الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر حادثة الشيخ تقى الدين أحمد بن تيمية
وما اتفق لطائفة الحنابلة، واعتقال تقى الدين وما كان من خبره إلى أن أفرج عنه أخيرا كانت هذه الحادثة التى نذكرها فى سنة خمس وسبعمائة وانتهت فى أواخر سنة تسع وسبعمائة وكان لوقوعها أسباب وموجبات ووقائع اتفقت بالقاهرة ودمشق وقد رأينا أن نذكر هذه الواقعة ونشرح أسبابها من ابتداء وقوعها إلى انتهائها ولا نقطعها بغيرها وإن خرجت سنة ودخلت أخرى السبب المحرك لهذه الواقعة الموجب لطلب الشيخ تقى الدين المذكور إلى الديار المصرية فقد أطلعت عليه من ابتدائه وهو أن بعض الطلبة واسمه عبد الرحمن العينوسى [1] سكن بالمدرسة الناصرية التى تقدم ذكرها بالقاهرة وكنت بها وبها قاضى القضاة زين الدين المالكى وغيره، فاتفق اجتماعى أنا والقاضى شمس الدين محمد بن عدلان الكنانى القرشى الشافعى بمنزلى بالمدرسة المذكورية فى بعض الليالى وهو أيضا ساكن بالمدرسة ومعيد بها فحضر عبد الرحمن المذكور إلينا ومعه فتيا وقد أجاب الشيخ تقى الدين عنها فأخرجها من يده وشرع يذكر الشيخ تقى الدين وبسط عبارته وعلمه وقال هذه من جملة فتاويه ولم يرد فيما ظهر أذاه وإنما قصد والله أعلم نشر فضيلته فتناولها القاضى شمس الدين ابن عدلان منه وقرأها فإذا مضمونها.
بسم الله الرحمن الرحيم ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين رضى الله عنهم أجمعين أن يبينوا ما يجب على الإنسان أن يعتقده ويصير به مسلما بأوضح عبارة وأبينها من أن ما فى المصاحف هو كلام الله القديم أم هو [2] عبارة عنه لا نفسه وأنه هو حادث أو قديم وأن قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى
[3]
هو استواء حقيقة أم لا؟ وأن كلام الله عز وجل بحرف وصوت أم كلامه صفة قائمة لا تفارق وأن الإنسان إذا أجرى القرآن على ظاهره من غير أن يتأول [4] شيئا منه ويقول أو من به كما أنزل هل يكفيه ذلك فى الاعتقاد أم يجب عليه التأويل وأن السائل رجل متحير لا يعرف شيئا وسؤاله بجواب ليّن ليقلد قائله افتونا مأجورين رحمكم الله.
[1] وفى ص «العنوسى» .
[2]
سقط هذا اللفظ من ك.
[3]
سورة طه آية 5.
[4]
فى ك «يتناول» والمثبت من ص، وف.
فأجاب الشيخ تقى الدين ما صورته: الحمد لله رب العالمين الذى يجب على الإنسان اعتقاده فى ذلك وغيره ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله واتفق عليه سلف المؤمنين الذين أثنى الله على من اتبعهم وذم من اتبع غير سبيلهم وهو أن القرآن الذى أنزله الله على محمد عبده ورسوله كلام الله وأنه منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وأنه قرآن كريم فى كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون وأنه قرآن مجيد [30] فى لوح محفوظ وأنه فى أم الكتاب لدى الله تعالى حفيظ وأنه فى الصدور كما
قال النبى- صلى الله عليه وسلم «استذكروا القرآن فهو أشد تفلتا من صدور الرجال من النعم من عقلها»
وقال:
«الجوف الذى ليس فيه شئ من القرآن كالبيت الخرب» أن ما [1] بين لوحى المصحف الذى كتبه الصحابة كلام الله كما
قال النبى صلى الله عليه وسلم: «لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم»
فهذه الجملة [2] تكفى المسلم فى هذا الباب وما تفصيل ما وقع فى ذلك من النزاع فكثير منه [3] يكون كلام [4] الاطلاقين خطأ ويكون الحق فى التفصيل ومنه ما يكون مع كل من المتنازعين نوع من الحق ويكون كل منهما ينكر حق صاحبه وهذا من التفرق والاختلاف الذى ذمه الله ونهى عنه: فقال: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ
[5]
قال: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ
[6]
وقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا
[7]
وقال: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ
[8]
فالواجب على المسلم أن يلزم سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين والسابقين [9] من الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. وما تنازعت فيه الأمة وتفرقت فيه إن أمكنه أن يفصل النزاع بالعلم والعدل وإلا استمسك بالجمل الثابتة بالنص والإجماع وأعرض عن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا فإن مواقع التفرق والاختلاف عامتها تصدر عن
[1] فى ك «انما» .
[2]
فى ك «الحكمة» والمنبت من ص، وف.
[3]
ما بين القوسين ساقط من ك.
[4]
فى ك «كلام» والمثبت من ص، وف.
[5]
سورة البقرة آية 176.
[6]
سورة آل عمران آية 105.
[7]
سورة آل عمران آية 103.
[8]
سورة البقرة آية 213.
[9]
عبارة ص «السابقين الراشدين» .
اتباع الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى، وقد بسطت القول من جنس هذه المسائل ببيان ما كان عليه سلف الأمة الذى اتفق عليه العقل [1] والسمع وبيان ما يدخل فى هذا الباب من الاشتراك والاشتباه والغلط فى مواضع متعددة ولكن نذكر هنا جملة مختصرة بحسب حال السائل، والواجب أمر العامة بالحمل على الثابت [2] بالنص والإجماع ومنعهم من الخوض فى التفصيل الذى يوقع بينهم الفرقة والاختلاف فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله عنه ورسوله، والتفصيل المختصر [3] فنقول: من اعتقد أن المداد الذى فى المصحف وأصوات العباد قديمة أزلية فهذا ضال مخطئ مخالف للكتاب والسنة وإجماع السابقين الأولين وسائر علماء المسلمين ولم يقل أحد قط [4] من علماء المسلمين إن ذلك [5] قديم لا من أصحاب الإمام أحمد ولا من غيرهم [6] ومن نقل قدم ذلك عن أحد من علماء أصحاب الإمام أحمد ونحوهم فهو مخطئ فى هذا النقل أو متعمد الكذب بل المنصوص عن الإمام أحمد وعامة أئمة أصحابه تبديع [7] من قال لفظى بالقرآن غير مخلوق كما جهموا من قال اللفظ بالقرآن مخلوق، وقد صنف أبو بكر المروزى أخص أصحاب الإمام أحمد به فى ذلك رسالة كبيرة مبسوطة، ونقلها عنه أبو بكر الخلال فى كتاب السنة الذى جمع فيه كلام الإمام أحمد وغيره من السنة فى أبواب الاعتقاد وكان بعض أهل الحديث إذ ذاك أطلق القول بأن لفظى بالقرآن غير مخلوق فبلغ ذلك الإمام أحمد فأنكر ذلك إنكارا شديدا وبدع من قال ذلك وأخبر أن أحدا من العلماء لم يقل ذلك فكيف من يزعم أن صوت العبد قديم وأقبح من ذلك من يحكى عن بعض العلماء أنّ المداد الذى فى المصحف قديم، وجميع أئمّه أصحاب الإمام أحمد وغيره أنكروا ذلك، وما علمت أنّ عالما نقل ذلك إلّا
[1] فى ك «بالقول» والمثبت من ص، ف.
