الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما استقر السلطان بقلعة الكرك طلب ورقة بالحاصل بخزانتها من الأموال، فكتبت له ورقة بمبلغ مائتى ألف درهم، وكان الحاصل أضعاف ذلك مرارا وإنما كتبت بأمر النائب بها خشية أن السلطان يأخذ ما بها من المال بجملته. فلما أخذ الورقة أظهر ما كان قد أضمره وأخرج النائب بالكرك وهو جمال الدين آقش الأشرفى، وجماعة من البحرية، وجماعة من الرّجّالة، واستقر بها بمماليكه الذين رضيهم، وأعد ما كان قد استصحبه من شعار السلطنة والبيوتات إلى الديار المصرية، والممالك الشامية يعلمهم أنه قد استقرّ بالكرك، ونزل عن السلطنة أو أن يدبّر والأمر على ما يختارونه، وإنما فعل ذلك لما حصل له من الأمير بن سيف الدين سلّار وركن الدين بيبرس من المضايقة والحجر والاستبداد بالأمر دونه ففعل ذلك وتحقق أنهما لا يتفقان بعده، وأن الأمر يؤول إليه كما يختار، فوردت مكاتباته إلى الأمراء بقلعة الجبل فى يوم الجمعة الثانى والعشرين من شوال من هذه السنة.
ذكر سلطنة الملك المظفر ركن الدين بيبرس
العثمانى المنصورى لما وصلت كتب السلطان الملك الناصر إلى الأمير سيف الدين سلّار والأمراء بما قدمناه اجتمعوا فى يوم السبت الثالث والعشرين من شوال بدار النيابة، وتشاوروا فيمن ينصب فى السلطنة فمال جماعة إلى الأمير سيف الدين سلّار النائب فقال لمن اختاره أنتم رضيتم بى أن أكون عليكم سلطانا، وأنا قد رضيت لى ولكم هذا وأشار إلى الأمير ركن الدين بيبرس العثمانى أستاذ الدار، وكان ذلك رأى جماعة الأمراء [1] البرجية خواشداشيته، فوافق قوله رأيهم، فاجتمعت الكلمة بالديار المصرية عليه وإنما صرفها الأمير سيف الدين سلّار عن نفسه إليه لعلمه بعاقبة الأمر وأن ذلك لا يتم له، فعند ذلك حلف له الأمراء، وركب من دار النيابة بعد العصر من اليوم المذكور ودخل إلى دور السلطنة داخل باب القلعة والأمراء مشاة فى خدمته إلى
[1] الأمراء البرجية: ذكر المقريزى فى السلوك 1/2: 756 «أن السلطان المنصور قلاوون كان قد أفرد من مماليكه ثلاثة آلاف وسبعمائة من الآص: وهى الجزء الجنوبى من شبه جزيرة القرم، وبها سوق للرقيق، والجركس جعلهم فى أبراج القلعة، وسماهم بالبرجية، وانظر هامش الدكتور زيادة.
أن استقر على تخت السلطنة ولقّب بالملك المظفر، وزفّت البشائر، وكتب بذلك إلى سائر الممالك [49] الإسلامية وتوجه إلى الشام الأمير عزّ الدّين أبيك البغدادى والأمير سيف الدين ساطى فوصلا إلى دمشق على خيل البريد فى مستهل ذى القعدة، وخطب له بالقاهرة فى يوم الجمعة التاسع والعشرين من شوال سنة ثمانى وسبعمائة وحضر الخليفة المستكفى بالله أبو الربيع سليمان وقلده السلطنة بالديار المصرية والبلاد الشامية، وكتب عهده بذلك وقد تقدم ذكر هذا العهد وما اشتمل عليه فيما سلف من كتابنا هذا فى الجزء الثامن منه فى ترجمة القاضى علاء الدين بن عبد الظاهر وركب الملك المظفر فى يوم السبت السابع من ذى القعدة بشعار السلطنة وعليه خلعة الخليفة، وهى خلعة سوداء بطرحة وتقلّد سيفين على العادة، وسيّر فى الميدان الأسود [1] وخلع على الأمير سيف الدين سلّار وأقرّه على نيابة السلطنة وأقر سائر النواب بالممالك الشامية، ولم يغيّر منهم إلا الأمير ركن الدّين بيبرس العلائى النائب بغزة فإنه أعاده إلى الإمرة بدمشق وولّى نيابة غزة الأمير سيف الدين بلبان البدرى وذلك فى المحرم سنة تسع وسبعمائة.
