الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحسبنا الله ونعم الوكيل
ولما صنّف المولى علاء الدين هذه الغزاة، وعرضت [54] على المسامع الشريفة السلطانية شمله الأنعام والتشريف السلطانى، ووفر حظّه من ذلك، وقد سمعت هذه الغزوة من لفظه، ونقلتها من خطه، وقد أتى فيما أورده بالواقعة المشاهدة، ووفّى بقوله: إن الغائب إذا وقف على خبره يكون كمن شاهده.
وقد وقفت أيضا على جملة مما صنّفه الفضلاء فى خبر هذه الغزاة، وهذا الذى أوردته أتمّها وأكملها وأكثرها استيعابا للواقعة من ابتدائها إلى انتهائها.
فلذلك اقتصرت على إيرادها دون ما سواه.
وعمل أيضا الشعراء قصائد كثيرة يطول الشرح بإيرادها، وها نحن نذكر منها قصيدة نظمها القاضى الفاضل جمال الدين أبو بكر عبد القاهر بن الشيخ نجم الدين أبى عبد الله بن محمد بن عبد الواحد بن محمد التبريزى الشافعى قاضى عجلون وخطيبها وهى [1] :
[1] روجعت القصيدة على النص الوارد فى كتاب «كنز الدرر وجامع الغرر» لأبى بكر بن عبد الله بن أيبك الدوادارى بتحقيق هانس روبرت هويمر ج 9 طبعة الخانجى (ص 93- 100) .
الله أكبر جاء النّصر والظّفر
…
والحمد لله، هذا كنت أنتظر
وأبرز القدر المحتوم بارئه
…
سبحانه بيديه النفع والضرر
وهوّن الصّعب بالفتح المبين لكم
…
ربّ يهون عليه المقفل العسر
ولم تزل شرعة الإسلام ظاهرة
…
أجزم به فبهذا صحّح الخبر
أين النجوم وتأثير القران وما
…
تخرّصوا فيه من إفك وما زجروا
قد دبّر الله أمرا غير أمرهم
…
وخاب ما زخرفوا فينا وما هجروا
وأقبل العسكر المنصور يقدمه
…
من الملائك جند ليس تنحصر
وقد أحفّوا به والأرض من زجل [1]
…
ترتجّ إن سبّحوا لله أو ذكروا
كنانة الله مصر جندها ثبتت
…
لا ريب فيه وجند الله تنتصر
ثاروا سراعا إلى إدراك ثأرهم
…
وهجّروا فى طلاب المجد وابتكروا
وأسهروا أعينا فى الله ما رقدت
…
أكرم بقوم إذا نام الورى سهروا
لله كم ديّنوا فى نصر دينهموا
…
وأنفقوا فى سبيل الله ما ادّخروا
صانوا الجياد وسنّوا كلّ ذى شطب [2]
…
وجدّدت للقسىّ النّبل والوتر
حماهم الله كم حاموا وكم منعوا
…
وكم أغاثوا وكم آووا وكم نصروا
وخلّفوا خلفهم لذّات أنفسهم
…
وهاجروا ولذيذ العيش قد هجروا
وأوجفوا نفرا بالخيل ملجمة
…
وبالركاب وما [3] ملّوا ولا فتروا
حتى أتوا جلّقا [4] فى يوم ملحمة
…
فيه الأسود أسود الغاب تهتصر
[1] فى ص، وف «رجل» والمثبت من المرجع السابق.
[2]
ذو شطب: يعنى السيف. (لسان العرب) .
[3]
كذا فى ص، وف. وفى كنز الدرر «ولا» .
[4]
جلق: لفظ أعجمى، يطلق على كورة الغوطة كلها، وقيل يطلق على دمشق، وقيل موضع بقرية من قرى دمشق (معجم البلدان 6: 154) .
