الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد قدّمنا من أخباره وتنقلاته وتقلب الأيام به من الأسر فى حال شبيبته والمبيع، ثم الإمرة ونيابة السلطنة، ثم السّلطنة والخلع، والإمرة والنّيابة عن السّلطنة بحماه ما يستغنى عن إعادته.
ولمّا مات فوّضت نيابة السّلطنة بحماه بعده إلى الأمير سيف الدين فبجاق المنصورى، نقل إليها من نيابة الشوبك- والله أعلم.
واستهلت سنة ثلاث وسبعمائة
.
ذكر الجلوس بالمدرسة الناصرية [1] والقبة وأوقاف ذلك وشروطه
فى هذه السنة فى أوّلها فتحت المدرسة المباركة النّاصرية، والقبّة الشريفة، وانتصب المدرسون والفقهاء بالمدرسة، والقراء بالقبّة، وجلس شيخ الحديث برواق القبة- وفوّض التدريس بالمدرسة لمن نذكرهم، وهم: قاضى القضاة زين الدين على المالكى [2] ، والطائفة المالكية جلسوا فى الايوان القبلى بالمدرسة بمقتضى شرط الواقف لهم، وقاضى القضاة شمس الدّين أحمد السروجى [3] الحنفى، والطائفة الحنفية جلسوا فى الإيوان الغربى، وقاضى القضاة شرف الدين عبد الغنى الحرانى الحنبلى [4] ، والطائفة الحنابلة بالايوان الشرقى وكان جلوسهما بهذين الإيوانين بخلاف شرط الواقف، فإنه جعل الإيوان
[1] المدرسة الناصرية: نسبة إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان أصلها دارا عرفت بالأمير سيف الدين بلبان الرشيدى، واشتراها الملك العادل كتبغا وشرع فى بنائها مدرسة ولكنه خلع قبل أن يتمها واشتراها الناصر محمد وأتمها، وعمل لها الأوقاف الجليلة. ومكانها حاليا بشارع المعز لدين الله الفاطمى بجوار مسجد ومستشفى قلاوون (المقريزى. المواعظ، ج 2، ص 382، الخطط التوفيقية، والسلوك 1: 951) .
[2]
هو على بن مخلوف بن ناهض النويرى، زين الدين. توفى سنة 713 هـ على الخلاف، وانظر الدرر الكامنة 3: 202، والدليل الشافى 1: 484، وحسن المحاضرة: 1: 458 وشذرات الذهب 6: 49.
[3]
هو أحمد بن إبراهيم بن عبد الغنى الحنفى، شمس الدين أبو العباس السروجى المتوفى سنة 710. (انظر البداية والنهاية 14: 60، والدرر الكامنة 1: 91، والطبقات السنية 1: 300، والدليل الشافى 1: 234) .
[4]
هو عبد الغنى بن يحيى بن محمد بن أبى بكر بن عبد الله بن نصر بن محمد بن أبى بكر الحرانى الحنبلى، المتوفى سنة 709 هـ (انظر البداية والنهاية 14: 56، والدرر الكامنة 2: 498، وحسن المحاضرة 6: 481، 2: 191، والنجوم الزاهرة 8: 278، والدليل الشافى 1: 421) .
الشرقى للحنفية، والإيوان الغربى للحنابلة، فجلسا على عكس الشرط، ولعل ذلك عن غير قصد، ثم انتقض ذلك على ما نذكره.
وجلست كل طائفة منها فى المكان المعيّن لها بشرط الواقف، وجلس القاضى صدر الدّين محمّد بن الشيخ زين الدين المعروف بابن المرحّل [1] ، والطائفة الشّافعية بالإيوان البحرى، وحضر درسه الأمير عز الدين أيبك البغدادى وزير الدّولة ومدبّرها.
