الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيكون جملة ذلك ألف ألف دينار، وألف ألف فرس، وألف عدة كاملة للحرب، وغير ذلك، واشترطوا أن يحضر لتسليمها جماعة من الأمراء الأكابر ونسائهم، وغير ذلك من الشروط التى لا يمكن الإجابة إليها، فنزل السلطان عن هذه الخطبة وعدل عنها إلى ما جرت العادة به من المكاتبات بينه وبين الملك أزبك، ثم كان من خبر إرسال المخطوبة من غير استدعاء من السلطان والصلة بما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر روك المملكة الطرابلسية وما يتصل بذلك [1] من إبطال الجهات المنكرة بها وأخبار النصيرية [2]
وفى سنة سبع عشرة وسبعمائة رسم السلطان بروك المملكة الطرابلسية وما أضيف إليها من الأعمال والقلاع والحصون والثغور، فكشفت النواحى، ونصب لتحريك ذلك وإتقانه القاضى شرف الدين يعقوب ناظر المملكة الحلبية، فحضر إلى طرابلس حسب الأمر الشريف، وانتصب لتحرير ذلك، وفى خدمته جماعة من الكتاب، ولم يعتمد فيه على ناظر المملكة الطرابلسية شرف الدين يعقوب الحموى، ولما تكامل ذلك حضر القاضى شرف الدين يعقوب ناظر المملكة الحلبية ومعه المكتوب إلى الأبواب السلطانية، وجلس القاضى فخر الدين ناظر الجيوش ومن معه من المباشرين، وانتصبوا لقسمة الإقطاعات وتقرير الخواص، وأفراد جهات القلاع والحصون، وكلت المملكة، فكمل ذلك فى شهر رمضان [3] من السنة واستقر لاستقبال شهر رمضان فى الهلالى والخراجى لاستقبال فعل [3] سنة سبع عشرة وسبعمائة وتوفر بسبب هذا الرّوك ما أقيم عليه ستّة أمراء أصحاب طبلخاناه وثلاثة أمراء أصحاب عشرات، وخمسون نفرا من البحرية والحلقة، ورسم بإبطال جهة الأفراج والسجون، وغير ذلك بالمملكة الطرابلسية فأبطلت، وجملة ذلك نحو مائة ألف درهم وعشرة آلاف درهم فى كل
[1] هذا العنوان مكانه بياض فى ك، والمثبت من ص، وف هذا الروك فى 717 هـ.
[2]
فى ك «النصرية» والمثبت من ص، وف.
[3- 3] ما بين الرقمين إضافة من ص، وف وانظر السلوك 2/1:177.
سنة، رسم أن يبنى بقرى النصيرية فى كل قرية مسجد ويفرد من أراضى القرية رزقة [1] برسم المسجد، وتمنع النصيرية من الخطاب ومعناه أن الصبى إذا بلغ الحلم وأنس منه الرشد يتطاول إلى المخاطبة ويتوسل إلى أبيه وقرائبه [2] فى ذلك مدة، فيجمعون له مجتمعا [3] ، يجتمع فيه أربعون من أكابرهم، ويذبح هو أووليه رأس بقر وثلاثة أرؤس من الغنم، ويفتح لهم خابيه من الخمر فيأكلون ويشربون، فإذا خالطهم الشراب أخذ كل واحد منهم يحكى حكاية عمن خوطب، وباح بما خوطب به أنه قطعت يده، أو عمى أو سقط من شاهق فمات أو ابتلى بعاهة، كل ذلك تحريض للمخاطب على كتمان ما يودع إليه من الذهب. فإذا استوثق منه تقدّم إليه المعلم فحلّفه أربعين يمينا على كتمان ما يوجب إليه، ثم يوضح له الخطاب وكيفيته على ما نقل بإلهيّة [4] على بن أبى طالب- رضى الله عنه- وأن محمدا بن عبد الله كان حجابا عليه بواسطة جبريل، ويسمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيد صندل [5] ويرفع عن المخاطب التكليف وعرّفه [6] أن لا صلاة ولا زكاة ولا صوم ولا حج إلا إلى مكان يزعمون أن فيه ضريح على بن أبى طالب رضى الله عنه، وأن الروح الإلهى الذى كان فيه ينتقل فى واحد واحد [7] وأنه الآن فى هذا العصر فى رجل يسميه المخاطبه ويعرفه بأن يقف عند ما يأمره به وينهاه عنه، ويحل له ويحرم عليه، ثم يعرفه أن لا غسل من جنابة، ويأخذ عليه العهد أن لا ينصح مسلما فى أكل ولا شرب ولا يسايره ولا يعامله، ويعرفه أن مال المسلمين فئ له إن استطاع ولهم سلام بينهم يعرف بعضهم بعضا به عند المصافحة والمكالمة له.
