الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السفرة مشقة كثيرة وكلفة عظيمة، حتى أبيعت تطبيقة النعال بينهم بخمسين درهما، وأبيع رطل البقسماط [1] بدرهم ونصف إذا وجد، ونفق أكثر خيل العسكر وجمالهم، ورجع أكثرهم إلى ساحل مصر فى المراكب لأمور، منها: عدم الظهر، ومنها أن النيل كان قد عمّ البلاد، وقطع الطرق إلا الجبال، وكان وصول العسكر إلى القاهرة المحروسة فى يوم الثلاثاء التاسع من جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة.
ذكر الإفراج عن الأمير سيف الدين بكتمر الحسامى الحاجب وإرساله إلى نيابة السلطنة الشريفة بالمملكة الصفدية
وفى يوم الخميس الرابع عشر من شوال رسم السلطان بالإفراج عن الأمير سيف الدين بكتمر الحسامى الحاجب- كان- وخلع عليه تشريفا كاملا طرد [2] وحش مذهب، وقباء، وكلّوته زركش، وشاش رقم، وحياصة ذهب، ورسم له نيابة السلطنة بالمملكة الصفدية والفتوحات الأشرفية، وخلع عليه تشريفا ثانيا كاملا وسيفا وحياصة، وأنعم عليه بمائتى ألف درهم، [99] وتوجّه على خيل البريد فى يوم الإثنين الخامس والعشرين من الشهر إلى دمشق، وكان نائب السلطنة الأمير سيف الدين تنكز قد توجّه لزيارة القدس والخليل، وطلب الصيد بجهة الساحل، فاجتمع به ووصل معه إلى دمشق، وتوجّه منها إلى صفد فى عاشر ذى القعدة.
وفى هذه السنة توجه الأمير سيف الدين أرغن
نائب السلطنة الشريفة إلى الحجاز الشريف بعد سفر المحمل بأيام.
[1] البقسمات: كلمة فارسية تعنى نوعا من الكعك المجفف، واللفظ مستعمل بين الكافة فى مصر.
[2]
وانظر ص 366 تعليق رقم (2) .
وفى يوم السبت العشرين من ذى الحجة منها وردت مطالعة الأمير علاء الدين ألطنبغا نائب السلطنة بالمملكة الحلبية إلى الأبواب السلطانية يتضمن أن جماعة من التتار المغول نحو ألف فارس أغاروا على أطراف البلاد الحلبية، وانتهوا إلى قرب قلعة كختا [1] فنزل إليهم من القلعة نحو مائتى فارس ومن انضم إليهم من التركمان، واقتتلوا يوما كاملا حتى حجز بينهما الليل، ثم باكروا القتال واقتتلوا حتى أشرف التتار على أخذهم، وأنهم لما تحققوا الموت صدقوا فى القتال وحملوا حملة رجل واحد فكانت الهزيمة على التتار، فقتل أكثرهم وأسر منهم ستة وخمسون فارسا من أعيانهم، فمنهم: ثلاثة من مقدمى الألوف، واسترجع العسكر ما كانوا نهبوه من أطراف البلاد، وغنموا ما كان معهم من الخيل والعدة، فرسم السلطان بالإنعام والزيادة لهذه الطائفة المجاهدة، وكتب إلى نائب السلطنة بحلب بحمل الأسرى ورءوس القتلى إلى الديار المصرية، وأن يؤدى خمس الغنيمة فى المجاهدين، فوصلت الأسرى فى صفر سنة سبع عشرة وسبعمائة.
وفى ذى الحجة من هذه السنة وردت الأخبار إلى الأبواب السلطانية بوفاة خربندا ملك التتار، وذكر أنه توفى فى سادس شوال من السنة، وأنه كان قد أمر بإشهار النداء أن لا يذكر أبو بكر وعمّر رضى الله عنهما، وكان ذلك فى يوم سبت فمات قبل أسبوع، وذكر أنه كان قد عزم على تجهيز ثلاثة آلاف فارس مع حميضة بن أبى نمىّ إلى المدينة النبوية، لنقل أبى بكر وعمر من مدفنهما، فعجّل الله هلكه، وهذه عادة الله تعالى فيمن طغى وتجبّر.
[1] انظر ص 345 تعليق رقم (2) .