[2]
كذا عبارة ص، وف «بالجمل الثابتة» .
[3]
فى ص «المختص» والمثبت من ص، وف.
[4]
وفى ص «ولم يقل قط أحد» .
[5]
فى ك «فى» والمثبت من ص، وف.
[6]
كذا فى ك، وف. وفى ص «أصحاب الإمام أحمد ونحوهم» .
[7]
أى نسبتهم إلى البدعة.
ما بلغنا عن بعض الجهال من الأكراد ونحوهم وقد ميزّ الله- تعالى- فى كتابه بين الكلام والمداد، فقال: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً
[1]
فهذا خطأ من هذا الجانب، وكذلك من زعم أنّ القرآن محفوظ فى الصدور، كما أن الله معلوم بالقلوب، وأنه متلو بالألسن، كما أن الله مذكور بالألسن، وأنه مكتوب فى المصحف، كما أنّ الله مكتوب فى المصحف، وجعل ثبوت القرآن فى الصدور والألسنة والمصاحف مثل ثبوت ذات [2] الله فى هذه المواضع، فهذا أيضا مخطئ فى ذلك، فإنّ الفرق بين ثبوت الأعيان فى المصحف وبين ثبوت الكلام فيها بيّن واضح، فإن الأعيان لها أربع مراتب: مرتبه فى الأعيان، ومرتبه [31] فى الأذهان، ومرتبة فى اللسان، ومرتبة فى البيان، فالعلم يطابق العين، واللفظ يطابق العلم، والخط يطابق اللفظ، فإذا قيل: إن العين فى الكتاب كما فى قوله: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ
[3]
فقد علم أن الذى فى الزبر إنما هو الخط المطابق للفظ المطابق للعلم فبين الأعيان وبين المصحف مرتبتان وهى اللفظ والخط وأما الكلام نفسه فليس بينه وبين الصحيفة مرتبة غيرهما بل نفس الكلام يجعل فى الكتاب، وإن كان بين [4] الحرف الملفوظ والحرف المكتوب فرق من [5] غير وجه آخر الا إذا أريد أن الذى فى المصحف هو ذكره والخبر عنه، مثل قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ
[6]
إلى قوله: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ. أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ
[7]
فالذى فى زبر الأولين ليس هو نفس القرآن المنزل على محمد. إن هذا القرآن لم ينزل على أحد قبله ولكن فى زبر الأولين صح ذكر القرآن وخبره، كما فيها ذكر محمد وخبره، كما أن أفعال العباد فى الزبر كما قال: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ
[8]
فيجب الفرق بين كون هذه الأشياء
[1] سورة الكهف آية 109.
[2]
فى ك «كتاب» والمثبت من ص، وف.
[3]
سورة القمر آية 52.
[4]
فى ك، وفى «من» والمثبت من ص.
[5]
فى ك «عن» والمثبت من ص، وف.
[6]
سورة الشعراء، الآيات 191- 192.
[7]
سورة الشعراء 196- 197.
[8]
سورة القمر آية 52.
فى الزبر وبين كون الكلام نفسه فى الزبر، كما قال: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ.
فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ
[1]
وقال: يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً. فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ
[2]
فمن قال: إنّ المداد قديم فقد أخطأ، ومن قال: ليس فى المصحف كلام الله وإنما فيه المداد الذى هو عبارة عن كلام الله فقد أخطأ، بل القرآن فى المصحف، كما أنّ سائر الكلام فى الأوراق كما عليه الأمة مجتمعة، وكما هو فى نظر المسلمين، فإنّ كلّ مرتبة لها [3] حكم يخصها، وليس وجود الكلام من الكتاب لوجود الصفة بالموصوف، مثل العلم والحياة بمحلها حتى يقال: إنّ صفة الله حلت بغيره أو فارقته، ولا وجوده فيه كالدليل المحض، مثل وجود العالم الدال على البارى تعالى، حتى يقال: ليس فيه إلا ما هو علامة على كلام الله، بل هو قسم آخر ومن لم يعط كل مرتبة فيما يستعمل فيها أداء الطرق حقها فيفرق بين وجود الجسم فى الحيز وفي المكان، ووجود العرض بالجسم، والصورة بالمرآة ويفرق بين رؤية الشئ بالعين يقظة ورؤيته بالقلب يقظة ومناما، ونحو ذلك، وإلا اضطرب عليه الأمر [4] ولذلك سؤال السائل عما فى المصحف، هل هم حادث أو قديم، سؤال مجمل. فإنّ لفظ القديم أولا مأثور عن السلف [ليس][5] وأما الذى اتفقوا عليه أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو كلام الله حيث تلى وحيث كتب وهو قرآن واحد وكلام وإن تنوعت الصور التى يتلى بها، وتكتب من أصوات العباد ومدادهم، فإن الكلام كلام من قاله مبتدءا، لا كلام من بلغه مؤديا، فإذا سمعنا محدثا يحدث
بقول النبى- صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات»
قلنا هذا كلام رسول الله لفظه ومعانيه، مع أن علمنا أن الصوت صوت المبلغ لا صوت رسول الله وهكذا كل من بلغ كلام غيره من نظم ونثر ونحن إذا قلنا هذا كلام الله لما نسمعه من القارئ من قرأه فى المصحف فالإشارة إلى الكلام من حيث هو هو مع قطع
[1] سورة الواقعة الآيتان 77، 78.
[2]
سورة البينة الآيتان 2، 3.
[3]
فى ك «بها» والمثبت من ص، وف.
[4]
فى ص «الأمور» .
[5]
ما بين الحاصرتين ساقط فى الأصول، وبه يستقيم السياق. والمعنى.
