الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الخلف الواقع بين جوبان [1]
نائب سلطنة أبى سعيد بن خدبندا ملك التتار وبين الأمراء مقدمى التوأمين [2] وقتالهم وانتصار جوبان عليهم وقتلهم.
وفى هذه السنة تواترت الأخبار بوقوع الخلف بين مقدمى التتار والحرب بينهم وقد نقل الشيخ علم الدين البرزالى فى تاريخه أن الشيخ محمد بن أبى بكر القطان الإربلى ورد إلى دمشق وأخبره تفصيل ذلك على جليته قال: كان سبب هذه الحرب أن الملك أبا سعيد بن خربندا حصل له الحصار من نائبه جوبان وأنه استقل بتنفيذ الأمور دونه ولم يبق له فى المملكة إلا مجرد التسمية، وأبعد أقواما كانوا مقربين من الملك أبى سعيد وقتل الأمير ربنوا [3] وهو الذى تولى ترتيب الملك لأبى سعيد فذكر الملك ما حصل له من القلق للأمير إيرنجى [4] خال أبيه خربندا، والأمير قرمشى ابن التياج [5] ، والأمير دقماق وهم من مقدمى التمانات فقالوا للملك إن أردت أن نخرج عليه ونكبسه ونقتله فعلنا وإن أحببت أن ننابذه الحرب فعلنا ما أردت، فوقع الاتفاق على أنهم يفعلون به كيف ما تهيألهم فاتفق الحال من الأمراء الثلاثة ومن وافقهم الأمير أرس أخو دقماق، ومحمد هرزه ويوسف بكا وبهاء الدين يعقوبا وهم من أعيان الأمراء على أن يعملوا لجوبان دعوة ويقبضوا عليه فيها، فسأله [6] قرمشى أن يعمل له دعوة فى نواحى عمله بالقرب من بلاد كرجستان وأرسل إليه تقادم وهدايا كثيرة، فقبلها جوبان وأجاب إلى حضور الدعوة فعمل قرمشى الدعوة فى مكان يسمى سرمارى [7] من نواحى كرجستان، وهى منزلة قرمشى ومن انضاف إليه، وتهيأ جوبان لحضور الدعوة، فبينما هو على ذلك إذ جاءه رجل اقطى من جماعة قرمشى فى خفية وأخبره بما انطوى عليه الجماعة
[1] أشار المقريزى فى السلوك 2/1- 195 إلى هذه الأحداث بإيجاز شديد، وكذلك البداية والنهاية 14:
93، وزاد عنهما قليلا ذيول العبر 101- 103.
[2]
مقدمو التوأمين: أمراء أو قادة الفرق.
[3]
كذا فى الأصول.
[4]
كذا فى الأصول، وذيول العبر 102، 103، والنجوم الزاهرة 9.
[5]
كذا فى الأصول، وذيول العبر 103 «البياخ» .
[6]
أى فسأل قرمشى جوبان.
[7]
سرمارى: قلعة عظيمة، وولاية واسعة بين تفليس وخلاط، مشهورة مذكورة (معجم البلدان 3: 243 بتحقيق فريد الجندى) .
خفية وأخبره بما انطوى عليه الجماعة وأشار عليه بمفارقة مخيمه وقال له: الآن يكبسوك. فرجع جوبان إليه واحتاط لنفسه، وركب لوقته وترك مخيمه وخزائنه وخيوله بحالها، ولم يخبر أحدا من أصحابه، ولم يستصحب غير ولده حسن، وأقبل قرمشى فى عشرة آلاف فارس من التتار والكرج والفرس، فسأل عن جوبان فقيل له، هو جالس فى مخيمه ينتظر حضور الدعوة فقصده وهجم على مخيّمه وشهر السيف وثار أصحاب جوبان وهم لا يدرون ما الخبر، وقاتلوا قتالا شديدا، قتل من الفريقين نحو ثلاثمائة فارس، وخلص قرمشى إلى خيمة جوبان فلم يجد غير إنسان اسمه أخى [1] ابو بكر فسأله عن جوبان فقال: هرب ولم يعرفّنا فضرب قرمشى عنق أخى أبو بكر، ونهب مخيم جوبان، وأمواله وخيوله وغير ذلك، وذلك فى جمادى الأولى وساق خلف جوبان فلم يدركه.