ولما وصل كتاب الملك المظفر إلى دمشق صحبة من ذكرنا توقّف الأمير جمال آقش الأفرم نائب السلطنة بالشام عن الحلف إلا بعد أن يثبت على حاكم من حكام المسلمين أن السلطان الملك الناصر نزل عن السلطنة، وخلع نفسه، فأحضر كتاب السلطان الملك الناصر الذى قد كان وصل إليه وشهد جماعة من الموقعين أن الكتاب بخط القاضى علاء الدين بن الأثير كاتب السلطان وأن الخط الذى أعلاه خط السلطان الملك الناصر، فثبت ذلك لذلك وعمل بمقتضاه، وحلف الأمير جمال الدين نائب السلطنة بالشام ومن عنده من الأمراء وغيرهم، وكذلك سائر النواب بسائر الممالك وأقر الملك المظفر الصاحب [2] ضياء الدين النّشائى على وزارته على عادته- وليس له من الأمر شئ وإنما الأمر لتاج الدين بن سعيد الدولة وزاده بسطة وتمكينا، وكان الملك المظفر لا يكتب على تقليد أو توقيع أو كتاب إلا بعد أن يكتب تاج الدين عليه
[1] الميدان الأسود: ويقال له ميدان العيد، والميدان الأخضر، وميدان السباق، وميدان الملك الظاهر بيبرس البند قدارى، ومكانه حاليا الأرض المشغولة بترب جبانة باب الوزير (هامش النجوم الزاهرة 7: 165) .
[2]
مكان هذا اللفظ بياض فى ك. والمثبت من ص، وف.
ما مثاله يحتاج إلى الخط الشريف ورسم للدوادارية أن لا يقدموا له ما يعلم عليه إلا بعد خط تاج الدين صح المذكور، وتطاول إلى أن قصد أن يقف على أجوبة البريد إلى النواب وغيرهم ويكتب عليها فقام القاضى شرف الدين بن فضل الله صاحب الديوان فى ذلك وعرّف السلطان ما يترتب على ذلك من المفسدة، من إذاعة أسرار السلطنة وإفشائها، فاستقر الأمر أنه يكتب على ما يتعلق بالأموال والإقطاعات دون ما هو متعلق بسرّ الدولة وكتب الملك المظفر للسّلطان الملك الناصر تقليدا بالكرك، ومنشورا بإقطاع مائة فارس، ثم أبطل المنشور الأول، وكتب منشورا ثانيا بريع [1] المغل ولخاصه ولمائة طواشى وقال فيه بعد إبطال ما كتب به أولا وسيّر المنشور إلى دمشق وكتب عليه النائب ونزل فى الدواوين وكتب عليها الكتّاب ثم لم يلبث [2] الملك المظفر أن كتب إلى الملك الناصر يطلب منه ما عنده من الأموال الحاصلة بالقلعة، ويطلب إعادة المماليك السلطانية الذين استقروا عنده، وكان عدة من استقر فى خدمة السلطان نحو مائتى مملوك، وطلب أيضا الخيول التى للسلطان معه، وقال إن القلاع لا تحتاج إلى كثرة الخيول ولا الأموال، فأرسل إليه السلطان الملك الناصر مائتى ألف درهم فأعاد الجواب بتجديد طلب [3] الأموال، فكتب اليه: إن خط نائبكم عندى أنه لم يكن بخزانة الكرك غير مائتى ألف درهم وقد أرسلتها، ولم يرسل غيرها، وأهان رسول الملك المظفر وهو الأمير علاء الدين مغلطاى أبتغلى [4] وأمر بإخراجه ماشيا من قلعة الكرك إلى الغور وتحقق الملك الناصر سوء رأى الملك المظفر، وأنه لا يبقى عليه، فشرع عند ذلك فى التدبير، فكان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى.
[1] فى ص «بريع» .
[2]
فى ك «يكتب» والمثبت من ص، وف.
[3]
فى ك «بطلب تجديد» والمثبت من ص.
[4]
وهذا اللفظ مجرد من النقط فى ك.