النظر عما اقترن به البلاغ من صوت المبلغ ومداد الكاتب، فمن قال: صوت القارئ ومداد [1] الكاتب كلام الله الذى ليس بمخلوق فقد أخطأ، وهذا الفرق الذى بينه الإمام [أحمد][2] لمن سأله وقد قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
[3]
فقال:
هذا كلام الله غير مخلوق؟ فقال نعم فنقل السائل عنه أنه قال: لفظى بالقرآن غير مخلوق قد عابه أحمد وزبره زبرا [4] شديدا وطلب عقوبته وتعذيره [5] وقال: أنا قلت لك لفظى بالقرآن غير مخلوق؟ فقال: لا ولكن قلت لى لما قرأت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
هذا كلام الله غير مخلوق، فقال: فلم تنقل عنى ما لم أقله بين الإمام أحمد أن القائل إذا قال لما يسمعه من المبلغين والمؤذنين هذا كلام الله، فالإشارة إلى الحقيقة التى تكلم بها الله وإن كنا إنما سمعناها ببلاغ المبلغ وحركته وصوته فإذا أشار إلى شئ من صفات المخلوق لفظه أو صوته أو فعله وقال هذا غير مخلوق فقد ضل وأخطأ، فالواجب أن يقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، والقرآن فى المصاحف كما أن سائر الكلام فى المصحف ولا يقال إن شيئا من المداد والورق غير مخلوق، بل كل ورق ومداد فى العالم فهو مخلوق، ويقال أيضا: القرآن الذى فى المصحف كلام الله غير مخلوق والقرآن الذى يقرؤه المسلمون كلام الله غير مخلوق.
وتبيين هذا الجواب عن المسألة الثانية [32] وهو قوله: أن كلام الله هل هو بحرف وصوت أم لا فإن [6] إطلاق الجواب فى هذه المسألة نفيا وإثباتا خطأ، وهى من البدع المولدة الحادثة بعد المائة الثالثة لما قال قوم من متكلمة الصفاتية: إنّ كلام الله الذى أنزله على أنبيائه كالتوراة، والإنجيل والقرآن، والذى لم ينزله، والكلمات التى [7] كون بها الكائنات والكلمات المشتملة على أمره، ونهيه وخبره ليس إلا مجرد معنى واحد هو صفة واحدة قامت بالله إن عبر عنها بالعبرية [8] كانت
[1] كذا فى ك، وف. وفى ص «المتكلم» .
[2]
هكذا اللفظ ساقط فى ك.
[3]
سورة الإخلاص آية 1.
[4]
زبره بمعنى عزره (محيط المحيط) .
[5]
فى ك «تقريره» والمثبت من ص.
[6]
فى ك «فشأن» والمثبت من ص، وف.
[7]
فى ك «الذى» والمثبت من ص، وف.
[8]
فى ك «بالعربية» والمثبت من ص، وف.
التوراة، وإن عبر عنها بالعربية كانت القرآن، وأن الأمر [1]، والنهى والخبر صفات لها لا أقسام لها وأن حروف القرآن مخلوقة خلقها الله تعالى ولم يتكلم بها وليست كلامه؛ إذ كلامه لا يكون بحرف وصوت عارضهم آخرون من المثبتة فقالوا: بل القرآن هو الحروف والأصوات وتوهم قوم أنهم يعنون بالحروف المداد وبالأصوات أصوات العباد وهذا لم يقله عالم، والصواب الذى عليه سلف الأمة كالإمام أحمد والبخارى صاحب الصحيح فى كتاب خلق أفعال العباد وغيره وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم اتباع النصوص الثابتة وإجماع سلف الأمة وهو أن القرآن جميعه كلام الله تعالى: حروفه ومعانيه ليس شيئا من ذلك كلاما لغيره ولكن أنزله على رسله وليس القرآن اسما لمجرد المعنى ولا لمجرد الحرف بل لمجموعهما وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط ولا المعانى فقط بل مجموعهما كما أن الإنسان المتكلم الناطق ليس هو مجرد الروح ولا مجرد الجسد بل مجموعهما وأن الله تعالى يتكلم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح، وليس ذلك هو أصوات العباد، لا صوت القارئ ولا غيره فإن الله ليس كمثله شئ لا فى ذاته ولا فى صفاته، ولا فى أفعاله، وكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوق ولا معانيه تشبه معانيه ولا حروفه تشبه حروفه، ولا صوت الرب يشبه صوت العبد فمن شبه الله بخلقه فقد ألحد فى أسمائه وآياته، ومن حجد ما وصف به نفسه فقد ألحد فى أسمائه وآياته وقد بينت فى الجواب المبسوط مراتب مذاهب أهل الأرض فى ذلك وأن المتفلسفة تزعم أن كلام الله ليس له وجود إلا فى نفس الأنبياء تفيض عليهم المعانى من العقل الفعال فتصير فى نفوسهم حروفا كما أن ملائكة الله عندهم ما يحدث فى نفوس الأنبياء من الصور النورانية، وهذا من جنس قول [2] فيلسوف قريش الوليد بن المغيرة إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ
فحقيقة قولهم إن القرآن تصنيف الرسول لكنه كلام شريف صادر عن نفس
[1] فى ص «الأمور» .
[2]
فى ك «قوله» والمثبت من ص، وف. وانظر خبر الوليد المغيرة المخزومى فى تفسير القرآن العظيم لابن كثير، سورة المدثر من أولها إلى قوله تعالى إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ
، ج 4: 469- 472.
صافية، وهؤلاء هم الصابئة [1] فنفرت منهم الجهمية [2] فقالوا إن الله لم يتكلم ولا يتكلم ولا قام به كلام وإنما كلامه ما يخلقه من الهواء أو غيره فأخذ بعض ذلك قوم من متكلمة الصفات [3] فقالوا: بل نصفه، وهو المعنى [4] كلام الله ونصفه وهو الحروف ليس كلام الله بل هو خلق من خلقه وقد تنازع الصفاتية القائلون بأن القرآن غير مخلوق هل يقال: إنه قديم لم يزل لا متعلق المشيئة؟ أم يقال يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء على قولين مشهورين فى ذلك وفى السمع والبصر ونحوهما ذكرهما الحارث المحاسبى عن أهل السنة، وذكرهما أبو بكر عن أهل السنة من أصحاب أحمد وغيرهم وكذلك النزاع بين أهل الحديث والصوفية وفرق الفقهاء من المالكية والشافعية والحنفية بل وبين فرق المتكلمين والفلاسفة فى جنس هذا الباب وليس هذا موضع بسط ذلك الفصل.
