الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدّمى الألوف، والأمير عز الدين أيدمر الدّوادار، والأمير علم الدين سنجر الدّميثرى، والأمير علاء الدين على ابن الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى، والأمير سيف الدين بهادر التّقوى، والأمير سيف الدين الدمياطى، والأمير صارم الدين الجرمكى، والأمير سيف الدين طقصبا متولى الأعمال القوصيّة والإخميمية، وسبعة من مقدمى الحلقة المنصورة، وتوجهوا فى نحو خمسمائة فارس، وكان رحيلهم من القاهرة فى يوم الأربعاء العشرين من شوال من السنة، وكان سبب ذلك أن العربان ببرّيّة عيذاب قطعوا الطّريق على رسول اليمن الواصل إلى الأبواب السلطانية، وأخذوا ما كان معه من التقادم ومن رافقه من غلمان التّجّار، والذى حملهم على ذلك أن الأمير سيف الدين طقصبا [1] متولى الأعمال القوصيّة اعتقل فيّاضا أمير هذه الطائفة من العرب، فحملت أصحابه الحميّة على فعل ذلك، فلما اتصل فعلهم بالأبواب السلطانية جرّد هذا العسكر فى طلبهم، ورسم أن يتوجهوا إلى مدينة قوص [97] ويتوجهوا منها إلى البريّة ويتبعوا العرب حيث كانوا، فأخبرنى الأمير عز الدين الدّوادار أحد الأمراء الذين توجّهوا- وهو الثقة فى أخباره- أنهم توجّهوا فى التاريخ المذكور حتى انتهوا إلى مدينة قوص، فأقاموا بظاهرها خمسة وخمسين يوما، وفى مدة مقامهم توجّه متولى الأعمال، والأمير صارم الدين الجرمكى إلى البرّيّة ليجتمعا بالعربان فى ردّ ما أخذوه من الأموال، ومراجعة الطاعة، فاجتمعا بهم ولم تتهيأ الموافقة على ما أرادوا ولما توجّها طولع السلطان بتوجههما [2] وأنّ العسكر تأخّر لقلة الظّهر [3] وسعة البرية، وقلّة الماء، وجهز بذلك الأمير بدر الدين بكتمش [4] الحسامى أحد مقدمى الحلقة المنصورة.
فلما وصل إلى الأبواب السلطانية
حصل من السلطان الإنكار الشديد بسبب تأخّر العسكر عن دخول البرّيّة، فعندها توجّه العسكر من مدينة قوص فى العشر الأول من المحرم سنة سبع عشرة ودخلوا إلى البرية فانتهوا إلى ثغر عيذاب فى خمسة عشر يوما، واجتمع
[1] فى ك «طقصنا» والتصويب مما سبق.
[2]
فى ك «بتوجيههما» والمثبت من ص، وف.
[3]
أى ما يركب من الداوب والإبل.
[4]
كذا فى ك، وف. وفى ص «بكمش» ولم أعثر بين أمراء حسام الدين لاجين، ولا أمراء الناصر محمد بن قلاوون على هذا الاسم.
العسكر بالأميرين سيف الدين طقصبا، وصارم الدين الجرمكى بعيذاب، وأقاموا بها اثنى عشر يوما، وكان متولى الأعمال قد استصحب معه فيّاضا أمير العرب الذى كانت الفتنة بسبب اعتقاله، ثم رحل الجيش من ثغر عيذاب، وساروا حتى انتهوا إلى سواكن [1] فى اثنى عشر يوما يسلكون رءوس الجبال والأوعار، وحصل لهم ضرر كثير بسبب المياه وقلّتها حتى كادوا يهلكون فى ماء منها [2] يقال له دنكنام، فإن العربان كانوا قد غوّروا المياه أمام العسكر، فأقام الجيش أربعة أيام، ووصل إلى ذلك الماء فى اليوم الخامس، فوجدوا جفارا [3] واحدا وهو متغيّر اللون والطعم والريح، فبينما هم كذلك إذ قدمت كشّافة العسكر وكانوا قد قدّموا من يستقرئ لهم خبر تلك الجبال علّهم [4] يجدون ماء، فأخبروهم أنهم وجدوا مياه [4] الأمطار بتلك الجبال فرحلوا من هناك وقت المغرب، وانتهوا