لها السّنابك فى الميدان قد حنيت
…
صوالجا [1] ولها روس [2] العدا أكر [3]
والجوّ أغبر والتاتار [4] زاحفة
…
مثل الجراد على الدنيا قد انتشروا
وددت لو كنت بين الصف منجدلا
…
قد ارتوت من دمى الخطية السّمر
وكوثر الحرب قد راقت مشاربه
…
تحت العجاجة والأبطال تعتكر [56][5]
والسيف ينشى بديعا من فواتره
…
والرّمح ينظم والهامات تنتثر
والنّبل يخقط والأقلام كاتبة
…
والضرب يعرب والأبدان تستطر
حتى إذا عبّ مثل البحر جحفلنا
…
ومدّ فيضا على أعدائنا جزروا
أصلوهم جاحما يشوى الوجوه وقد
…
حمى الوطيس ونار الحرب تستعر
وأحرقتهم سراعا كلّ صاعقة
…
من السيوف بنيران لها شرر
لاذوا بشمّ شماريخ الجبال فما
…
حمتهم قلل منها ولا مغر [6]
ومزّقوا شردا [7] بين الزحام فكم
…
شلو تنازع فيه الذئب النّمر
أين المفر وقد حام الحمام بهم
…
هيهات لا ملجأ يرجى ولا وزر
نادى بهم صارخ أغرى الفناء بهم
…
فإن سألت فلا خبر ولا خبر
كم قد سهرتم دجى من خوفهم حذرا
…
والآن ناموا فلا خوف ولا حذر
قولوا لغازان يا ذا ما لعلّك أن
…
تروع من مخلب الرّئبال يا بقر
[1] الصوالج:/ جمع صولج وهو مضرب تضرب به الكرة، ويقال صلج الكرة إذا ضربها (محيط المحيط) .
[2]
أى رءوس وخففت للوزن.
[3]
الأكر- جمع أكرة، وهى لغة فى الكرة، وتعرف اليوم باسم بولو وشغف بهذه اللعبة معظم سلاطين المماليك وأمرائهم (كتاب السلوك للمقريزى، ج 1 ص 444، حاسية 1 للدكتور زيادة) .
[4]
كذا فى ص، وف. وفى كنز الدرر «والأتراك.
[5]
تعتكر: تختلط وتتشاجر (محيط المحيط) .
[6]
كذا فى ص، وف. وفى كنز الدرر «صور» . ولعل الشاعر جمع مغارة على مغر.
[7]
شرد: جمع شارد (لسان العرب) .
تلك الجموع التى وافى يدلّ بها
…
تالله ما بلغوا سؤلا ولا نصروا
جاءوا وقد حفروا من مكرهم قلبا [1]
…
ألقاهم الله قسرا فى الذى حفروا
وسكّروا فى أراضينا مباذرة
…
والآن قد حصدوا أضعاف ما بذروا
وافى بهم أجل يمشى على مهل
…
حتّى محاهم فلا عين ولا أثر
لم ينفروا خيفة من كل قسورة
…
وفرّ جمعهم إلّا وهم حمر
أموا الفرات وقد راموا النجاة فكم
…
حلّت بهم عبر فيها وما اعتبروا
مرائر القوم من خوف قد انفطرت
…
والكلّ من قبل عيد الفطر قد نحروا [57]
جميعهم قتّلوا صبرا [2] وأعظمهم
…
جميعها بضواحى جلّق صبروا
لم يقبروا فى نواويس [3] ولا جدث
…
وإنما فى بطون الوحّش قد قبروا
والطير ترعى نهارا لحمهم فإذا
…
ما الليل جنّ ففى أقحافهم تكر
فخذ عزاءك فيهم إنّهم أمم
…
هم اللّعاوس [4] إن قلّوا وإن كثروا
كم كابروا الحسّ فى قصد الشّام وكم
…
قد جرّبوا حظّهم بالشام واختبروا
فقاتلوهم جميعا إنّهم تتر
…
كم أرسلوا رسلهم تترى وكم مكروا
هبّوا إلى سيس من أحلام رقدتكم
…
وسارعوا فى طلاب الثّأر وابتدروا
بكلّ غيران أخذ الرّوح همّته
…
فى غير نفس المردّى ما له وطر
أيرقد اللّيل فى أمن وفى دعة
…
عن كيد قوم لهم فى شأنكم سهر
[1] القلب:/ جمع قليب للبئر أو البئر القديمة، أو للحفرة (محيط المحيط) .
[2]
قتلوا صبرا أمسكوا ونصبوا للقتل، يقال للرجل يقدم فيضرب عنقه قتل صبرا (لسان العرب) .