وأما سؤاله عن قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى
[5]
فهو حق أخبر الله به، وأهل السنة متفقون على ما قاله ربيعة بن أبى عبد الرحمن ومالك بن أنس وغيرهما من الأئمة أن الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عن الكيف بدعة فمن زعم أن الله مفتقر إلى عرش يقله أو أنه محصور فى سماء تظله أو أنه محصور فى شئ من مخلوقاته، أو أنه تحيط به جهة من جهات مصنوعاته فهو مخطئ ضال ومن قال إنه ليس على العرش رب ولا فوق السموات خالق بل ما هنا لك إلا العدم المحض والنفى الصرف فهو معطل جاحد
[1] الصابئة: قوم دينهم التعصب للروحانيات: أى الملائكة. وضد الحلفاء الذين دعوتهم الفطرة، ومؤدى مذهبهم: أن للعالم صانعا فاطرا حكيما مقدسا عن سمات الحدثان، والواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى جلاله، وإنما يتقرب إليه بالوسطاء المقربين لديه، وهم الروحانيون المطهرون المقدسون جوهرا وفعلا وحالة، وقالوا إن الأنبياء أمثالنا فى النوع، وأشكالنا فى القدرة، وأناس بشر مثلنا، فمن أين لنا طاعتهم، وبأية مزية لهم لزم متابعتهم إلخ. (دائرة المعارف لمحمد فريد وجدى مجلد «5» مادة صبأ) .
[2]
الجهمية: هم أصحاب جهم بن صفوان. قالوا: لا قدرة للعبد أصلا- لا مؤثرة ولا كاسبة- بل هو بمنزلة الجمادات. والجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما حتى لا يبقى موجود سوى الله تعالى (التعريفات للشريف الجرجانى ص 55 ط مطبعة الاتحاد) .
[3]
متكلمة الصفات: جماعة كبيرة كانوا يثبتون لله تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام، والجلال والإكرام إلخ. ولما كانت المعتزلة ينفون الصفات، والسلف تثبتها سمى السلف صفاتية، والمعتزلة معطلة. (دائرة المعارف لفريد وجدى المجلد «5» .
[4]
فى الأصول «بمعنى» والمثبت «يقتضيه السياق.
[5]
سورة طه آية 5.
لرب العالمين مضاه [1] لفرعون الذى قال: يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً
[2]
بل أهل السنة والحديث وسلف الأمة متفقون على أنه فوق سماواته على عرشه بأين من مخلوقاته ليس فى ذاته شئ من مخلوقاته [33] ولا فى مخلوقاته [3] شئ من ذاته وعلى ذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمة السنة بل على ذلك جميع المؤمنين من الأولين والآخرين وأهل السنة وسلف الأمة متفقون على أن من تأول استوى بمعنى استولى أو بمعنى آخر ينفى أن يكون الله فوق السموات فهو جهمى ضال مضل.
وأما سؤاله عن إجراء القرآن على ظاهره فإنه إذا آمن بما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله من غير تحريف ولا تكييف فقد اتبع سبيل المؤمنين ولفظ الظاهر فى عرف المستأخرين قد صار فيه اشتراك فإن أراد بإجرائه علي الظاهر الذى هو فى خصائص المخلوقين حتى يشبه الله بخلقه فهذا ضلال بل يجب القطع بأن الله ليس كمثله شئ لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله بل قد قال ابن عباس رضى الله عنهما [4] ليس فى الدنيا مما فى الآخرة إلا الأسماء يعنى أن موعود الله فى الجنة من الذهب والحرير والخمر واللبن يخالف حقا بقية حقائق هذه الأمور الموجودة فى الدنيا فالله تعالى أبعد عن مشابهة مخلوقاته بما لا تدركه العباد؛ إذ ليست حقيقته كحقيقة شئ منها وأما إن أراد بإجرائه على الظاهر [الذى هو الظاهر][5] فى عرف سلف الأمة بحيث لا يحرف الكلم عن مواضعه ولا يلحد فى أسماء الله تعالى ولا يفسر القرآن والحديث بما يخالف تفسير سلف الأمة وأهل السنة بل يجرى ذلك على ما اقتضته النصوص وتطابق عليه دلائل الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة فهذا مصيب فى ذلك وهو الحق وهذه جملة لا يسع هذا الموضع تفصيلها والله أعلم.
[1] هذا اللفظ ساقط من ك.
[2]
سورة غافر الآيتان 36، 37.
[3]
عبارة الأصول «ليس فى ذاته شئ من مخلوقاته شئ من ذاته» والمثبت يستقيم معه الرأى» .
[4]
الترضية ساقطة من ك.
[5]
ما بين القوسين ساقط من ك.
فلما وقف القاضى شمس الدين بن عدلان على هذه الفتيا أنكر منها مواضع وعرضها على القاضى زين الدين المالكى فقال قاضى القضاة أحتاج أن يثبت عندى أن هذا خط تقى الدين المذكور فإذا ثبت ذلك رتبت عليه مقتضاه، وانفصل المجلس فى تلك الليلة على هذا، ثم شهد جماعة عند قاضى القضاة أن الجواب المذكور بخط تقى الدين المذكور فثبت ذلك عنده وأشهد على نفسه به فى شعبان من السنة واجتمع قاضى القضاة زين الدين بالأمراء وعرفهم ما أنكره من فتياه فرسم بطلبه إلى الأبواب السلطانية وتوجه البريد بذلك فتوقف نائب السلطنة بالشام الأمير جمال الدين فى إرساله واتفق وصول الأمير سيف الدين الطنقش الجمالى أستاذ دار نائب السلطنة بالشام إلى الأبواب السلطانية فى الشهر المذكور فى بعض المهمات وملك السلطان مخدومه من أملاكه بالشام أماكن أحتاج إلى إثباتها على قاضى القضاة زين الدين المالكى فاجتمع بى بسبب ذلك فدخلت على قاضى القضاة وعرفته مكانة سيف الدين المذكور ومنزلته من أرباب الدولة، ومحل مخدومه والتمست منه الإذن له فى الدخول وإكرامه إذا دخل عليه فأذن له فى الدخول فلما دخل عليه اطرحه ولم يكترت لدخوله وكلمه بكلام غليظ فكان مما قال له عند دخوله عليه: أنت أستاذ دار جمال الدين؟ قال: نعم: قال: لا بيّض الله وجهه. وحمله رسالة لمخدومه فقال: قل له عنى أنت تعرف كيف كنت، وأننى اشتريتك للسلطان الملك المنصور وكنت على حال من الضرورة فى جنديتك وإمرتك ثم خوّلك الله تعالى من نعمه وأفاض عليك منها ما أنت عليه الآن وألحقك بأكابر الملوك ونعتّ بملك الأمراء، ثم أنت تدافع عن رجل طلبته لقيام حق من حقوق الله عليه، والله لئن لم ترسله ليعجلن الله تعالى [1] هلاكك إلى غير ذلك مما قاله فى وقت خروجه فالتزم الأمير سيف الدين الطنقش أنه عند وصوله إلى دمشق لا يبيت ابن تيمية بها، ويرسله إليه، ثم لم يقنع قاضى القضاة بذلك إلى أن اجتمع بالأمراء، وجدد معهم الحديث فى أمر تقى الدين فاقتضى ذلك إرسال الأمير حسام الدين لاجين العمرى أحد الحجاب بالأبواب السلطانية إلى دمشق بمثال شريف سلطانى بطلبه فتوجه ووصل إليها فى خامس شهر رمضان.
