الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سلطنة السلطان الملك الناصر
ناصر الدنيا والدين أبى الفتح محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحى وعود دولته ثالثا ولنبدأ بسياقة أخباره منذ وصل إلى الكرك إلى أن ملك الممالك الشامية، ثم الديار المصرية.
قد قدمنا آنفا وصول السلطان الملك الناصر إلى الكرك واستقراره بقلعتها وإخراجه الأمير جمال الدين آقش الأشرفى النائب بها، وجماعة من البحرية [1] وبعض الرجال فيها ولما استقر بها اعتبر ما بها من الأموال والذخائر فوجد بها فيما بلغنى سبعة وعشرين ألف دينار عينا، وألف ألف درهم وسبعمائة ألف درهم، فاحترز على ذلك وادخره ولم يصرف منه شيئا فى النفقات وغيرها بل جعله ذخيره لمهماته، واقتصر فى النفقات، وكلف الدولة وأقام المملكة على ما يتحصل من الكرك وأعمالها خاصة وسيّر إلى الديار المصرية من جملة الحاصل ما تقدم ذكره وهو مائتا ألف درهم وكان السلطان قد جّهز زوجته أم ولده وولده وحريمه إلي الحجاز الشريف صحبة الركب، فلما استقر بالكرك أرسل الأمير سيف الدين كستاى فى جماعة من المماليك السلطانية إلى عقبة [2] أيلة فأحضرهم إلى الكرك وأمر السلطان بالخطبة للملك المظفر بجامعى مدينة الكرك [53] وقلعتها فخطب له، وأمر الحراس بذكره فى الصباح فكانوا يفعلون ذلك وهو يسمعهم، وانتهت حاله فى الأدب معه إلى أن كان يكتب فى الكتب الصادرة عنه بعد البسملة الملكى المظفرى، وسلك معه من التواضع والأدب ما لا يزيد عليه نواب السلطنة، وقصد بذلك أن تكون الأحوال ساكنة، والأمر ماشيا على سداد وانتظام واتفاق هذا والمظفر من جملة مماليك والده وليس من أكابرهم وتنازل معه إلي هذه الغاية وسلك معه مسلك النواب لا الملوك، فلم يرض المظفر منه بذلك، ولا قنع به بل شرع فى الغض من عالى
[1] البحرية: هم المماليك الأتراك الذين اشتراهم السلطان الصالح نجم الدين أيوب وأسكنهم جزيرة الروضة حتى انتزعوا الحكم من سادتهم بنى أيوب وأقاموا دولة من سنة 648 هـ، وكانت شجرة الدر أول من ملك مصر. هذه الدولة. انظر المقريزى: كتاب السلوك، ج 1 ص 361.
[2]
عقبة أيلة: العقبة تطلق على الجبل الذى يتعرض الطريق فيضطر سالكه إلى صعود الجبل ثم ينحدر عنه، وأيلة مدينة صغيرة عامرة لليهود الذين حرم الله عليهم السمك فى يوم السبت فخالفوه (النجوم الزاهرة 3: 85، 101) .
رتبته والتضييق عليه، فكان أول ما بدأ به أن كتب إليه يطلب منه الأموال الحاصله بالكراك، والمماليك والخيول التى عنده كما تقدم ذكره، ثم أعاد المكاتبات ثانيا بتجديد الطلب من غير تحاش ولا حياء منه، ولا مراعاة لإحسانه وسالف عتق أبيه، ولا حفظ لحق ولا ذمام فعند ذلك تحقق السلطان سوء رأى المظفر فيه، وآيس من خير يحصل له من جهته، وتوقع منه الشر، فأخذ عند ذلك فى استئناف ما فرط وراسل من يثق بمودته ومحافظته وموالاته من الأمراء وكاتب الأمير حسام الدين مهنا، وأمراء العرب، ووردت عليه أجوبتهم وترددت قصّادهم، ولم يزل الأمر على ذلك سرا إلى أن التحق بخدمة السلطان والأمراء الثلاثة الذين خرجوا من الديار المصرية كما تقدم، ووصلوا إلى خدمته وهم، الأمير سيف الدين أبغية قبجق فى ثمانية وعشرين نفرا من مماليكه والأمير علاء الدين مغلطاى القازانى فى ثلاثة عشر نفرا، والأمير سيف الدين طقطاي أمير مجلس فى اثنى عشر نفرا ومن الماليك السلطانية نحو أربعين فارسا، وكان عدة جمعهم يقارب التسعين نفرا، وكان وصول أوائلهم إلى الكرك يوم الثلاثاء الحادى والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسع وسبعمائة، ووصلوا والسلطان بالصيد فى برية الكرك، فركب إليه الأمير سيف الدين أيتمس المحمدى أحد مماليكه من القلعة وتوجه إليه وهو يتصيد، وعرفه خبر من وصل فعاد السلطان من الصيد ووصل إلى الكرك فى نصف الليل ففتح له الأمير سيف الدين أرغون نائبه بالقلعة والمدينة وطلع إلى القلعة وأذن فى دخول من وصل إليه ممن ذكرنا فدخلوا إلى الكرك فى بكرة نهار الأربعاء الثانى والعشرين من الشهر، ومثلوا بين يدى السلطان، فأحسن إليهم وخلع عليهم، وكانوا لما خرجوا من القاهرة وجدوا تقدمة الأمير سيف الدين طوغان نائب السلطنة بقلعة البيرة [1] قد وصلت من جهته إلى الملك المظفر، فأخذوها بجملتها، وأحضروها إلى السلطان ودخلوا إلى قطيا [2] وأخذوا ما بها من المال الحاصل وأحضروه فأنعم السلطان عليهم به وأحضروا معهم أيضا خيل البريد
[1] قلعة البيرة: بلد قريب من سميساط بين حلب وثغور الروم، وهى قلعة حصينة مرتفعة على شاطئ الفرات (ياقوت: معجم البلدان، النجوم الزاهرة 85: 117 هامش) .