وهذه المدرسة والقبة كان أنشأهما الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورى فى أيام سلطنته، واشترى أرضهما، وكانت دارا تعرف بالرشيدى، وحمّاما ومساكن، [13] فابتاع ذلك وهدمه، وأنشأقبّة ومدرسة. وكملت عمارة القبة، وبنى من المدرسة إيوانها القبلىّ وبعض ما يليه، ثم خلع الملك العادل من السلطنة- كما تقدم- فغلّقت المدرسة وبطلت عمارتها، فلما عاد السلطان الملك النّاصر إلى السلطنة ثانيا فى سنة ثمان وتسعين وستمائة. حسّن له قاضى القضاة زين الدين المالكى ابتياعها وتكملة عمارتها وإتقانها، فابتاعها وعوّض الملك العادل، عن ثمنها حصصا من ضياع من أملاكه بدمشق، وحصل الشروع فى عمارتها، وعيّن لها من الأملاك السلطانية ما يوقف عليها، وكان المعيّن لذلك قاضى القضاة زين الدين المالكى، وهو يومئذ ناظر الأملاك السلطانية التى ورثها السلطان عن والده وإخوته، والمبتاعة من أجر أملاكه، وكانت أجرتها فى كل شهر بالقاهرة وظواهرها خاصة تزيد على ثمانية عشر ألف درهم.
ولما عزم السلطان على الحركة إلى الشام للقاء غازان وحزبه عند طروقه الشام وقف القبّة والمدرسة، ووقف على مصالحهما من أملاكه [2] ما يذكر،
[1] هو محمد بن عمر بن مكى بن عبد الصمد صدر الدين ابن المرحل، المتوفى سنة 716 هـ (انظر الوافى بالوفيات 4: 264، وفوات الوفيات 4: 13، والدرر الكامنة 4: 234، والبداية والنهاية 14: 80، وطبقات الشافعية 9: 53، والنجوم الزاهرة 9: 233، وذيول العبر ص 90، والدليل الشافى 2: 668، وحسن المحاضرة 1:419.
[2]
«ومن أملاكه» ساقطة من ك، والمثبت من ص، وف.
وذلك فى الثانى والعشرين من ذى الحجة سنة ثمان وتسعين وستمائة قبل استقلال ركابه الشريف إلى الشام بيومين، وكان قاضى القضاة زين الدين قد رتّب كتاب وقف [1] ، جعل النظر فيه على الوقف، والمدرسة والقبّة لنفسه أيام حياته، ثم من بعده للأرشد فالأرشد من أولاده وأولادهم وذريّتهم، ثم من بعدهم لقاضى القضاة المالكى، وشرط أيضا التدريس فى إيوان المالكية لنفسه ولأولاده من بعده، وكتب الكتاب ووقع الإشهاد على السلطان فيه بذلك، فضاق شهاب الدين أحمد بن عبادة من ذلك، وكان قاضى القضاة زين الدين قد استخدمه مشارفا بالديوان الناصرى، وتقدم عند السلطان، وأوضح للسلطان أمر الوقف وبيّنه له، وقال: إن قاضى القضاة إنّما جعل هذا لنفسه ولأولاده وذرّيّته ولم يجعل للسلطان ولا لعتقائه فى ذلك شيئا، وحسّن للسلطان تغيير كتاب الوقف، وأن يجعل النظر فيه لعتيقه الطواشى شجاع الدين عنبر اللّالا ومن بعده للأمثل فالأمثل من عتقاء الواقف، ثم عتقاء والده؛ ففعل ذلك، وجعل له أن يتناول من ريع الوقف المذكور فى كل شهر ثلاثمائة درهم نقرة [2] مدة حياته.
وجعل لمن يؤول النظر إليه بعده فى كل شهر مائتى درهم، وأبطل الكتاب الأوّل وثبّت الكتاب الثانى.