[1] ما بين القوسين ساقط من ك.
هذا هو السبب الموجب لطلبه وانحمال [1] قاضى القضاة زين الدين المالكى عليه نقلته عن مشاهدة واطلاع واتفق [2] فى هذه المدة له وقائع بدمشق نحن نوردها ملخصة بمقتضى ما أورده الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم [3] الجذرى [34] فى تاريخه ليجمع بين أطراف هذه الحادثة وأسبابها بمصر والشام وهو أنه لما كان فى يوم الإثنين ثامن شهر رجب عقد مجلس بين يدى نائب السلطنة بدمشق حضره القضاة والعلماء والشيخ تقى الدين المذكور وسئل عن عقيدته فأملى شيئا منها ثم أحضر عقيدته الواسطية [4] وقرئت فى المجلس وحصل البحث فى مواضيع منها وأخرت مواضيع إلى مجلس آخر ثم اجتمعوا فى يوم الجمعة ثانى عشر الشهر وحصل البحث وسئل عن مواضيع خارجة عن العقيدة وندب للكلام معه الشيخ صفي الدين الهندى [5] ثم عدل عنه إلى الشيخ كمال الدين بن الزملكانى [6] فبحث معه من غير مسامحة فأشهد الشيخ تقى الدين على نفسه من حضر المجلس أنه شافعى المذهب يعتقد ما يعتقد الإمام الشافعى فحصل الرضى منه وعنه بهذا القول وانفصل المجلس ثم حصل بعد ذلك من بعض أصحاب الشيخ تقى الدين كلام وقالوا: ظهر الحق مع شيخنا فأحضر الشيخ [7] كمال الدين القزوينى نائب قاضى القضاة نجم [8] الدين أحدهم إلى المدرسة العادلية وعزره وفعل قاضى القضاة الحنفى مثل ذلك باثنين من أصحابه فلما كان يوم الإثنين ثانى عشرين الشهر قرأ الشيخ جمال الدين المزى [9] فصلا فى الرد على الجهمية من كتاب أفعال العباد من كتاب
[1] فى ك «وأعمال» والمثبت من ص، وف.
[2]
هذا اللفظ ساقط من ك.
[3]
وانظر ترجمته فى الوافى بالوفيات 3: 22، والبداية والنهاية 14: 186، والسلوك للمقريزى 2/2: 471، والدرر الكامنة 3: 301، وشذرات الذهب 6:124. وقد توفى سنة 739 هـ.
[4]
الواسطية رسالة لابن تيمية نشرت فى كتاب طبع عدة مرات وآخرها نشرا كانت سنة 1380 هـ (1961 م) طبع بمطبعة المدنى بالقاهرة.
[5]
هو صفى الدين محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموى الهندى توفى سنة 715 هـ (البداية والنهاية 14: 74، وشذرات الذهب 6: 37) .
[6]
هو كمال الدين محمد بن على بن عبد الواحد بن الزملكانى، توفى سنة 727 هـ (البداية والنهاية 14: 131، وشذرات الذهب 6: 78) .
[7]
فى ك «كمال الدين» والمثبت من ص، والسلوك للمقريزى 2/1: 14- وهو محمد بن عبد الرحمن بن عمر القزوينى. توفى سنة 739 هـ (البداية والنهاية 14: 185، وشذرات الذهب 6:123.
[8]
المقصود هو نجم الدين ابن صصرى أحمد بن محمد بن صصرى، توفى سنة 723 هـ.
[9]
هو يوسف بن عبد الرحمن المزى الشافعى، الحافظ جمال الدين أبو الحجاج، توفى سنة 742 هـ والبداية والنهاية 14: 191، وشذرات الذهب 6:136.
البخارى وكان ذلك بالجامع الأموى تحت النسر [1] فى المجلس العام المعقود لقراءة صحيح البخارى فغضب بعض الفقهاء الحاضرين وقال نحن قصدنا بهذا التكفير فبلغ ما قاله قاضى القضاة نجم الدين الشافعى فأحضره ورسم باعتقاله فبلغ ابن تيمية الخبر فقام حافيا وتبعه أصحابه وأخرجه من الحبس فغضب القاضى [2] وتوجه إلى نائب السلطنة واجتمع هو وتقى الدين فاشتط تقى الدين عليه وذكر نائبه جلال الدين وأنه آذى أصحابه فرسم نائب السلطان بإشهار النداء فى البلد بالكف عن العقائد والخوض فيها، ومن تكلم فى ذلك سفك دمه ونهب ماله. وأراد بذلك تسكين هذه الفتنة ثم عقد مجلس فى ثانى يوم الثلاثاء سلخ رجب بالقصر الأبلق بحضور نائب السلطنة والقضاة والفقهاء وحصل البحث فى أمر العقيدة وطال البحث فوقع من الشيخ صدر الدين كلام فى معنى الحروف فأنكره الشيخ كمال الدين بن [3] الزملكانى فأنكر صدر الدين القول، فقال كمال الدين لقاضى القضاة نجم الدين بن صصرى: ما سمعت ما قال؟
فتغافل عن إجابته لتنكسر الفتنة فقال ابن الزملكانى ما جرى على الشافعية قليل إذ [4] صرت رئيسهم يريد بذلك ابن الوكيل فيما يزعم فظن قاضى القضاة أنه أراده بكلامه فأشهد عليه أنه عزل نفسه عن القضاء وقام من المجلس فرسم نائب السلطنة بعوده فأدركه الأمير ركن الدين بيبرس العلائى الحاجب وغيره من الأمراء وأعادوه إلى المجلس، وجرى كلام كثير ثم ولاه نائب السلطنة القضاء وحكم قاضى القضاة الحنفى بصحة ولايته ونفذها المالكى فلما وصل إلى داره انقطع عن الحكم وطالع نائب السلطنة فى أمره فعاد الجواب السلطانى باستمراره فى القضاة فى ثامن عشرين شعبان.
ثم وصل الأمير حسام الدين لاجين العمرى فى خامس شهر رمضان بطلب قاضى القضاة نجم الدين وتقى الدين بن تيمية وتضمن المثال السلطانى بأن [5] يطالع بما وقع من أمر تقى الدين المذكور فى سنة ثمان وتسعين وستمائة بسبب عقيدته وأن تكتب صورة العقيدتين الأولى والثانية فأراد نائب السلطنة
[1] المراد قبة النسر بالمسجد الأموى، وانظر فيها الدارس فى تاريخ المدارس.
[2]
أى نجم الدين بن صصرى.
[3]
هذا اللفظ ساقط من ك.
[4]
فى ك «إذا» والمثبت من ص، وف.
[5]
كذا فى ك، وف. وفى ص «أن يطالع» .