وأما جوبان فإنه استمر به السير إلى مدينة مرند [2] فوصل إليها وليس معه غير نفرين من أصحابه، فتلقاه الأمير ناصر الدين ملكها وأمده بالخيل والمال والسلاح، ووصل معه إلى قرية بالقرب من تبريز [3] تسمى دية صوفيان، ووصل خبره إلى تبريز فخرج إليه الوزير تاج الدين على شاة التبريزى- وزير الملك أبى سعيد- ومعه ألف فارس فأنزله وأكرمه، وأخرج إلى لقائه أهل تبريز بالفرح بمقدمه، ونصبت له القباب، وأمدوه بالخيول والسلاح، فبات بتبريز ليلة واحدة، وتوجّه إلى المدينة السلطانية، وصحبته الوزير على شاه وتقدم الوزير واجتمع بالملك أبى سعيد وتلطّف فى أمر جوبان وأحسن الثناء عليه، وذكر شفقته على الدولة واهتمامه بأمرها وحرمته وغض ممن نازعه، وخرج عليه، وقال: إن هؤلاء يحسدونه ويقصدون أن يتغير خاطر الملك عليه، فإذا قتله تمكنوا من الدولة وفعلوا ما أرادوا، وبلغوا أغراضهم الفاسدة قال: وقد بلغنى عن الأمير إيرنجى أنه يقول إن ابنه عليا أحق بالملك، لأنه من العظم الثانى، وأغراه به غاية، الإغراء فمال إلى قوله ورضى عن جوبان، وأذن له فى الدخول عليه فدخل [126] ومعه كفنه ويكى بين يدى الملك بكاء شديدا
[1] كذا فى ك، وف. وفى ص «أحى بو بكر» .
[2]
مرند: من مشاهير مدن أذربيجان، بينها وبين تبريز يومان، وقد تشعثت الآن وبدأ فيها الخراب منذ نهبها الكرج وأخذوا جميع أهلها (معجم البلدان 5: 129) .
[3]
تبريز: أشهر مدن أذربيجان، وهى مدينة عامرة حسناء ذات أسوار محكمة. فى وسطها عدة أنهار، والبساتين محيطة بها (معجم البلدان 2: 15) .
أو قال قتلت رجالى وأعوانى الذين انتخبتهم لخدمة القان [1] ونهبت أموالى التى جمعتها من نعمه، وانكسرت حرمتى التى أقامها فإن كان القان يقصد قتلى فها أنا بين يديه، وأنا من جملة مماليكه. فتبرأ أبو سعيد من ذلك وقال:
لم أقصد بك سوءا قط وهؤلاء أعداؤك وقد حسدوك على قربك منى وخرجوا على وعليك وقد مكنتك منهم، فإنهم ارتكبوا هذا الأمر بغير أمرى. فأستأذنه فى حربهم فأذن له فسأله، أن يمده بالجيش، فأمده بعشرة آلاف فارس يقدمهم الأمير طاز ابن كتبغانوينّ، الذى قتل بعين جالوت، وركب قراسنقر المنصورى [2] فى ثلاثمائة فارس بالسلاح التام على عادة العساكر المصرية، وجاء ابنه تمرتاش من جهة ثغر الروم بطائفة كثيرة من الجيوش وركبوا وركب الملك أبو سعيد أيضا [3] فى خاصته وساق معهم ليتحقق جوبان أنه معه لامعهم.