وأخبرنى من أثق به فى هذه السنة، أن الذى تزعم النصيرية أن الروح الإلهّى حلّ به رجل اسمه شرف، وهو رئيس قرية سلغنو [8] من عمل صهيون.
[1] الرزقة: هو إيراد وغلة الأرض وتوزع شاهرة للإنفاق منها على مصالح المسجد وكافة شئونه- وانظر السلوك 2/1: 178 فقد أشار اختصار ذلك.
[2]
كذا فى الأصول. والمراد أقاربه. أما قرائب فجمع قريبة.
[3]
كذا فى ك، وف. وفى ص «تجمعا» .
[4]
فى ك «بإله» وفى ص «تأهه» .
[5]
هذا اللفظ زيادة من ص.
[6]
فى ك «وعزمه» والمثبت من ص، وف. وفى السلوك 2/2: 936 «ويعرفه» .
[7]
هذا اللفظ من ص.
[8]
كذا فى الأصول، والسلوك 2:936. ولم ترد فى معجم البلدان.
ومن ظريف ما بلغنى عن شرف هذا أن بعض أهل تلك الناحية مرض فجاءه ولد المريض وسأله أن يعافى أباه فوعده بذلك، وأن أباه لا يموت فى هذه المرضة فاشتد به الوجع [106] فعاوده فأجابه بمثل ذلك، ثم مات المريض، فجاءه ابنه وقال له: لا أدعك حتى تعيده حيّا كما وعدتنى فقال له شرف: دع هذا فإن الدولة ظالمة ولا تفتح هذا الباب فإنه يؤدى إلى إلزامنا بإحياء من أرادوا إحياءه ممن يموت.
وأخبرنى المخبر أنّ شرفا هذا المذكور فيه كرم نفس وخدمة لمن يرد عليه من الأضياف وغيرهم.
ولما رسم بإبطال ما ذكرناه وبناء المساجد بقرى النّصيريّة كتب مرسوم شريف سلطانى من إنشاء القاضى كمال الدين بن الأمير مضمونه.
بسم الله الرحمن الرحيم «الحمد لله الذى جعل الدين المحمدىّ فى أيامنا الشريفة قائما على أثبت عماد واصطفانا لإشادة أركانه وتنفيذ أحكامه من بين العباد، وسهل علينا من إظهار شعائره ما رام من كان قبلنا تسهيله فكان عليه صعب الانقياد، وادّخر لنا من أجور نصره أجلّ ما يدّخر ليوم يفتقر فيه لصالح الاستعداد، نحمده على نعم بلغت من إقامة منار الحق المراد، وأخمدت نار الباطل بمظافرتنا ولولاها لكانت شديدة الاتقاد [1] ونكّست رءوس الفحشاء فعادت على استحياء إلى مستسنّها أقبح معاد. ونشكره على أن سطّر فى صحائفنا من غرر السّير ما تبقى بهجته ليوم المعاد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يجدها العبد يوم يقوم الأشهاد، وتسرى أنوار هديها فى البرايا فلا تزال آخذه فى الازدياد ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذى بعثه الله بالإنذار ليوم التناد والإعذار إلى من قامت عليه الحجة بشهادة الملكين فأوضح له سبيل الرشاد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه- الذين منهم من ردّ أهل الرّدّة إلى الدين القويم أحسن ترداد [2] ومنهم من عم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر سائر العباد والبلاد، ومنهم من بذل ماله للمجاهدين ونفسه فى الجهاد، ومنهم من دافع عن الحق فلا برح فى جدال عنه وفى جلاد صلاة تهدى إلى السداد ويقوّم المعوج وتثقف [3] المياد، وسلم تسليما كثيرا وبعد
[1] فى الأصول «الانقياد» والمثبت من المرجع السابق 2: 937.
[2]
فى الأصول «رداد» .
[3]
فى الأصول «ويقف المناد» والمثبت من السلوك 2: 937 ملحق.
فإن الله تعالى منذ ملكنا أمور خلقه، وبسط قدرتنا فى التصرف فى عباده، والمطالبة بحقه، وفوّض إلينا القيام بنصرة دينه، وفهّمنا أنه تعالى قبض قبل خلق الخلائق قبضتين فرغبنا أن نكون من قبضة يمينه، وألقى إلينا مقاليد المماليك، وأقام [1] الحجة علينا بتمكين البسطة [1] وعدم التشاقق فى ذلك ومهّد لنا من الخير ما على غيرنا توعّر، وأعد [2] لنا من النصر ما أجرانا فيه على عوائد لطفه، لا عن مرح فى الأرض ولا عن خدّ مصعر وألهمنا إعلاء كلمة الإسلام، وإعزاز الحلال وإذلال الحرام، وأن تكون كلمة الله هى العليا وأن لا نختار علي الدار الآخرة دار الدنيا، وأن ندور مع الحقّ حيث دار، ونرغب عن هذه الدار بما أعدّه الله من جنّاته فى تلك الدار، فلم نزل [3] نقيم للدين شعارا ونعفى المنكر [4] ونعلن فى النصيحة لله ورسوله ونسرّ إسرارا، ونتتبع أثر منكر نعفّيه، وممطول بحقه نوفّيه ومعلم قربه نشيّده [5] ومخذولا استظهر عليه الباطل نؤيّده، وذا كربة نفرّجها وغريبة فحشاء استطردت بين أدواء الحيل نخرجها وميتة سيئة تستعظم النفوس زوالها فنجعلها هباء منثورا، وجملة عظيمة أسست على غير التقوى مبانيها فيحطمها كرمنا إذا الجزاء عنها كان موفورا.