أن يدافع عنه ويكتب فى حقه فوصل مملوكه سيف الدين الطنقش من الديار المصرية وأخبر باشتداد الحال عليه وقيام الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير وذكر له كلام قاضى القضاة زين الدين فعند ذلك أمر بإرساله وإرسال قاضى القضاة نجم الدين فتوجها فى يوم الإثنين ثانى عشر شهر رمضان فتوجه القاضى نجم الدين فى الخامسة من النهار وتوجه تقى الدين فى التاسعة وصحبته جماعة من أصحابه منهم تقى الدين بن سنقر [1] وزين الدين بن زين الدين بن منجا وشمس الدين التدمرى وفخر الدين وعلاء الدين أولاد شرف الدين الصايغ وابن بحبح وشرف الدين عبد الله أخو الشيخ وكان وصولهم إلى القاهرة فى يوم الخميس ثانى عشرين شهر رمضان وعقد مجلس بدار النيابة بقلعة الجبل وحضره الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير وغيره من الأمراء والقضاة والعلماء وذلك بعد صلاة الجمعة الثالث والعشرين من الشهر [35] فادعى القاضي شمس الدين محمد بن عدلان [2] دعوى شرعية على تقى الدين فى عقيدته عند قاضى القضاة زين الدين [3] فى المجلس وطالبه بالجواب فنهض تقى الدين قائما وقال: الحمد لله وأراد أن يذكر خطبة ووعظا، ويذكر عقيدته فى أثناء ذلك فقيل له أجب عما أدعى عليك به ودع هذا فلا حاجه لنا بما تقول فأراد أن يعيد القول فى الخطبة فمنع وطولب بالجواب فقال: عند من الدعوى علىّ؟ فقيل عند قاضى القضاة زين الدين المالكى فقال هو عدوى وعدو مذهبى فلم يرجع إلى قوله ولما لم يأت بجواب أمر قاضى القضاة زين الدين باعتقاله على رد الجواب فأقيم من المجلس واعتقل هو وأخواه شرف الدين عبد الله وعبد الرحمن وحبسوا فى برج فتردد إليه بعض الناس فاتصل ذلك بقاضى القضاة زين الدين فأمر بالتضييق عليه، فنقل إلى الجب فى ليلة عيد الفطر وكتب مثال شريف سلطانى وسير إلى دمشق فى أمر تقى الدين والحنابلة ونسخته [4] .
[1] كذا فى ك. وفى ص، والسلوك 2/1/11 «ابن شقير» .
[2]
أنظر ترجمته فى النجوم الزاهرة 9: 262، وذيول العبر ص 270، وشذرات الذهب 6: 164، والدرر الكامنة 3:333. وقد توفى فى سنة 749 هـ.
[3]
هو زين الدين على بن مخلوف بن ناهض النويرى قاضى الملكية بمصر، توفى سنة 718 هـ. «البداية والنهاية 14: 90، وشذرات الذهب 6: 49، والدرر الكامنة 3: 127، والسلوك للمقريزى 2/1: 179) .
[4]
ورد نص هذا المثال السلطانى فى كتاب كنز الدرر وجامع الغرر ص 9: 140 وما بعدها وقد راجعت عليه النص المخطوط.
(بسم الله الرحمن الرحيم) الحمد لله الذى تنزه عن التشبيه والتنظير، وتعالى عن المثيل فقال عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
[1]
نحمده على أن ألهمنا العمل بالسنة والكتاب، ورفع فى أيامنا أسباب الشك والارتياب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من يرجو بإخلاصه حسن العقبى والمصير وينزه خالقه عن التحييز فى جهة لقوله عز وجل: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
[2]
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذى نهج سبيل النجاة لمن سلك طريق مرضاته، وأمر بالتفكر فى آلآء الله، ونهى عن التفكر فى ذاته- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه- الذين علا بهم منار الإيمان وارتفع وشيد الله بهم من قواعد الدين الحنيف ما شرع، وأخمد بهم كلمة من حاد عن الحق ومال إلى البدع، وبعد: فإن العقيدة الشرعية [3] وقواعد الإسلام المرعية وأركان الإيمان العلية ومذاهب الدين المرضية هى الأساس الذى يبنى عليه، والموئل الذى يرجع كل أحد إليه، والطريق الذى من سلكها فقد فاز فوزا عظيما ومن زاغ عنها فقد استوجب عذابا أليما فلهذا يجب أن تنفذ أحكامها، ويؤكد دوامها وتصان عقائد هذه الأمة عن الاختلاف وتزان قواعد الأمة بالائتلاف وتغمد [4] بواتر البدع ويفرق من فرقها ما اجتمع، وكان التقى ابن تيمية فى هذه المدة قد بسط لسان قلمه ومد عنان كلمه وتحدث فى مسائل الذات والصفات ونص فى كلامه على أمور منكرات وتكلم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون وفاه بما تجنبه السلف الصالحون وأتى فى ذلك بما أنكره أئمة الإسلام واتفق [5] على خلافه إجماع العلماء والحكام وشهر من فتاويه فى البلاد ما استخف به عقول العوام وخالف فى ذلك علماء عصره وفقهاء شامه ومصره وبعث رسائله إلى كل مكان وسمى فتاويه أسماء ما أنزل الله بها من سلطان.
[1] سورة الشورى آية 11.
[2]
سورة الحديد آية 4.
[3]
فى ك «العقد» والمثبت من ص، وف.
[4]
فى الأصول «وتحمد» ولعل الصواب ما أثبته.
[5]
كذا فى ك، وف. وفى ص «أئمة السلف وانعقد» .
ولما اتصل بنا ذلك وما سلكه مريدوه من هذه المسائل وأظهروه من هذه الأحوال وأشاعوه وعلمنا أنه استخف قومه فأطاعوه حتى اتصل بنا أنهم صرحوا فى حق الله بالحرف والصوت والتجسيم قمنا فى الله تعالى مشفقين [1] من هذا النبأ العظيم وأنكرنا هذه البدعة وأنفنا [2] أن يشيع [3] عمن تضمه ممالكنا هذه السمعة وكرهنا ما فاه به المبطلون وتلونا قوله: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ*
[4]
فإنه جل جلاله تنزه عن العديل والنظير لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
[5]
وتقدمت مراسمنا باستدعاء ابن تيمية المذكور إلى بابنا عندما سادت فتاويه شاما ومصر وصرّح فيها بألفاظ وضعها ذوقهم إلا وتلا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً
[6]
ولما وصل إلينا أمرنا بجمع أولى الحل والعقد وذوى التحقيق والنقد وحضر قضاة الإسلام وحكام الأنام وعلماء الدين وفقهاء المسلمين وعقد له مجلس شرع فى ملأ من الأئمة وجمع فثبت عند ذلك عليه جميع ما نسبه إليه [36] بمقتضى خط يده الدال على منكر معتقده وانفصل ذلك الجمع وهم لعقيدته منكرون، وآخذوه بما شهد به قلمه عليه تالين سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ
[7]
وبلغنا أنه كان استتيب فيما تقدم وأخره الشرع الشريف لما تعرض لذلك وأقدم ثم عاد بعد منعه ولم تدخل تلك النواهى فى سمعه ولما ثبت ذلك فى مجلس الحكم العزيز المالكى حكم الشرع الشريف بأن يسجن هذا المذكور ويمنع من التصرف والظهور ومرسومنا هذا يأمر بأن لا يسلك أحد ما سلكه المذكور من هذه المسالك، وينهى عن التشبه به فى اعتقاد مثل هذا أو يغدو له فى هذا القول متبعا ولهذه الألفاظ مستمعا أو يسرى فى التجسيم مسراه أو أن يفوه بجهة العلو مخصصا أحد كما فاه أو يتحدث إنسان فى صوت أو حرف أو يوسع القول فى ذات أو وصف أو ينطق
[1] فى كنز الدرر 9: 140 «مستعظمين لهذا النبأ.
