهاتها (ذيول العبر ص 24 هامش) .
[2]
فى ك «أنهم» والمثبت من ص، وف.
[3]
كذا فى الأصول. وفى النجوم الزاهرة 8: 225 وفهارس هذا الجزء «الطواشى عز الدين العزيزى الخازندار الظاهرى.
[4]
هذا اللفظ ساقط من ك، والمثبت من ص، وف.
وفيها فى ذى الحجة توفى الأمير سيف الدين بلبان الجوكان [1] دار المنصورى نائب السلطنة بحمص- رحمه الله تعالى- وهو من المماليك السلطانية فى زمن إمرة السّلطان الملك المنصور، وكان رجلا جيّدا أمينا ثقة ما رأيت فى أبناء جنسه ممن اختبرته فى الأمانة والعفة مثله، رافقته مدّة فى ديوان الخاص بدمشق واطّلعت منه على أمانة غزيرة، ونزاهة وافرة ومعرفة تامة وكان يوم ذاك ينوب عن السلطنة بقلعة دمشق وفوض إليه السلطان شد ديوان أملاكه بالشام، وكتبت يومئذ مباشرها، وذلك فى شوال سنة اثنتين وسبعمائة إلى أن نقل إلى نيابة السلطنة بحمص فاطلعت من أمانته ونزاهته ومعرفته على ما أشرت إليه، وكان قد اشتهر عنه فى مباشرة شدّ الدواوين عدم المعرفة والغفلة والبلادة، فلما رافقته ظهر لى منه معرفة تامة، وخبرة واطلاع ينافى ما كان قد اشتهر عنه، فسايرته يوما وانفردت بمسايرته، وجرى بنا الحديث فسألته عن ذلك، وعرّفته ما ظهر لى منه وما كان قد اشتهر عنه، فتبسّم وقال: والله ما لمح أحد من أمرى ما لمحته، وما سألنى أحد عنه قبلك، وأنا أخبرك عن ذلك، وهو أننى والله ما ولّيت للسلطان ولاية قطّ وأنا راض بها، وشرع يذكر لى ولايته وتنقلاته من الجندية وما بعدها، ثم قال: ولما نقلت من نيابة قلعة صفد إلى دمشق ووليت شاد الدواوين وأستاذ دارية كرهت ذلك أشدّ كراهة واستعفيت منه فلم أعف، والله كان إذا أحضرت إلىّ النفقة المقررة لى على بيت المال عن وظيفة الشد. وهى فى كل يوم خمسة وسبعون درهما- ووضعت بين يدى يخيّل لى أنها عقارب تلدغنى ولقد والله كنت أعرض على نفسى أنواع البلاء والعاهات، وولاية الشد [42] فيسهل على أن ابتلى ببعض العاهات ولا أكون مشدّا، إلا العمى فإنى كنت أستصعبه وأختار الشد عليه، وأما لو خيرت أن يبطل إحدى يدى أو رجلىّ أو عينىّ تزول إحدهما وأبصر بالأخرى وأعفى من الشد لا خترت ذلك، ورضيته على الشد فقصدت إظهار عدم المعرفة والتغافل عن المهمات والمصالح حتى شاع ذلك عنى واتصل بأبواب السلطنة ورجوت بذلك الخلاص من وظيفة الشد، فلم يجد ذلك لى نفعا ولا عزلت، ففكرت بعض
[1] كذا رسم الكلمة من الأصول. وترسم أيضا «الجوكندار» وانظر الدليل الشافى 1: 198.
الليالى فى أمر أفعله يكون سبب خلاصى، فألهمنى الله تعالى أنه لا يخلصنى من الشد إلا أن أردّهم عن المظالم، وألّا أوافق على فعلها، واتّفق فى غضون ذلك أنّ القاضى شرف الدين بن مزهر [1] ناظر الدواوين حضر إلىّ وقد عين أسماء جماعه من الولاة والمباشرين بالأعمال البرانية أن يستخرج منهم مبلغ ثمانين ألف درهم لبيت المال، فلم أوافقه على ذلك، ورددته عنه، وقبحت عليه فعله، ففارقنى واجتمع بنائب السلطنة الأمير جمال الدين، وشكا إليه ذلك، وكتب تذكرة، وعلم نائب السلطنة عليها وسلمها إلىّ فى المجلس وقال لى استخرج مبلغها من هؤلاء. فقلت والله لا أفعل هذا أبدا ولا أوافق عليه، وإنما أنا أطلب هؤلاء الذين عينوا فى هذه التذكرة، ويحاققهم هذا الناظر وجماعة المستوفيين، فمن ظهرت خيانته استعدت منه ما التمسه، وأدّبته أدبا شافيا، ومن ظهرت أمانته خلعت عليه وأحسنت إليه وأعدته إلى جهته، أو نقلته إلى أجود منها، وأما خلاف هذا فلا أفعل. فطالع شرف الدين بن مزهر الأبواب السلطانية بذلك، فوصلت تذكرة سلطانية من الديار المصرية باستخراج المال المذكور عن ممّن عيّن، ووصل إلى قرينها [2] كتاب السلطان باعتماد ما تضمنه، واستخراج المال وحمله، فامتنعت من ذلك وصممت على أن لا أتحدث فيه أبدا ولا أوافق عليه إلا بعد المحاققة. فلما علموا منى معارضتهم ودفعهم عما يقصدونه من المظالم صرفت من الشّدّ، وأفادنى هذا الرأى. فلما ولّيت ديوان الخاص هذا. وهو أملاك ومواريث شرع ليس فيه مظلمة ولا مكس انبعثت لمباشرته، وطابت نفسى بالحديث فيه، وأظهرت ما أعرفه فهذا هو السبب. واستكتمنى- رحمه الله تعالى- ذلك، فكتمته مدّة حياته، ثم ذكرته بعد وفاته. وكان رحمه الله حسن الرّفقة لا ينفرد برأى، ولا يستقل بأمر قبل أن يعرضه على رفقته، ولقد كانت تأتيه كتب السلطان له فيما يتعلق بديوان الخاص فلا يفتحها حتى أحضر ويخرجها إلىّ مختومة فأقرأها عليه- وكان يحسن القراءة- ثم اتّفق معه على الجواب عنها وأكتبه عنه ويكتب عليه،
[1] هو شرف الدين يعقوب بن فخر الدين مظفر بن أحمد بن مزهر الحلبى، توفى سنة 714 هـ (البداية والنهاية 14: 146، والدرر الكامنة 5: 209- وفيها توفى سنة 729 هـ والسلوك 2/1: 141، والدليل الشافى 2: 791- توفى سنة 714 هـ) .
[2]
فى ك «فرسها» والمثبت من ص، وف.