وسألت شهاب الدين بن عبادة عن السبب الحامل له على إخراج النظر عن قاضى القضاة ونقله إلى غيره. فقال: إنه جعل النّظر والتّدريس لنفسه ولأولاده من بعده، وما جعل لى منه نصيبا، ولا ذكر لى وظيفة، وكنت طلبت منه أن يجعلنى مشارفا بشرط الواقف فشحّ علىّ بذلك، فأخرجت النّظر عنه وعن ذرّيته.
وقد رأيت أن أذكر ملخّص ما تضمّنه كتاب وقف القبّة والمدرسة، وما رتب فيهما فيه من أرباب الوظائف، وما شرط لهم من المعلوم، وما شرط
[1] كذا فى ص، وف وفى ك «وقفه» .
[2]
الدراهم النقرة: الأصل فيها أن يكون ثلثاها من فضة، وثلثها من نحاس، وتضرب بدور الضرب وتطبع بالسكة السلطانية، وتكون منها دراهم صحاح، وفراضات مكسرة، والعبرة فى وزنها بالدراهم، وهو معتبر بأربعة وعشرين قيراطا وقدر بست عشرة حبة من حب الخروب، فتكون كل خروبتين ثمن درهم، وهى أربع حبات من حب البر المعتدل (صبح الأعشى 3: 443) .
عليهم، والجهات الموقوفة على ذلك، وما يتحصل من أجورها فى كل شهر وألخص المقاصد فيه مع عدم الإخلال بها، ولا أحذف منها إلّا حشو الكتاب الذى لا يخل حذفه بالمعنى، وأورد ذلك بمقتضى كتاب الوقف وارتفاع الجهات الموقوفة بمقتضى حساب المباشرين، والذى حملنى على ذلك وأوجب لى إيراده فى هذا الكتاب مع ما فيه من الإطالة والخروج عن القاعدة التاريخية ما وقع فى مثل ذلك من إخفاء كتب الأوقاف إذا تطاول عليها المدد، وبعد العهد بالأوقاف والشروط، وتداولها النّظّار والمباشرون واستولوا على الأوقاف وغيّروا المصارف عن شروط الواقفين، ونسبوها إلى العادة، فيخرج عن شرط الواقف إلى رأى المباشرين [1] ، وعادة الصرف. ثم بعثنى على ذلك وأكّده عندى ما وقع فى هذه المدرسة المباركة فى ابتداء أمرها مع بقاء واقفها- خلد الله سلطانه- وتوفر الداعى على ملاحظتها، ونصب [2] قضاة القضاة وأعيان العلماء ونبلاء الفقهاء فى دروسها، ومع ذلك كلّه حصل الخروج فيها عن شرط واقفها فى كثير من أحوالها، واختصر المرتب عن شرط الواقف مع توفّر المال وزيادته عن كفاية الشروط، وإنما ظهر ذلك عند وفاة ناظرها الطواشى شجاع الدين فى سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وظهور كتاب الوقف، ولعلّ الناظر المذكور لم يفعل ذلك عن علم واطلاع على الشّروط، وإنما فعله عن اغفال وإهمال وجهل وعدم احتفال بإمعان النظر فيما أسند إليه، واعتمد فيه عليه [14] ، فلما أسند النّظر إلى أهله، وانتهى إلى من يتحرىّ الصّواب فى قوله وفعله، أجرى الأمور فيها على شرط واقفها، وصرف أموالها فى وجوه مصارفها، وما عدل عن شرط الواقف ولا خرج، ولا اعتمد ما يترتب عليه فيه أدنى حرج [3] ، والذى تضمنه كتاب الوقف الثانى الصادر عن مولانا السلطان الملك الناصر، ناصر الدنيا والدين أبى المعالى محمد بن السلطان الشهيد الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحى- خلد الله تعالى سلطانه، وأفاض على الكافة عدله وإحسانه- أنه وقف جميع المكان أرضا وبناء، وما هو من حقوقه،
[1] فى ص «المباشر» .
[2]
ما بين الرقمين بياض ك. وما أثبته من ص، وف والسلوك 1:1042.
[3]
فى ك، وف «إذا خرج» والتصويب من ص.