[2]
فى ك «وقرنا» وفى فرص، وف «وغرنا» والمثبت من كنز الدرر 9:140.
[3]
كذا فى الأصول. وفى كنز الدرر 9: 140 «أن تسمع» .
[4]
سورة المؤمنون آية 91، وسورة الصافات آية 159.
[5]
سورة الأنعام آية 103.
[6]
سورة الكهف آية 74.
[7]
سورة الزخرف آية 19.
بتجسيم أو يحيد عن طريق الحق المستقيم أو يخرج عن آراء الأئمة أو ينفرد عن علماء الأمة أو يحيز الله فى جهة أو يتعرض إلى حيث أو كيف فليس لمن يعتقد هذا المجموع [1] عندنا إلا السيف فليقف كل أحد عند هذا الحد ولله الأمر من قبل ومن بعد، وليلزم كل من الحنابلة بالرجوع عما أنكره الأئمة من هذه العقيدة أو الخروج من هذه المشتبهات الشديدة ولزوم ما أمر الله تعالى به من التمسك بمذهب أهل الإيمان الحميدة فإنه من خرج عن أمر الله تعالى فقد ضل سواء السبيل وليس له غير السجن الطويل من مستقر ولا مقيل.
رسمنا بأن ينادى فى دمشق المحروسة والبلاد الشامية وتلك الجهات بالنهى الشديد والتخويف والتهديد لمن يتبع ابن تيمية فى الأمر الذى أو ضحناه ومن تبعه فيه تركناه فى مثل مكانه وأحللناه ووضعناه من عيون الأمم كما وضعناه ومن أصر على الدفاع وأبى إلا الامتناع أمرنا بعزلهم من مدارسهم ومناصبهم وإسقاطهم من مراتبهم وأن لا يكون لهم فى بلادنا حكم ولا قضاء ولا إمامة ولا شهادة ولا ولاية ولا رتبة ولا إقامة فإننا أزلنا دعوة هذا المبتدع من البلاد وأبطلنا عقيدته التى أضل بها كثيرا من العباد أو كاد ولتكتب المحاضر الشرعية على الحنابلة بالرجوع عن ذلك وتسير إلينا بعد إثباتها على قضاة الممالك وقد أعذرنا وحذرنا، وأنصفنا حيث أنذرنا وليقرأ مرسومنا هذا على المنابر ليكون أبلغ واعظ وزاجر وأحمد ناه وآمر والاعتماد على الخط الشريف أعلاه وكتب فى ثامن عشرين شهر رمضان سنة خمس وسبعمائة.
ولما وصل هذا المثال الى دمشق قرئ على المنابر كما رسم فيه وأشهر وأعلن [2] وأما قاضى القضاة نجم الدين ابن صصرى فإنه عومل بالإكرام وخلع عليه ونزل بدار الحديث الكاملية بقاعة التدريس بها وأذن له السلطان أن يحكم بالقاهرة فأثبت مكاتيب كثيرة وجلس كتاب الحكم بين يديه، وخرجت إسجالاته وشهدت عليه في بعضها، ثم عاد إلى دمشق على خيل البريد، وكان وصوله إليها فى يوم الجمعة سادس ذى القعدة وفى أثناء هذه الحادثة فى غضون هذه
[1] لعل المقصود: المجموع من آراء ابن تيمية ومن شايعه.
[2]
فى ص «وأعلى به» .
المدة كان للحنابلة فى القاهرة مع قاضى القضاة زين الدين المالكى وقائع أهين فيها بعض أعيانهم واعتقل وعزر بعضهم.
وكان ممن تعصب لتقى الدين ابن تيمية فى هذه الواقعة بالشام قاضى القضاة شمس الدين محمد ابن الحريرى الحنفى وأثبت محضرا له مما هو عليه من الخير وكتب فى أعلاه بخطه ثلاثة عشر سطرا يقول فى جملتها إنه منذ ثلاثمائة سنة ما رأى الناس مثله وأرانى قاضى القضاة زين الدين المالكى هذا المحضر وغضب منه وسعى فى عزل قاضى القضاة الحنفية بدمشق شمس الدين ابن الحريرى [1] فعزل وفوض قضاء القضاة الحنفية بدمشق بعده لقاضى القضاة شمس الدين محمد بن إبراهيم الأذرعى الحنفى [2] مدرس المدرسة الشبلية فوصل تقليده إلى دمشق فى ثانى ذى القعدة [3] .
وأما تقى الدين فإنه استمر فى الجب بقلعه الجبل إلى أن وصل الأمير حسام الدين مهنا إلى [4] الأبواب السلطانية فى شهر ربيع الأول سنة سبع وسبعمائة فسأل السلطان في أمره وشفع فيه فأمر بإخراجه فأخرج فى يوم الجمعة [37] الثالث والعشرين من الشهر وأحضر [5] إلى دار النيابة بقلعة الجبل وحصل بحث مع بعض الفقهاء ثم اجتمع جماعة من أعيان العلماء ولم تحضره القضاة وذلك لمرض قاضى القضاة زين الدين المالكى ولم يحضر غيره من القضاة، وحصل البحث وكتب خطه ووقع الإشهاد عليه وكتب بصورة المجلس مكتوب مضمونه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
شهد من يضع خطه
[1] هو محمد بن عثمان بن عبد الوهاب الأنصارى. شمس الدين ابن الحريرى، توفى سنة 728 هـ والوافى بالوفيات 4: 90، والبداية والنهاية 14: 142، والدرر الكامنة 4: 158، وشذرات الذهب 6: 88) .