فآستقصينا ذلك فى ممالكنا الشريفة مملكة مملكة واستطردنا فى إبطال كل فاحشة موبقة مهلكة، فعفّينا من ذلك بالديار المصرية ما شاع خبره، وظهر بين الأنام أثره، وطبّقت محاسنه الآفاق ولهجت به ألسنة الرعايا والرفاق، من مكوس أبطلناها، وجهات سوء عطّلناها، ومظالم رددناها إلى أهلها، وظلمة زجرناها عن ظلمها وغيها وبواق تسامحنا بها وسمحنا وطلبات خففنا عن العباد بتركها وأرحنا، ومعروفا أقمنا دعائمه وبيوتا لله عز وجل آثرنا منها كل نائية، ثم بثثنا ذلك فى سائر الممالك الشامية المحروسة، وجنينا ثمرات النصر من شجرات العدل التى هى بيد يقظتنا مغروسة» .
[1- 1] ما بين الرقمين مضطرب فى الأصول. والمثبت من السلوك 2/938 ملحق.
[2]
كذا فى ك، وف. وفى ص «وأعز» .
[3]
فى الأصول فلم يزل يقيم» والمثبت يستقيم مع السياق.
[4]
فى ك «ونصفى» والمثبت من ص، وف.
[5]
وفى السلوك 2: 938- ملحق «ويعلم حق قرية يشيده» .
ولما اتصل بعلومنا الشريفة أن بالمملكة الطرابلسية آثار سوء ليست فى غيرها ومواطن [107] فسق لا يقدر غيرنا على دفع ضررها وضيرها، ومظان آثام يجد الشيطان فيها مجالا فسيحا، وقوى لا يوجد بها من [1] كان إسلامه مقبولا ولا من كان دينه [1] صحيحا، وخمورا يتظاهر بها، ويتّصل سبب الكبائر بسببها، وتشاع فى الخلائق تجاهرا وتشاع على رءوس الأشهاد فلا يوجد لهذا المنكر منكرا، ويحتج فى ذلك [2] بمقررات سحت لا تجدى نفعا، وتبقى بين يدي آخذها كأنها حية تسعى [2] .
ومما أنهى إلينا أن بها حانة عبّر عنها بالأفراح قد تطاير شررها، وتفاقم ضررها، وجوهر فيها بالمعاصى وآذنت- لولا حلم الله وإمهاله- بزلزلة الصياصى [3] وغدت لأولى الأهوية [4] مجمعا، ولذوى الفساد مربعا ومرتعا، يتظاهر فيها بما أمر بستره من القاذورات، ويؤتى ما يجب تجنبه من المحذورات، ويسترسل فى الانشراح فيها إلى ما يؤدى إلى غضب الجبار وتتهافت النفوس بها كالفراش على الاقتحام فى النار.
ومنها أن السجون إذا سجن بها أحد يجمع عليه بين السجن وبين الطلب وإذا أفرج عنه ولو فى يومه- انقلب إلى أهله من الخسارة أسوأ [5] منقلب، فهو لا يجد سرورا بفرجه ولا يحمد [6] عقبى مخرجه.
ومنها أن بالأطراف القاصية من هذه المملكة قرى سكانها يعرفون بالنّصيريّة لم يلج الإسلام لهم قلبا ولا خالط لهم لبّا، ولا أظهروا له بينهم [7] شعارا، ولا أقاموا له منارا، بل يخالفون أحكامه، ويجهلون حلاله وحرامه، ويخلطون ذبائحهم بذبائح المسلمين، ومقابرهم بمقابر أهل الدين، وكل ذلك
[1- 1] ما بين الحاصرتين من ملحق السلوك 2: 939.
[2- 2] ما بين الحاصرتين من ملحق السلوك 2: 939.
[3]
الصياصى: الحصون وكل ما يمتنع به (محيط المحيط) .
[4]
المراد: أولى الأهواء.
[5]
كذا فى ك، وف. وفى ص «سوء» .
[6]
فى ك «لا يجد» والمثبت من ص، وف.
[7]
فى الأصول «لهم بينه شعارا» والمثبت من ملحق السلوك 2: 939.