إلى مياه قد اجتمعت من الأمطار، فأقاموا بها بقية تلك الليلة إلى نصف النهار من اليوم الثانى، وحملوا منها وارتحلوا حتى انتهوا إلى سواكن، فخرج إليهم متملكها بالطاعة والانقياد إلى أوامر السلطان، وقرّر على نفسه قطيعة يحملها إلى الأبواب السلطانية فى كل سنة، وهى من الرقيق ثمانون رأسا، ومن الجمال: ثلاثمائة رأس، ومن العاج: ثلاثون قنطارا، واستقر بسواكن نيابة عن السلطنة، وأقام العسكر بسواكن ستة أيام، واستصحب معه أولاد مهنّا، وكان فضل أحد مقدّمى العرّبان قد التحق بالعسكر فيما بين سواكن وعيذاب وصحبهم، وتوجّه الجيش خلف العربان ودخلوا البرية يتبعون آثارهم، فساروا سبعة عشر يوما، وفى أثناء مسيرهم ظفروا بطوائف من السودان بقرب المياه فى أودية هناك، فقتل العسكر منهم، وأسر وسبى وغنم من مواشيهم من الأبقار والأغنام ما ارتفق به الجند، وأنتهوا إلى وادى إيتريب [5] فى اليوم السابع عشر، فأقاموا بها يومين، ولم يجدوا من سواكن إلى هذا الوادى غير ماء واحد، وكان شربهم من مياه الأمطار، وأمطرت البرّيّة فى غير الوقت المعتاد، لطفا من الله تعالى بعباده وإبقاء عليهم.
[1] سواكن: ميناء على البحر الأحمر تربطها بعطبرة حاليا سكة حديديه، كما تربطها ببربر وكسلا طرق تجارية، ولكن وجود بور سودان بالقرب منها قلل من شأنها (النجوم الزاهرة 7: 139 هامش) .
[2]
فى ك «مأمنها» والمثبت من ص، وف.
[3]
الجفار: البئر.
[4- 4] ما بين الرقمين من ص، وف.
[5]
كذا فى ك، وف. وفى ص «أبيزيب» .
ثم ساروا إلى أن وصلوا إلى أرنيباب [1] وهو جبل صغير على شاطئ نهر أتبرا [2] وهو فرع من فروع نيل مصر يخرج من بلاد الحبشة، فأقاموا عليه يوما واحدا، ثم توجهوا يتبعون آثار الغرماء [3] وهم يسيرون على شاطئ ذلك النهر ثلاثة أيام والنهر على يمين العسكر، ثم فوّزوا ودخلوا البريّة إلى أرض التاله [4] فانتهوا فى اليوم الثالث من يوم دخولهم المفازة إلى جبل كشلاب [5] وهو جبل أقرع ليس فى تلك البرية غيره، وجبل ألوس وبين الجبلين واد، وهذا الجبل هو حد بلاد التاله من الحبشة، [98] فلما وصلوا إليه وقد قربوا من الماء، وهم فى أرض صفراء التربة تشبه أرض بيسان من غور الشام، وهى كثيرة الأشجار من السنط وأم غيلان وشجر الإهليلج [6] والأبنوس والبقس [7] والحمر [8] وهو الذى يطرح التمرهندى، إذ طلع عليهم غبار أمامهم، فندبوا من يكشف الخبر، فعاد الكشافة وأخبروهم أن طائفة من السّودان تسمى هلنكة قد اجتمعوا لقتال العسكر، وهم خلق كثير، فتقدم العسكر إليهم وقد عبؤوا أطلابهم، ولبسوا لأمة حربهم، واجتمع العسكر فى أرض خالية من الأشجار، وهى من طرق السيول [9] وقد صارت مثل البركة ولها فجّة يدخل العسكر منها، فتبعهم الأثقال فسدّت جمال أثقالهم تلك الفجة، وهلنكة من أعلا البركة [10] وبأيدى هلنكة الحراب والمزاريق والسيوف، ومع بعضهم النبل، فوقف العسكر وأرسل إليهم: إنّا لم نأت لقتالكم وإنما جئنا فى طلب طائفة من العرب أفسدوا وعصوا وقطعوا السبيل، وأمّنوهم، فردّوا الأمان وأبوا إلا القتال، فقاتلهم
[1] فى ك، وف «أزبيناب» والمثبت من ص.
[2]
نهر أبترا: لعله نهر عطبرا والوصف ينطبق عليه.
[3]
كذا فى ص، وف. وفى ك «القرمان» ولعلها العربان.