[3]
النواويس: جمع ناووس. وهو صندوق من خشب أو نحوه، تضع فيه النصارى جثة الميت. كذلك يقال لمقبرة النصار ناووس (المعجم الوسيط) .
[4]
اللعاوس: جمع اللعوس، وهو الأكول الحريص، ومنه قيل للذئب لعوس (لسان العرب) .
إن تتركوهم فإنّ القوم ما تركوا
…
يوما عليكم ولا أبقوا ولم يذروا
أما رأيتم وعاينتم وقد فعلوا
…
فى الصّالحيّة ما لا تفعل التّتر
اشفوا صدوركم إن كنتم غيرّا
…
على نسائكم يا قوم وادّكروا [1]
كم من عجوز ومن شيخ ومكتهل
…
ومن فتاة نماها الحسن والخفر
بيضاء خرعوبة [2] بكر محجّبة
…
لا الشمس تنظرها صونا ولا القمر
وذات بعل مخبّاة مخدّرة
…
من دونها تضرب الأستار قد أسروا
ومطفل أثكلوا وجدا بمخولها [3]
…
وحامل أجهضت خوفا وقد ذكروا
ومربع أقفروا من بعد ساكنه
…
وعقد شمل نظيم جامع نثروا [58]
وكم أراقوا وكم ساقوا وكم هتكوا
…
وكم تملّوا بما نالوا وكم فجروا
وحرّقوا فى نواحيها فواحربا
…
وخرّبوا الشامخ العالى وكم دثروا
وجامع التوبة [4] المحروق مهجته
…
يشير لا توبة للقوم إن ظفروا
إشارة تترك الأنفاس صاعدة
…
لها الدّموع من الآماق تنحدر
لهم حزازات فى قلبى مخبّاة
…
تكاد من حرّها الأكباد تنفطر
فما يثبّطكم [5] عن أخذ ثأركم
…
هبّوا سراعا وخافوا اللّوم يا غير
وفّوهم الحرب إنصافا ومعدلة
…
وحرّروا نوب الأيّام واعتبروا
[1] ادّكروا: أى تذكروا واتعظوا (لسان العرب) .
[2]
الخرعوبة: الشابة الحسنة الخلق، الرخصة البيضاء الجسيمة (محيط المحيط) .
[3]
كذا فى ص، وف. وفى كنز الدرر «بواحدها» .
[4]
جامع التوبة: ويقع بالعقيبة، أنشأه الملك الأشرف أبو الفتح موسى ابن الملك العادل سيف الدين أبى بكر ابن أيوب فى سنة 632 هـ، وكان يعرف قديما بخان الزنجارى، وكان به كل مكروه من القيان وغيره (الدارس فى تاريخ المدارس 2: 426) .
[5]
كذا فى ص، وف. وفى كنز الدرر «فما قعادكم عن أخذ ثأركم» .
لا يظلمن بعضكم بعضا بخردلة
…
ولا يدع عنده حقّا ولا يذر
وسارعوا واقتلوهم إنّهم قتلوا
…
وبادروا وأسروهم مثلما أسروا
جوسوا [1] ديارهم واسبوا حريمهم
…
وأوقروا ضعف ما أوعوا وما وقروا
سجلا [2] بسجل فإنّ الدّهر ذو نوب
…
من ذا يغالب ما يأتى به القدر
بزّوهم [3] الملك قهرا عن جواركم
…
وخرّبوا كلّ ما شادوا وما عمروا
فما [4] يفكر فى أدبار عاقبة
…
ويحزم الأمر إلّا من له نظر
ولا يعاف شراب الذّل عن ظمأ
…
ويومق [5] العزّ إلّا من له خطر
فمهّدوا بالظّبا مجرى سوابقكم
…
ما يرفع الذّكر إلا الصّارم الذكر
وخلّدوا فى المعالى ما نعنعنه [6]
…
عنكم وتروى به الأخبار والسّير
فكلّ ذنب جناه الدهر معتمدا
…
فى جنب ما أبقت الأيّام مغتفر [59]
يا أهل جلّق أمنا فى مساكنكم
…
وعاملوا الله ربّ العرش وانزجروا
صوموا وصلّوا وزكّوا وارحموا وصلوا
…
وابغوا النّجاة وحجّوا البيت واعتمروا
ذروا [7] التّكاثر فالدّنيا لمن زويت
…
فى جنب ما وعد الرّحمن تحتقر
فالوقت أقرب والأنفاس سائرة
…
والعمر [8] منصرم والمرء محتضر
ولا تخافوا من التاتار مجلبة
…
من بعد ما ارتفع التدليس والغرر [9]
[1] كذا فى ص، وف وفى كنز الدرر «وخربوا دارهم إلخ» .