[2]
هو محمد بن ابراهيم بن داوود بن حازم الأذرعى ثم الدمشقى، توفى سنة 712 هـ (البداية والنهاية 14:
168، والجواهر المضيئة 2: 2، والدرر الكامنة 3: 246، والنجوم الزاهرة 9: 223، والدارس فى تاريخ المدارس 1: 528، والدليل الشافى 2: 575) .
[3]
وفى ص «ثانى عشر ذى القعدة» .
[4]
. هو حسام الدين مهنا بن عيسى بن مهنا أمير آل فضل، توفى سنة 735 هـ (البداية والنهاية 14: 172، والدرر الكامنة 5: 138، وذيول العبر ص 187، والسلوك 2/2: 389، والدليل الشافى 2: 747، وشذرات الذهب 6: 112) .
[5]
فى ك «فأحضر» والمثبت من ص، وف.
آخره أنه لما عقد مجلس لتقى الدين أحمد بن تيمية الحرانى الحنبلى بحضرة المقر الأشرف العالى المولوى الأميرى الكبيرى العالمى العادلى السيفى ملك الأمراء سلار الملكى الناصرى نائب السلطة المعظمة أسبغ الله ظله، وحضر فيه جماعة من السادة العلماء الفضلاء أهل الفتيا بالديار المصرية بسبب ما نقل عنه ووجد بخطه الذى عرف به قبل ذلك من الأمور المتعلقة باعتقاده أن الله تعالى يتكلم بصوت وأن الاستواء على حقيقته وغير ذلك مما هو مخالف لأهل الحق، انتهى المجلس بعد أن جرت فيه مباحث معه ليرجع عن اعتقاده فى [1] ذلك إلى أن قال بحضرة شهود: أنا أشعرى ورفع كتاب الأشعرية على رأسه وأشهد عليه بما كتب به خطا وصورته: الحمد لله الذى أعتقده أن القرآن معنى قائم بذات الله، وهو صفة من صفات ذاته القديمة الأزلية وهو غير مخلوق وليس بحرف ولا صوت، كتبه أحمد بن تيمية والذى أعتقده من قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى
[2]
أنه على ما قاله الجماعة أنه ليس على حقيقته وظاهره ولا أعلم كنه المراد منه بل لا يعلم ذلك إلا الله تعالى. كتبه أحمد بن تيمية، والقول فى النزول كالقول فى الاستواء أقول فيه ما أقول فيه ولا أعلم كنه المراد به بل لا يعلم ذلك إلا الله تعالى وليس على حقيقته وظاهره كتبه أحمد بن تيمية وذلك فى يوم الأحد خامس عشرين شهر ربيع الأول سنة سبع وسبعمائة.
هذا صورة ما كتب به خطه وأشهد عليه أيضا أنه تاب إلى الله تعالى مما ينافى [3] هذا الاعتقاد فى المسائل الأربع المذكورة بخطه وتلفظ بالشهادتين المعظمتين وأشهد عليه أيضا بالطواعية والاختيار فى ذلك ووقع ذلك كله بقلعه الجبل المحروسة من الديار المصرية حرسها الله تعالى بتاريخ يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وسبعمائة وشهد عليه فى هذا المحضر جماعة من الأعيان المقنتين والعدول، وأفرج عنه واستقر
[1] فى ك «وذلك» والمثبت من ص، وف.
[2]
سورة طه آية 5.
[3]
كذا فى ك، وف. وفى ص «عند ما» .
بالقاهرة بدار شقير ثم عقد له مجلس ثالث بالمدرسة الصالحية [1] بالقاهرة فى يوم الخميس سادس عشر شهر ربيع الآخر وكتب بخطه نحو ما تقدم ووقع الإشهاد فيه عليه أيضا وسكن الحال مدة ثم اجتمع جماعة من المشايخ والصوفية مع الشيخ تاج الدين بن عطاء الله [2] فى نحو خمسمائة نفر وتبعهم جمع كثير من العوام وطلعوا إلى قلعة الجبل فى العشر الأوسط من شوال من السنة واجتمع الشيخ المذكور وأعيان المشايخ بنائب السلطان وقالوا إن تقى الدين يتكلم فى حق مشايخ الطريقة وإنه يقول: لا يستغاث بالنبى صلى الله عليه وسلم فرد الأمر إلى قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعى واقتضى الحال أن رسم بتسفيره إلى الشام على خيل البريد فتوجه وكان قاضى القضاة زين الدين المالكى فى ذلك الوقت فى حال شديدة من المرض وقد أشرف على الموت، فبلغه ذلك عقيب أفاقة من غشى كان قد حصل له فأرسل إلى الأمير سيف الدين سلار وسأله فى رده فأمر برده إلى القاهرة فتوجه البريد وأعاده من [3] مدينة بلبيس فوصل وقاضى القضاة زين الدين مغلوب بالمرض فأرسل إلى نائبه القاضى نور الدين الزواوى فحضر به إلى مجلس قاضى القضاة بدر الدين وحررت الدعوى عليه فى أمر اعتقاده وما وقع منه فشهد عليه الشيخ شرف الدين بن الصابونى، وقيل إن الشيخ علاء الدين القونوى يشهد عليه فاعتقل بسجن الحاكم [4] بحارة الديلم [5] وذلك فى ثامن عشر شوال سنة سبع وسبعمائة واستمر به إلى سلخ صفر سنة تسع وسبعمائه فأنهى عنه أن جماعة
[1] هى إحدى المدارس الصالحية بين القصرين، عمرها السلطان الملك الصالح نجم الدين سنة 639 هـ ضمن المدارس التى عمرها بواسطة الأسرى الفرنج الذين أسرهم فى حربه مع الصالح إسماعيل والفرنج سنة 638. (السلوك 1: 305- 308) .
[2]
هو تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله السكندرى المالكى الصوفى، توفى سنة 709 هـ (الدرر الكامنة 1: 142، والنجوم الزاهرة 81: 280، وذيول العبر ص 48، وشذرات الذهب 6: 19) .
[3]
فى ك «فى» والمثبت من ص، وف.
[4]
كذا فى ك، وف. وفى ص «الحكم» .
[5]
حارة الديلم: عرفت بذلك لنزول الديلم بها. والديلم طائفة من الترك الواصلين مع هفتكين الشرابى حين قدومه إلى مصر، ومعه أولاد مولاه معز الدولة البويهى، وجماعة من الديلم والأتراك فى سنة 368 هـ، وسكنوا تلك الحارة فعرفت بهم، وكانت تجاه الجامع الأزهر، وعرفت بدرب الأتراك وتقع فى المنطقة التى تشمل عدة طرق منها شارع حوش قدم، وحارة حوش قدم، وحارة الحمام، وعطفة السباعى، وشارع الكحكيين وغيرها بقسم الدرب الأحمر (النجوم الزاهرة 9: 64 هامش خطط المقريزى، ج 1 بولاق) .