[4]
كذا فى ص. وفى ك، وف بدون نقط.
[5]
فى ك «جبل كسلان» والمثبت من ص، وف.
[6]
الإهليلج: جاء فى قاموس النباتات لحسن البابلى ص 19 «إهليلج كابلى: شجرة مسحوق ثمارها تدخن فى حالة مرض الربو» ويقال هو شجر شانك (محيط المحيط) والمنجد فى اللغة.
[7]
البقس: يقال هو شجر حرجى، أوراقه بيضاوية الشكل ينبت فى المناطق الكلسية، ومنه ما يزرع للزينة فى الحدائق على جنب الممرات، وخشبه ثمين. والكلمة يونانية (المنجد) .
[8]
الحمر: كذا فى ص. وفى ك «الحمس» والمثبت صوبه ابن ميمون فى شرح أسماء العقار رقم 381، وهو شجر من فصيله القرنيات (معجم الألفاظ الزراعية) .
[9]
فى ك «طريق السيل» والمثبت من ص، وف.
[10]
ما بين الرقمين 9، 10 من ص.
العسكر ورموهم رشقا واحدا واحدا بالسهام، فقتل من هلنكة أربعمائة وستون نفرا، وجرح منهم خلق كثير، ولم يتمكن العسكر من أسرهم فإنهم كانوا يرون القتل أحب إليهم من الأسر، وقتل منهم اثنان من ملوكهم على ما حكاه من اجتمع بهم من غلمان العسكر، وكان سبب اجتماعهم بهم وسلامتهم منهم أنهم كانوا انقطعوا وراء العسكر وناموا، فلحقهم كشافة هلنكة فمسكوهم وأتوا بهم إلى أكابرهم، فسألوهم من أين أنتم؟ وكان فيهم من يعرف لغة القوم، فقالوا:
نحن تجار أغار علينا هذا العسكر ونهبونا، وأخذوا أموالنا وأسرونا. فلما قاتلتموهم [1] هربنا منهم، فرقّوا لهم وأطلقوهم، وذكروا لهم عدة من قتل منهم.
ولما انهزمت هذه الطائفة من هلنكة تحصنوا بالأشجار وتركوا أحمالهم فأخذ العسكر منها [2] ما قدروا على حمله من الذرة- وليس لهم طعام غيرها- وحملوا حاجتهم من الماء ورجعوا من هناك من يومهم على آثارهم، وذلك فى سادس شهر ربيع الأول سنة سبع عشرة، وعادوا حتى انتهوا إلى أرنيباب، ولم يمكنهم الرجوع على الطريق الذى دخلوا منه لقلة المياه والأقوات والعلوفات، فعدلوا إلى جهة الأبواب من بلاد النوبة، وأخذوا على نهر أتبرا فساروا على شاطئه عشرين يوما، وكانت دوابهم ترعى من الحلفاء [3] ، ثم انتهوا إلى قبالة الأبواب فأقاموا هناك يوما وتوجه [4] سيف الدين أبو بكر بن والى الليل فى الرسلية [5] من جهة متولى الأعمال القوصية الأمير سيف الدين طقصبا إلى متملك الأبواب، فخاف ولم يأت إلى العسكر، وأرسل إليهم بمائتى رأس بقر وأغنام وذرة، ونهب العسكر ما وجدوه بتلك الجهة من الذرة، وتوجهوا إلى مدينة دنقلة فى سبعة عشر يوما فى أرض كثيرة الأشجار والأفيلة والقرود والنسانيس والوحش الذى يسمى المرعفيف [6] ، فأقاموا ثلاثة أيام- وملكها عبد الله برشنبوا كما تقدم- وأضاف العسكر وزودّهم، وتوجهوا إلى ثغر أسوان ثم إلى مدينة قوصى، وأقاموا بها خمسة عشر يوما، وحصل للعسكر فى هذه
[1] فى ك «قاتلوهم» والمثبت من ص، ويستقيم به السياق.
[2]
فى ك، وف «فيها» والمثبت من ص.
[3]
الحلفائى والحلفة، فى الأصول «الحلف» والحلفاء، نبات أطرافه محددة كأنها سعف النخيل والخوص ينبت فى مغايض المياه (المنجد) .
[4]
فى الأصول «وتؤخر» ولعل الصواب ما أثبته.
[5]
الرسلية: قافلة البريد.
[6]
كذا فى الأصول، ولم اهتد إلى التعريف به.