[2]
سجلا بسجل: أى نصيبا بنصيب، ومنه الحرب سجال (لسان العرب) .
[3]
بزوهم: يقال بز الشئ إذا انتزعه وغصبه وسلبه (لسان العرب) .
[4]
كذا فى ص، وف. وفى كنز الدرر «فما يفكر فى الأدبار عاقبة) .
[5]
يومق: يرغب، يحب، يود (لسان العرب) .
[6]
نعنعنه: عنعن الراوى قال فى روايته عن فلن عن فلان إلخ. (المعجم الوسيط) .
[7]
كذا فى ص، وفى كنز الدرر «دعوا التكاثر» .
[8]
كذا فى ص، وف كنز الدرر «والعيش منصرم والعمر مختصر» .
[9]
الغرر: يعنى المخادعة «لسان العرب» .
لم يطلبوا جلّقا بغيا بظلمهم
…
إلا وردّوا على الأعقاب وانكسروا
حاشا دمشق من الأسواء [1] تطرقها
…
أو أن تغيّرها عن وصفها الغير
ملائك الله تحميها وتحرسها
…
تعاقبا ولها من ربّها خفر
وفى جوار خليل الله ما برحت
…
وحضرة القدس قل لى: كيف تحتقر
بالله عدوى [2] على من رامها بأذى
…
وبالخليفة والسلطان أنتصر
هما ملاذكم فى كلّ نائبة
…
بالرّوح أفديهما والسمع والبصر
إذا [3] تأمّلت فحوى سر حكمهما
…
لم تدر أيّهما فى عدله عمر
ولو رأيتهما يوما لخالك أن
…
موسى بن عمران قد وافاك والخضر
هما رضيعا لبان عفّة وتقى
…
وحسن ذكر شذاه فائح عطر
فذا [4] مليك لكم طابت أرومته
…
وذا أمير بأمر الله يأتمر
أبو الربيع سليمان الذى شهدت
…
بفضله المستفاض [5] البدو والحضر
وزمزم والصّفا والمأزمان [6] معا
…
والبيت يعرفه والحجر والحجر [60]
خليفة الله فى الدنيا وطاعته
…
فرض عليكم وهذا القول مختصر
ما زال مستكفيا بالله معتصما
…
مستنصرا مستعينا وهو منتصر
لولاه فى الأرض قد مادت جوانبها
…
وما سقاها إذا غيث ولا مطر
[1] الأسواء- جمع السوء: وهو القبيح (المعجم الوسيط) .
[2]
بالله عدوى: أى بالله مسعاى.
[3]
كذا فى ص، وف. وفى كنز الدرر «لما تألمت» .
[4]
كذا فى ص، وف. كنز الدرر «فذاك ملك» .
[5]
كذا فى ص، وف. وفى كنز الدرر «المستقام» .
[6]
المأزمان: تثنية مأزم. وهو مكان بمكة بين المشعر الحرام وعرفه، وقيل هما جبلا مكة (معجم البلدان) ويقول البلازرى فى معالم مكة ص 241 هو طريق ضيق بين الجيلين يأتى من المزدلفة من جهة عرفة، يدفع الحاج من عرفة إلى المزدلفة إلا منه.
