الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توجّه الأمير سيف الدين سلّار نائب السّلطنة إلى الحجاز الشريف، وتصدّق صدقات كثيرة بمكة والمدينة، سدّ بها حاجة ذوى الحاجات، ووسّع على المجاورين والمقيمين.
وفيها فى أواخر شهر رمضان ولد لمولانا السلطان الملك الناصر ولد من زوجته أردكين آبنة الأمير سيف الدين نوكيه، سمّاه عليّا، ونعت علاء الدين، ثم لقّب بعد بالملك المنصور.
وفى هذه السّنة كانت وفاة الأمير سيف الدين بكتمر السلاح دار الظاهرى أحد الأمراء الأكابر مقدمى الألوف بالديار المصرية، وهو أحد من كان توجّه إلى غازان ملك التتار وعاد كما تقدم ذكر ذلك.
ذكر وفاة الشيخ زين الدين الفارقى وما اتفق بسبب مناصبه بدمشق
.
وفى هذه السّنة فى يوم الجمعة تاسع عشر صفر توفى الشيخ الإمام العالم زين الدين أبو محمد عبد الله بن مروان بن عبد الله الفارقى [1] الشافعى الخطيب بدمشق بقاعة الخطابة بالجامع الأموى، وجهّز وصلّى عليه فى بكرة نهار السّبت فى ثلاثة أماكن، فصلّى عليه بجامع دمشق قاضى القضاة نجم الدين بن صصرى الشافعى، وصلّى عليه بسوق الخيل قاضى القضاة شمس الدين الحنفى، وصلّى عليه بباب جامع الجبل قاضى القضاة تقى الدين الحنبلى، ودفن بتربة أهله، وكانت جنازته مشهورة. ومولده فى المحرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وكان بيده من المناصب خطابة الجامع الأموى، وتدريس دار الحديث [2] الأشرفية، ولى مشيختها سبعة وعشرين سنة، وتدريس المدرسة [3]
[1] وانظر ترجمته فى البداية والنهاية 14: 30، والدرر الكامنة 2: 304، وطبقات الشافعية 6: 107 وشذرات الذهب 6: 4، وذيول العبر ص 25.
[2]
دار الحديث الأشرفية: بجوار باب قلعة دمشق الشرقى، غربى العصرونية وشمالى القيمازية، وكانت دارا للأمير قايماز النجمى فبناها الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن العادل أبى بكر بن أيوب بعد أن اشتراها، وكان افتتاحها فى ليلة النصف من شعبان سنة 630 هـ، وعين الشيخ تقى الدين بن الصلاح شيخا لها. (الدارس فى تاريخ المدارس: 1: 19) .
[3]
المدرسة الشامية البرانية: من مدارس الشافعية بدمشق بمحلة العقيبة أنشأتها ست الشام بنت نجم الدين أيوب بن شادى، والدة الملك إسماعيل، المتوفاه سنة 616 هـ وتعرف بالحسامية لأن ابنها حسام الدين دفن فيها، كما أنها دفنت فيها أيضا، وهى الآن مدرسة ابتدائية للأيتام (خطط الشام لكرد على 6: 281) .
الشامية البرانية، ولما مات- رحمه الله تعالى- كان نائب السلطنة الأمير جمال الدين آقش الأفرم بالضّفة القبلية، فوصل إلى دمشق فى شهر ربيع الأوّل، فتكلم الناس معه فى مناصب الشيخ زين الدين المشار إليه، فعيّن الخطابة للشيخ شرف الدين الفزارى، [21] وتدريس المدرسة الشامية البرانية، ودار الحديث الأشرفية للشيخ كمال الدين الشريشى بحكم أن تؤخذ منه المدرسة الناصرية بدمشق فيليها الشيخ كمال الدين بن الزّملكانى [1] ، واستقر ذلك.
ولما اتصل خبر وفاته بالأبواب السلطانية سعى الشيخ صدر الدين محمد ابن الوكيل المعروف بابن المرحل فى مناصبه بالشام، وأن يعاد إليه معها ما كان بيده قبل انتقاله إلى الديار المصرية، وهو تدريس المدرسة [2] الشامية الجوانية، والمدرسة العذراوية [3] فأجيب إلى ذلك، وكتب توقيعه به.