وأما قرمشى وإيرنجى ودقماق فإنهم ساقوا خلف جوبان إلى أن وصلوا إلى بتبريز، فغلقت أبوابها دونهم، وخيف منهم القتل والنهب وخرج إليهم نائبها وهو الحاجى قطق بمأكول ومشروب وعلوفات فعلقوه برجليه وأخذوا منه سبعين ألف دينار- الصرف عن كل دينار ستة دراهم- كون أهل البلد تلقوا جوبان وخدموه وأغلقوا الأبواب دونهم، ثم ساقوا من يومهم حتى وصلوا إلى مدينة من أعمال أذربيجان اسمها ميانه، ثم ساقوا منها إلى مدينة زنكان [4] ومنها إلى ضيعة اسمها دية منارة فتوافواهم وجوبان فى هذا المكان فلما شاهد الأمير إيرنجى الملك أبا سعيد وأعلامه تحير فى أمره واستشار من معه فيما يفعل فقال له قرمشى لا بدّ من الحرب فإن الملك فى الباطن معنا، فتصاف الجيشان، وخاف إيرنجى أن يبدأ الملك بالحرب، وكذلك من معه إلا قرمشى فإنه سيّر إلى جوبان يقول له اجعل لى إشارة أقصدها وأحضر إلى خدمتك وطاعتك، فرفع له جوبان علما ولم يقف تحته بل تحيز إلى جهة أخرى، فحمل قرمشى على
[1] كذا فى ك، وف. وفى ص «الخان» .
[2]
فى ك «الموصلى» والمثبت من ص، وف.
[3]
هذا اللفظ زيادة من ص، وف.
[4]
زنكان: هى زنجان من نواحى الجبال بين أذربيجان وبينها، وهى قريبة من أبهر. والعجم يقولون زنكان.
ذلك المكان بمن معه حملة منكرة، ظنا أن جوان ثم فلم يجده فالتحم القتال، وقاتل الأمير طاز وقرا سنقر المنصورى قتالا شديدا، فانهزم إيرنجى ومن معه وانضم أكثرهم إلى عسكر الملك جوبان وقبض على إيرنجى وقرمشى ودقماق وأخيه وغيرهم. وحملوا إلى المدينة السلطانية وعمل لهم يزغو ومعناه عقد مجلس، وسئلوا عن سبب تعديهم وخروجهم وارتكابهم لهذا الأمر العظيم، فقالوا بأجمعهم إنما فعلناه عن أمر الملك وإذنه وقال قرمشى لجوبان أنا جاءنى يوسف بكا، ومحمد هرزه برسالة الملك أبى سعيد فى حربك وقتلك، فأحضرهما جوبان وسألهما عن ذلك فاعترفا به فأنكر الملك ذلك وقال كذبا على فافعل معهما ما يجب عليهما من حد الكذب والافتراء على. فحكم على جميعهم بالقتل بمقتضى ياسا جنكيز خان [1] ، فعند ذلك أخرج إيرنجى من خريطته ورقة وقال للملك أبى سعيد هذا خطّك معى بقتل جوبان. وشتم الملك واجترأ عليه، لأنه خال والده، فأنكر الملك ذلك وقال لجوبان أعمل معهم بمقتضى الياسا؛ فإن هؤلاء خرجوا علىّ وعليك وقصدوا إفساد الحال. فتسلمهم جوبان وقتلهم، وبدأ بإيرنجى وقال هذا ينبغى أن يعذب قبل قتله. فقيدوه [2] من أضلاعه بقناطير الحديد فبسط لسانه بالسب الفاحش للملك، فأرادوا قطع لسانه فعجزوا عن ذلك، فضربوه بسيخ حديد تحت حنكة خرج من دماغه فمات وبقى مقيدا [3] يومين ثم قطعوا رأسه وطافوا به بلاد خراسان وأذربيجان، والعراقين والروم، وديار بكر وقتلوا قرمشى ودقماق نقلت ذلك ملخصا، وبعضه بالمعنى من تاريخ الشيخ علم الدين البرزالى.