[2]
قطيا: قرية مصرية كانت بين القنطرة والعريش، وقد اندثرت ولم يبق منها إلا أطلال (النجوم الزاهرة:
7: 77، 8: 253 هامش) .
التى وجدوها بما مرّوا عليه من المراكز، وكان خروجهم من القاهرة باتفاق من الأمير سيف الدين سلّار ومباطنه، فعند ذلك أظهر السلطان من أمره ما كان يبطنه، وأعلن بما كان يسرّه وخرج بما كان يخفيه ويضمره، وأمر بالخطبة لنفسه فخطب له بجامعى القلعة والمدينة فى يوم الجمعة الرابع والعشرين من الشهر، وأنفق فيمن وصل إلى خدمته وتجهز للمسير وأجمع على قصد دمشق واستقل ركابه العالى من قلعة الكرك بمن عنده من مماليكه، ومن وصل إلى خدمته فى الساعة الثالثة من يوم الإثنين السابع والعشرين من جمادى الآخرة، وترك بقلعة الكرك نائبه الأمير سيف الدين أرغون فى طائفة من المماليك السلطانية حتى انتهى إلى منزله الخمان [1] بالقرب من أذرعات، وكان قد كاتب الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى نائب السلطنة بحلب وغيره من النواب فلما وصل إلى هذه المنزلة وركب منها لقصد دمشق ورد عليه مملوك الأمير شمس الدين قراسنقر المذكور بأجوبة مخدومه تتضمن وفاة ولده [2] الأمير ناصر الدين محمد وأنه لا يمكنه اللحاق بالسلطان فى هذا الوقت ويقول:
إن كان السلطان قد خرج من الكرك فيعود إليها ويظهر أنه إنما خرج للصيد ونحو هذا من الكلام المخذل له عن القصد ولم يكن قراسنقر كتب ذلك وإنما كتب ببذل الطاعة والنصيحة والموافقة فلما وصل مملوكه إلى دمشق ظفر به الأمير جمال الدين آقش الأفرم نائب السلطنة بالشام، فتحيل عليه وبذل له ذهبا وأخذ منه الكتب وغير [3] ما تضمنته إلى هذا القول، فلما وصل كتاب قراسنقر إلى السلطان بذلك عاد إلى الكرك، وكان قد التحق بركابه فى هذه السفرة من الأمراء بدمشق الأمير ركن الدين بيبرس الشرفى المعروف بالمجنون، والأمير ركن الدين بيبرس العلمى، وغيرهما من أمراء العشرات والجند، فعاد السلطان بهم جميعا إلى الكرك وكان وصوله إليها فى الساعة السابعة من يوم الجمعة لثمان خلون من شهر رجب فأسكن الأمراء الذين معه بالكرك، ووصلهم بصلات وأنعم عليهم، وشرع فى إعمال الفكرة وتجهز لقصد دمشق ثانيا فلما بلغ
[1] الخمان: فى ك، وص «الحمان» والمثبت من ف: والخمان بفتح أوله وتشديد الميم من نواحى البثنية من أرض الشام (معجم البلدان 2: 444 تحقيق فريد الجندى ط دار كلمات العلمين ببيروت.
[2]
هذا اللفظ سقط من ك.
[3]
فى الأصول «وغيرها» والسياق يقتضى ما أثبته.