وولى بعده تدريس المدرسة الناصرية بالقاهرة القاضى مجد الدين عيسى ابن الخشاب، وكان تدريسها قد عيّن له قبل تكملة عمارتها، ثم وليه الشيخ صدر الدين كما تقدم، فوليه القاضى مجد الدين بعده، وجهز توقيع الشيخ صدر الدين صحبة البريد إلى دمشق فزين مكاتبات من اعتنى به من الأمراء إلى نائب السلطنة بإمضائه، فوصل البريد بذلك إلى دمشق فى يوم الاثنين منتصف شهر ربيع الأول، فكتب نائب السلطنة عليه، وبطل ما كان قد تقرّر من الولايات لمن ذكرنا، ثم وصل الشيخ صدر الدين فى يوم الاثنين الثانى والعشرين من الشهر إلى دمشق على خيل البريد، وعلى يده أمثلة سلطانية، فاجتمع بنائب السلطنة، وأمضى ولايته، وركب من غده وجاء إلى الجامع الأموى بعد الظهر،
[1] هو جمال الإسلام كمال الدين أبو المعالى محمد بن على بن عبد الواحد بن عبد الكريم الزملكانى الشافعى، توفى بمدينة بلبيس فى سادس عشر رمضان سنة 727 هـ وانظر ترجمته فى الوافى بالوفيات 4: 214، والبداية والنهاية 14: 131، والدرر الكامنة 4: 192، وطبقات الشافعية 9: 190، وشذرات الذهب 6: 78، والنجوم الزاهرة 9:270.
[2]
المدرسة الشامية الجوانية: وتقع قبلى البيمارستان النورى، من إنشاء ست الشام زمردة خاتون بنت أيوب، وقد خربت ولم يبق منها سوى بابها وواجهتها الحجرية، واتخذت دارا (خطط الشام 6: 81، 82) .
[3]
المدرسة العذراوية: بحارة الغرباء داخل باب النصر المسمى الآن بباب دار السعادة بدمشق. وهى وقف على الشافعية والحنفية، أنشأتها الست عذراء بنت نور الدولة شاهنشاه بن أيوب أخى صلاح الدين الأيوبى فى شهور سنة 580 هـ (الدارس فى تاريخ المدارس 1: 373) .
ودخل دار الخطابة وصلّى بالناس صلاة العصر بالجامع [1] فتألم الناس لذلك تألما [2] شديدا لاجتماعهم [3] على الشيخ شرف الدين الفزارى، واتفق الأعيان على أنهم لا يصلّون خلفه، واجتمع جماعة كثيرة [4] فى يوم الأربعاء رابع عشرين الشهر مع الشيخ تقى الدين ابن تيمية وتوجهوا إلى نائب السلطنة، وتحدّثوا معه فى المطالعة إلى الأبواب السلطانية فى أمر صدر الدين وأن لا يخطب إلا بعد ورود الجواب، وثلبوه بأمور كثيرة، فأجاب نائب السلطنة سؤالهم، ومنع صدر الدين من الخطابة والإمامة حتى يرد جواب السلطان، وطالع فى أمره، وذكر ما قاله العلماء والأكابر وما صمّموا عليه من الامتناع عن الصلاة خلفه، وما شرطه الواقفان لدار الحديث الأشرفية، والشامية البرانية فى أمر التدريس، واستنيب فى الإمامة الشيخ أبو بكر الجزرى، وفى الخطابة الشيخ تاج الدين الجعبرى، وأمضى نائب السلطنة ولاية صدر الدين فيما عدا ذلك من المدارس، فجلس فى بكرة نهار الأحد الثامن والعشرين من الشهر، وألقى الدروس بالمدارس، وهى الشامية البرانية، والجوانية، ودار الحديث الأشرفية، والمدرسة العذراوية، وكانت مع جلال الدين القزوينى، والشامية الجوانية مع كمال الدين بن [5] الزملكانى، واستمر الحال على ذلك إلى يوم الثلاثاء الحادى والعشرين من شهر ربيع الآخر، فعاد البريد بالأجوبة أن يولّى الخطابة والإمامة بدمشق من يتّفق المسلمون عليه ويرضونه، وأن يسلك فى أمر الشامية ودار الحديث ما شرط واقفاها، فتولىّ تدريس الشامية البرانية الشيخ كمال الدين ابن [5] الزملكانى، وذكر الدرس فى مستهل جمادى الأولى، وفوّضت الخطابة للشيخ شرف الدين الفزارى، وخطب فى يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى، وخلع عليه فى يوم الجمعة ثامن جمادى الآخرة.