خليفة من بنى العباس باقية
…
به إلى الله نستسقى فنمتطر
ضاهت يداه عهاد [1] الغيث فانهملت
…
والغيث مندفق الشؤبوب [2] منهمر
لو مسّ عودا يبيسا بطن راحته
…
أعاده وهو رطب يانع خضر
ماذا أقول بمدحيه وقد تليت
…
فى مدح آبائه الآيات والسّور
جاءت بنعتهم التوراة معربة
…
ومحكم الذّكر والإنجيل والزّبر
به إلى الله ضجّوا فى حوائجكم
…
وبعده بالمليك الناصر انتصروا
ملك أعيد به عصر الشّباب لكم
…
مسترغدا [3] صافيا واستؤنف العمر
ترى الملوك صفوفا حوله زمرا
…
من فرط هيبته لا يرجع البصر
تذلّ أعناقهم صغرى لطاعته
…
وليس يعصونه أمرا إذا أمروا
صونوا جيادكم اللّاتى بكم لجبت [4]
…
فى بارق الحرب والرمضاء تستعر
إنّا لنرجوه من بغداد ينهلها
…
بماء دجلة يرويها فتصطدر
ويجمع الشمل فى دار السّلام بمن
…
يودّها ويؤدون الذى نذروا
يؤمّها وإمام المسلمين معا
…
ثقوا بقولى فهذا منه منتظر
فالشام وافاه مع بغداد فى قرن [5]
…
ومصر فى ملكه والبرّ والبحر [61]
والعرب والعجم فى ميمون قبضته
…
ومن سطى بأسه قد حارت التتر
تنشّروا فى الفلا سود الوجوه وقد
…
طوى بأبيضه البتّار ما نشروا
[1] عهاد الغيث: المطر الأول (لسان العرب) .
[2]
الشؤبوب: الدفعة من المطر (لسان العرب) .
[3]
كذا فى ص، وفى. وفى كنز الدرر «مستوردا صافيا واستوفق العمر» .
[4]
فى ص، وف «هميت» ولعل الصواب ما أثبته. واللجب صهيل الخيل.
[5]
فى قرن: أى مجتمعة من قرى ى ى ى ى ى ى بالشئ إذا ضمهما بحبل ونحوه (لسان العرب) .
فدام للدّين والدنيا يسوسهما
…
فكنّ فيه له حزر ومستتر
وعمره الجمّ أعياد مجدّدة
…
وأشهر بعزيز النصر تشتهر
على الدّوام ولا زالت مدائحه
…
تفشى وغرّ القوافى فيه تبتكر
وافاكم بعزيز النّصر فى نفر
…
وقاهم الله. ما أو فاهم نفر
قد [1] أيقنوا أنهم جادوا بأنفسهم
…
من أجل ذا ظهر الإسلام مذ ظهروا
كم فرّجوا مأزقا ضنكا بمعترك
…
وكابدوا فى مجال الموت واصطبروا
فبيّض الله منهم أوجها كرمت
…
فإنّهم بالأيادى البيض قد غمروا
وحاطهم أين ما كانوا ولا برحوا
…
فى ذمّة الله إن غابوا وإن حضروا
هذا ما كان من خبر هذه الغزوة المباركة ونبذة مما قيل فيها، فلنرجع إلى سياق حوادث سنة اثنتين وما وقع فيها خلاف ما قدمناه. وفى سنة اثنتين وسبعمائة صام الحنابلة من أول شهر رمضان على عادتهم فى الاحتياط، واستكمل الشافعية والمالكية عدّة شعبان [62] ، فلما مضى ثلاثون يوما من صوم الحنابلة لم ير الهلال فأفطروا تكملة للعدّة من يوم صيامهم، وأقاموا الخطبة، وصلّوا صلاة العيد، وصام من عداهم من الشافعية وغيرهم ذلك اليوم الذى عيّد فيه الحنابلة وعيّدوا فى اليوم الثانى. وأقاموا الخطبة، فحصل الإنكار الشديد من نائب السّلطنة فى الشام على متوّلّى نابلس، وهو يومئذ:
بدر الدين الصّوابى؛ كونه مكّن من ذلك ولم يجمع الناس على يوم واحد، ولم يسمع بمثل هذه الوقائع فى بلد واحد. وأما البلاد المتباعدة فقد تختلف مطالعها.
ومن غريب ما وقع فى شهر رمضان ما حكاه ناصر الدين محمد بن عليا بن محمود ابن سليمة الأغرناطى: أنّ أهل أغرناطة [2] صاموا فى بعض السنين
[1] كذا فى ص، وف. وفى كنز الدرر «قد أبطنوا» .
[2]
أغرناطة: هى غرناطة من أشهر مدن الأندلس وكانت مركزا حضاريا فى عهد حكامها وأعظمها وأحسنها وأحصنها، تقع فى كورة البيرة، ومن أهم أثارها العربية قصر الحمراء الذى يعد رائعة الأندلس (ياقوت:
معجم البلدان) .