وقال فى تاريخه ثم [4] ورد علاء الدين على بن التخت التاجر السّفار من المدينة السلطانية، وأخبرنى بنحو الذى تقدم، وقال كنت بالمدينة المذكورة وجوبان قد تتبع الأمراء الذين خرجوا عليه فقبض منهم من أول جمادى الآخرة
[1] ياسا جنكيزخان: هو القانون الذى وضعه جنكيزخان القائم بدولة التتار فى بلاد المشرق، وتضمن الأحكام الخاصة بالجزاء والعقاب، ويشتمل على عقوبات صارمة توقع على المذنبين. وكان هدف جنكيز خان من إصدارها توحيد شعوب الإمبراطورية وإخضاعها جميعا لنظام صارم ووضع حد للحروب بين القبائل. وانظر الخطط للمقريزى 2: 220، 221، فؤاد عبد المعطى الصياد: المغول فى التاريخ ص) Grousset:L-Empire des Steppes ،P.316 (..237
[2]
كذا فى ك. وفى ص، وف «فقتروه» أن ضموا بعضه إلى بعض، وهنا ضموا أضلاعه بعضها إلى بعض.
[3]
كذا فى ك. وفى ص، وف «مقترا» .
[4]
هذا اللفظ من ص، وف.
إلى آخر شوال نحو ستة وثلاثين أميرا فقتلهم، وأخذ أموالهم، وصادر عمالهم وتجارهم، وحصّل من الأموال أضعاف ما عدم له قال وبقى إيرنجى ثلاثة أيام مقيدا ميتا وقتل معه فى يومه دقماق وأخوه أرس والأمير بكتوت.
قال وفى اليوم الثانى قتلوا يوسف بكا وأخاه الأمير نوماى، وفى اليوم الثالث قتل لدقماق ابنان عمر كل واحد منهما سبع سنين وفي اليوم الرابع قتلوا ابنا لإيرنجى اسمه وفادار من أبناء خمس عشرة سنة وقتل له ابن فى الوقعة اسمه الأمير على وقطعوا رأسه [127] وألقوه إلى أمه كيخشك [1] ابنة السلطان أحمد ابن أبغا وكانت حاضرة المصاف، فحملت على أبى سعيد فصرعت وماتت تحت أرجل الخيل قال: وفى اليوم السابع أحضروا قرمشى بن النياج فحلقوا ذقنه وألبسوه طرطورا وسمروه، وطافوا به المدينة السلطانية، ثم أحضروه بين يدى جوبان وقتل بالنشاب إلى أن مات، ثم أحضروا أخاه من ثغر خراسان، وقتل حال وصوله قال وأحضروا بنت إيرنجى واسمها قطلو شاه خاتون وكانت إحدى زوجات الملك [2] خربندا فقال أبو سعيد هذه سقت أبى السّمّ فقصد قتلها فشفع فيها الوزير، على شاه وزوجها فى الحال بخواجا دمشق أحد أولاد جوبان.
قال: وأما امرأة دقماق فتزوجت بالأمير طاز بن كتبغانوين، وولى وظيفة قرمشى على ثغر خراسان، وسكنت الفتنة وأحرق جميع من قتل بالنار ولم يدفنوا.
وفى هذه السنة فى الساعة الثانية من يوم السبت الخامس من شهر رمضان الموافق للعشرين من تشرين الأول والثالث عشر من بابه جاء سيل ظاهر مدينة دمشق وارتفع على وجه الأرض مقدار قامة وكان جريانه من جبل عربا وآيل السوق ووادى هريره والحسينية أمطرت هذه الأماكن مطرا عظيما وسال منه هذا السيل وحمل ما كان أمامه من الحجارة حتى سد عين الفيحة وانقطع جريان الماء منها يومين وليلتين، ثم خرجت على عادتها ومر إلى البحيرة.
[1] كذا فى الأصول.
[2]
هذا اللفظ من ص، وف.