[1] هذا اللفظ من ص.
[2]
فى ص «ألما شديدا» .
[3]
فى ص «لإجماعهم» .
[4]
فى ص «كبيرة» .
[5]
هذا اللفظ من ص.
وفيها فى ليلة الجمعة خامس عشرين شهر ربيع الآخر توفى الصدر فتح الدين عبد الله ابن الصاحب معين الدين محمد بن أحمد بن أحمد بن خالد القيصرانى [1] بالقاهرة- رحمه الله تعالى.
وفيها فى يوم الاثنين تاسع شهر رجب الفرد الفرد توفى الأمير ركن الدين بيبرس التلاوى [2] أستاذ الدار العالية، وشاد الدواوين المعمورة بالشام، وكان ظالما عسوفا متكبّرا، فابتلاه الله تعالى- بالأمراض الشديدة، وكانت مدّة ولايته الوظيفة ثلاثة عشر شهرا وتسعة عشر يوما، مرض منها سبعة أشهر وأياما، ولما مات ولى شدا الشام بعده الأمير شرف الدين قيران الدوادارى، فى يوم الخميس حادى عشر شعبان، نقل من شدّ طرابلس إلى دمشق.
وفى هذه السنة توفى الشيخ الصالح العارف القدوة السيد الشريف أبو فارس عبد العزيز عبد الغنى بن سرور بن سلامة بن بركات بن داود بن أحمد ابن يحيى بن زكريا بن القاسم بن أبى عبد الله بن إبراهيم الغمر طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم، وهو المعروف بالمنوفى [3] وكانت وفاته بمصر فى ليلة الاثنين خامس عشر ذى الحجة، ودفن بكرة النهار بالقرافة، وكان من الصلحاء المعمرين، [22] مات عن مائة وعشرين سنة، وهو من أصحاب الشيخ أبى الحجاج الأقصرى، وله- رحمه الله تعالى- نظم حسن اجتمعت به فى سنة ست وتسعين وستمائة بمدينة قوص، وكان قد توجّه لزيارة شيخه الشيخ أبى الحجاج، ومرض بمدينة الأقصرين [4] فى هذه السفرة، فرآه القاضى جمال الدين يحيى بن يحيى الأرمنتى [5] أحد السعداء فى الصعيد فوجده قد أغمى عليه، فلما أفاق قال له جمال الدين: كيف تجدك؟ فأنشده:
هذى الجفون وإنما أين الكرى
…
منها وهذا الجسم أين الرّوح
ومتّع- رحمه الله تعالى مع طول عمره- بعقله وحواسه.
[1] القيصرانى: كذا ص ك، وفى ص، والسلوك، والنجوم الزاهرة «القيسرانى» وانظر ترجمته فى البداية والنهاية 14: 31، والدرر الكامنة 2: 389، وشذرات الذهب 6: 9، والنجوم الزاهرة 8: 213، والدليل الشافى 1: 390، وحسن المحاضرة 1:387.
[2]
فى الأصول «البلاوى» والمثبت من النجوم الزاهرة 8: 212، والدرر الكامنة 1: 508 وفيه «بيبرس التلاوى بكسر المثناة وتخفيف اللام، شاد الدواوين بدمشق، كان عسوفا، مات فى رجب سنة 703 هـ» .
[3]
ترجم له فى الدرر الكامنة 2: 373، والسلوك 1: 957، والنجوم الزاهرة 8: 214، والدليل الشافي 1:415.
[4]
الأقصرين: كذا فى الأصول، والمراد الأقصر وهى مدينة سياحية بها كثير من الآثار الفرعونية، وتقع الضفة الشرقية للنيل وهى إحدى مدن محافظة قنا بصعيد مصر.
[5]
فى ك «الأرمينى» والتصويب من ص.