الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قنطرة بينوش بالقرب من جبل البيرة [1] فامتلأت بهم تلك الأرض وامتدت جيوشهم فى طول وادى شنيل [2] ولم يكن لهم بدّ من النزول على الوادى بطوله بسبب الماء [3] ولما علم المسلمون بوصولهم [4] إلى هذا المكان عزم أمير المسلمين على أمير جيشه الشيخ الصالح أبى سعيد عثمان بن أبى العلاء أن يخرج إليهم بأنجاد المسلمين وشجعانهم فى صبيحة يوم الاثنين الخامس عشر من شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وسبعمائة فتأهب الناس لذلك فى الأحد.
ولما كان فى عشية يوم الأحد أغارت سرية من العدو
على ضيعة من ضياع السلطان القريبة من البلد فخرج إليهم جماعة من فرسان الأندلس الرماة المعروفين برماة الديار فقطعوهم عن الجيش وفروا أمامهم بجهة أرض المسلمين فتبعوهم طول الليل وأصبحوا بأرض لوشة [5] فاستأصلهم المسلمون بالقتل والأسر، وكان ذلك أول النصر وأصبح المسلمون فى يوم الإثنين وقد غاب من جمعهم هذه الطائفة المشهورة بالشجاعة والرمى، فلم يتوقف الشيخ أبو سعيد عن لقاء العدو بسبب غيبتهم وعزم على الخروج لقتالهم، وذلك يوم عيدهم عيد العنصره وهو الرابع عشرين من حزيران، فخرج إليهم فى طائفة يسيرة من الفرسان مع أبناء أخيه وهما [6] الشيخان الشقيقان أبو يحيى وأبو معروف أمير جيش مالقة [7] ابنا الشيخ الشهيد أبى محمد عبد
[1] إلبيرة: كورة كبيرة من كور الأندلس، جليلة القدر، وقاعدتها بإسمها وكانت إحدى مدن الأندلس الشهيرة، وتتصل بأراضى كورة قبرة، وقد خربت فى الفتنة وهاجر أهلها إلى غرناطة وبينها ستة أميال. وبينها وبين قرطبة تسعون ميلا وبالكورة عدة مدن منها قطبلية وغرناطة، وأنظر الروض المعطار 29، ومعجم البلدان 1:289.
[2]
يعرف هذا الوادى باسم نهر شنيل.
[3]
فى ك «المساء» والمثبت من ص، وف.
[4]
كذا فى ك، وف. وفى ص «على هذا» .
[5]
أرض لوشة: من إقليم إلبيرة بالأندلس، وبها جيل فيه غار يصعد إليه وعلى قمة الغار شجرة (الروض المعطار 173. وانظر معجم البلدان 5: 30) .
[6]
ما بين الحاصرتين إضافة يقتضيها السياق.
[7]
مالقة: مدينة بالأندلس، كانت ثغرا حصينا على بحر الروم، أسسها الفينيقيون، وكان لها شهرة أيام الرومان والقرطاجيين، وكان بها بنو حمود من ملوك الطوائف، ولد فيها ابن البيطار صاحب التآليف الجليلة فى الطبيعيات والنبات المتوفى سنة 646 هـ (النجوم الزاهرة 9: 251 هامش، وأنظر معجم البلدان 5: 52) .
الله بن أبى العلاء ومنهم أخوهم الشيخ أبو عامر خالد أمير جيش رنده [1] ومنهم الشيخ العارف أبو مسعود محمد بن الثابتى ومنهم أمير جيش الخضرا، الشيخ المرابط أبو عطية مناف بن ثابت المغراوى وأمير لوشه الشيخ أبو المكارم ريان بن عبد المؤمن ولكل واحد من هؤلاء أولاد وأتباع، وأمر مطاع، وخرج مع هؤلاء الفرسان جماعة رجال أنجاد نحو خمسة آلاف رجل من أهل أغرناطة وسلكوا مع الشيخ أبى سعيد طريق الجبل لكونه أمنع، وأوصاهم، أن يكونوا بموضع عينه لهم ووصل فرسان المسلمين الثالثة من النهار إلى قرب الجيش فلما شاهدهم الفرنج عجبوا من إقدامهم عليهم مع قلتهم بالنسبة إلى كثرة الفرنج، وخرج إليهم وزير ملك الفرنج، فقال ما هذا الذى فعلتموه، وكيف أتيتم والملك فى يوم عيده؟ فارجعوا وابقوا على أنفسكم فإنه إن علم بكم ركب لقتالكم ولا ملجا لكم منه فعند ذلك حصل للشيخ أبى سعيد حال أخرجه عن عقله فنزل عن فرسه باكيا متضرعا إلى الله تعالى، وارتفعت أصوات المسلمين بالدعاء لهم ثم أتاهم من كان قد بقى بأغرناطة من فرسان المسلمين يتبعون آثارهم فحرض الشيخ أبو سعيد المسلمين على قتال عدوهم، وصلى ودعا وبينما هو فى صلاته ركب العدو بجملتهم وحملوا على المسلمين- ولم يعلموا برجال المسلمين التى وصلت من أغرناطة فنزلوا بجهة العلياء من المنزلة الخالية، وقصدوا المسلمين فلم ترعهم كثرتهم واستمر الشيخ أبو سعيد فى صلاته حتى أكملها، ووقف المسلمون ينتظرون ركوبه، ولما رأى العدو ثباتهم توقفوا وتهيئوا وخرج من الفريقين فرسان يحركون القتال فاستشهد أمير رندة فاجتهد أقرباؤه فى أخذ ثأره وأمر الشيخ أصحابه أن يقصدوا طرف المحلة ففعلوا فأفادهم ذلك، ومال الروم [132] إلى جهة المحلة بجملتهم، فألقى الله الرعب فى قلوبهم فانهزموا أقبح هزيمة وأخذتهم السيوف الإسلامية فما زال المسلمون يقتلونهم من الساعة السابعة إلى الغروب، ولما أظلم الليل أخذ
[1] رندة: من مدن تاكورنا بالأندلس، وهى مدينة قديمة بها آثار كثيرة، وتقع على نهر ينسب إليها (الروض المعطار 79) .