وفى هذه السنة فى مستهل شهر رجب توفّى القاضى عز الدين أحمد بن جمال الدين محمد بن أحمد بن ميسّر المصرى [1] بدمشق، ودفن بقاسيون، ومولده بمصر فى ليلة يسفر صباحها عن الحادى والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة، وكان رجلا ساكنا، ولى المناصب الجليلة: نظر الدواوين بالشام، ونظر المملكة الطرابلسية، ونظر النّظّار بالديار المصرية، وغير ذلك، وكان سيّئ التدبير ردئ التصرف فى حق نفسه، لا يزال يزرع الأقصاب لنفسه بالديار المصرية، ويدولب المعاصر وهو يغرم ولا يستفيد، ويقترض الأموال ويعيد الدّولبة ويغرم، ولم يزل على ذلك إلى أن مات وعليه جملة كثيرة من الديون الشرعية أصلها من المتاجر والدّواليب، ولو اقتصر على معلوم مباشراته كان يزيد على كفايته- رحمه الله تعالى.
وفيها فى ليلة الخميس عاشر شعبان توفى الطواشى الأمير ظهير الدين مختار المنصورى المعروف بالبلبيسى [2] أحد الأمراء والخزندار بدمشق، وكان شهما شجاعا زكيا ديّنا خبيرا [3] رماحا كريما، حسن الشكل واللباس، يتلو القرآن بصوت حسن، وفرق أمواله وجواريه وخيوله وعدده على عتقائه قبل وفاته، ووقف أملاكه على تربته وعتقائه، وقد رافقته بدمشق فى ديوانه الخاص، فكان حسن الرّفقة- رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير بدر الدين محمد بن الوزيرى [4] أحد الأمراء المقدمين بدمشق فى يوم الأربعاء سادس عشر شعبان، [100] ودفن برأس ميدان الحصى- رحمه الله تعالى-.
[1] وانظر البداية والنهاية 14: 77، وفيه «ابن مبشر- بدلا بن ميسر» .
[2]
انظر ترجمته فى البداية والنهاية 14: 78، والدرر الكامنة 4: 344، والنجوم الزاهرة 9: 237، والدليل الشافى 2:730.
[3]
فى الأصول كلمات لا معنى لها. والمثبت من البداية والنهاية 14: 79، والنجوم الزاهرة 9:237.
[4]
له ترجمة فى البداية والنهاية 14: 79.
وتوفيت شيختنا أم محمد وزيرة [1] ابنة الشيخ عمر بن أسعد بن منجّا الشّوخيّة بدمشق فى الليلة المسفرة عن ثامن عشر شعبان سنة عشر وسبعمائة، ومولدها فى سنة أربع وعشرين وستمائة- كذا نقلته من خط الشيخ علم [2] الدين البرزالى.
وقال الشيخ شمس الدين الجزرى فى تاريخه سنة ثلاث وعشرين، روت صحيح البخارى عن ابن الزبيدى، وسمعته عليها بالقاهرة فى جمادى الأولى سنة خمس عشرة وسبعمائة، وسمع عليها وعلى الحجّار فى هذه السنة بقلعة الجبل والقاهرة وظاهرها ومصر خمس مرات، أوّلها بقلعة الجبل بدار النيابة بالطبقة الحسامية فى السادس والعشرين من صفر، وآخرها بالقلعة فى أواخر جمادى الآخرة وأوائل شهر رجب- رحمها الله تعالى.
وفى هذه السنة- فى يوم الثلاثاء رابع عشر شعبان- توفى القاضى جمال الدين أبو محمد عبد الله ابن شيخنا قاضى القضاة بدر الدين أبى عبد الله [3] محمد ابن الشيخ برهان الدين إبراهيم بن سعد الله بن جماعه الكنانى الشافعى، وكانت وفاته بجامع الأقمر [4] عند آذان العصر ودفن من الغد بتربة والده بالقرافة الصغرى بخط الخندق، وكان رحمه الله تعالى شابا حسن الصورة والعشرة كريما كثير التردد إلى الناس والاستمالة لخواطرهم، وكان يدأب فى
[1] كذا فى الأصول. وفى البداية والنهاية 14: 79 «ست الوزراء» وكذا فى شذرات الذهب 6: 40، وذيول العبر ص 88، وفى السلوك 2/1: 169 «ست الوزراء أم محمد وزيرة، وفى النجوم الزاهرة 9: 237 «أم محمد ست الوزراء المعروفة بالوزيرة» .
[2]
هو أبو محمد القاسم بن محمد بن البرزالى، علم الدين المتوفى سنة 739 هـ وانظر البداية والنهاية 14: 185، وطبقات الشافعية 6: 246، وشذرات الذهب 6: 132، وذيول العبر ص 209، والدرر الكامنة 3: 237، والنجوم الزاهرة 9:913.
[3]
ما بين القوسين إضافة من ص.
[4]
جامع الأقمر: هو الذى يسمى حاليا جامع الفاكهيبن، عمره الخليفة الظافر بنصر الله إسماعيل ابن الخليفة الحافظ لدين الله الفاطمى سنة 548 هـ. وهو موجود إلى اليوم باسم جامع الفاكهانى بشارع العقاد بن عند تلاقيه بشارع الشوايبن، ويقال إنه عرف بذلك لأن سوق الفاكهة كان فى ذلك الوقت بالقرب منه (النجوم الزاهرة 5: 290 هامش) .
نسج المودة بين والده والأكابر، ويجتهد فى قضاء حوائج الناس، وكان يتصدق على الفقراء- رحمه الله تعالى-[1] وأصيب والده فيه فصبر صبرا جميلا [1] .
وتوفى الصاحب ضياء الدين أبو بكر بن عبد الله النشّائى [2] فى الليلة المسفرة عن تاسع شهر رمضان بالقاهرة بحارة الجودرية [3] ، وهو يومئذ ناظر الخزانة، ودفن بالقرافة- رحمه الله تعالى. ولما مات ولى نظر الخزانة بعده قاضى القضاة تقى الدين أحمد ابن قاضى القضاة عز الدين الحنبلى.
وتوفى القاضى محب الدين على ابن شيخنا الإمام العالم العلامة تقى الدين محمد بن وهب بن على القشيرىّ المعروف بابن دقيق العيد [4] ، وكانت وفاته فى ليلة يسفر صباحها عن العشرين من شهر رمضان، ودفن بالقرافة فى تربة والده- رحمهما الله تعالى- وكان قد انقطع بعد وفاة والده انقطاعا حسنا، وأكبّ على الاشتغال بالعلم الشريف، وكان يدرس بالمدرسة الكهارية [5] ، ومولده بمدينة قوص فى ثانى صفر سنة سبع [6] وخمسين وستمائة.
وفيها فى عاشر ذى القعدة توفى الشيخ الكاتب المجيد المحمود نجم الدّين موسى بن علىّ بن محمد الحلبى ثم الدمشقى المعروف بابن البصيص [7] ، ودفن بمقابر باب الصغير [8] ، ومولده سنة إحدى وخمسين وستمائة، وكان شيخ الكتابة بدمشق، كتب وهو صغير، يقال: إنه كتب نحو خمسين سنة [9] رحمه الله تعالى.
[1- 1] ما بين الرقمين إضافة من ص.
[2]
البداية والنهاية 14: 79، والسلوك 2/1:170.
[3]
المدرسة الكهارية: تنسب إلى درب الكهارية الواقع بجوار حارة الجودرية، ومكانها اليوم الجامع المعروف بجامع الجودرى بشارع الجودرية، ومكتوب على اللوح الرخام المثبت بأعلى باب هذا الجامع أن الذى أنشأ مدرسة هو الملك السعيد محمد بركة خان ابن الملك الظاهر بيبرس فى سنة 677 هـ. (النجوم الزاهرة 9: 67 هامش) .
[3]
كذا فى الأصول. وفى السلوك 2/1: 170 «سنة تسع وسبعين» .
[4]
وانظر البداية والنهاية 14: 79، والدرر الكامنة 4: 376، وذيول العبر ص 89، والنجوم الزاهرة 9:232.
[5]
باب الصغير: أحد أبواب دمشق، فى قبليه مقبرة بها دفن كثير من الصحابة والتابعين (النجوم الزاهرة 3:
289 هامش) .
[6]
فى ك «خمس وستين» والمثبت من ص، وف.
[7]
وانظر البداية والنهاية 14: 80، والوافى بالوفيات 4: 264، والدرر الكامنة 4: 115، وذيول العبر ص 90، ودول الإسلام 2: 170، وطبقات الشافعية 6: 23، وشذرات الذهب 6: 40، والدليل الشافى 2:668.
[8]
ما بين القوسين إضافة من ص.
[9]
ما بين القوسين إضافة من ص. وللجزرى هذا كتاب كبير اسمه «جواهر السلوك فى الخلفاء والملوك» مخطوط بدار الكتب المصرية. وانظر فهرس الكتب العربية بالدار 5: 80.