الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصل إلى المدينة النبويّة عاهد الله تعالى أنه لا يشرب الخمر أبدا، ولا يرتكب محرّما، وعقد التوبة، وحلف على ذلك، وغلظ اليمين. فلما عاد إلى دمشق لم يلبث أن نقض التوبة حال وصوله، وفعل ما حلف أنه لا يفعله، فأصابه فالج وبطل نصفه، وعولج بالأدوية فلم ينجح، ومات ولم يصح. قال وربما كان ركب فى بعض الأحيان مع مرضه- سامحه الله تعالى وإيانا.
وتوفى القاضى صدر الدين أحمد بن القاضى مجد الدين عيسى بن الخشاب، وكيل بيت المال بالديار المصرية، وكانت وفاته بالقاهرة فى يوم الإثنين تاسع شعبان رحمه الله تعالى.
وتوفى الشيخ العالم علاء الدين أبو الحسن على بن محمد خطاب الباجى [1] الشافعى بالقاهرة فى يوم الأربعاء سادس ذى القعدة، ودفن من يومه بالقرافة، وكان رجلا عالما فاضلا يرجع الناس إلى فتاويه، ويعتمدون على نقله رحمه الله تعالى.
وتوفى القاضى سعد الدين محمد بن فخر الدين عبد المجيد ابن صفى الدين عبد الله الأقفهسى [2] ناظر الخزانة فجاءة فى ليلة الجمعة ثامن عشرين ذى الحجة بعد أن باشر بقلعة الجبل وظيفته إلى آخر نهار الخميس ونزل إلى بيته. فمات رحمه الله تعالى. ونقل الصاحب ضياء الدين النشائى من نظر الدواوين إلى نظر الخزانة فى يوم السبت سلخ ذى الحجة.
واستهلت سنة خمس عشرة وسبعمائة. ذكر إرسال العسكر إلى ملطيّة صحبة الأمير سيف الدين تنكر وفتحها
كان السلطان فى ذى الحجة سنة أربع عشرة قد أمر بتجريد جماعة من الجيوش المنصورة المصرية وهم، الأمير سيف الدين بكتمر الأبو بكرى، والأمير سيف الدين قلىّ، والأمير علم الدين سنجر الجمقدار، والأمير بدر الدين محمد بن الوزيرى، والأمير ركن الدين بيبرس الحاجب الناصرى، والأمير سيف
[1] له ترجمة فى ذيول العبر ص 80، والدرر الكامنة 3: 101، والسلوك 2/1: 141، وشذرات الذهب 6: 34، وهى ترجمة وافية.
[2]
له ترجمة فى السلوك 2/1: 142.
الدين أركتمر الجمدار، ومضافيهم، وكتب إلى الشام أن يتوجّه الأمير سيف الدين تنكز بعساكر الشام، ويتقدم على سائر الجيوش، فندب الجيوش الشامية وأمرهم بالخروج، فتوجهت ميسرة العسكر الشامى فى السابع والعشرين من ذى الحجة، والميمنة فى يوم الجمعة الثامن والعشرين، ووصل العسكر المصرى [87] فى يوم السبت التاسع والعشرين من الشهر إلى دمشق، وتوجه الأمير سيف الدين تنكز نائب السلطنة بالشام فى يوم الإثنين مستهل محرم من هذه السنة ببقية العسكر، واستصحب معه قاضى القضاة نجم الدين صصرى، وشرف الدين بن فضل الله، وجماعة من الموقعين، وجردت العساكر الصفدية والطرابلسية والحمصية، وصاحب حماة وعسكرها، وركب الأمير سيف الدين تنكز بالكوسات والعصائب على عادة الملوك، ووصل إلى حلب فى يوم الجمعة ثانى عشر محرم، وترجّل فى خدمته الملك المؤيد عماد الدين صاحب حماة فمن دونه من سائر النواب والأمراء مقدمى الجيوش وغيرهم، ورحل منها فى يوم السبت ثالث عشر، فلما وصل عينتاب [1] أقام قاضى القضاة نجم الدين بها، وتوجّهت العساكر إلى ملطية فى بكرة الأحد الحادى والعشرين من المحرم، وتقدمهم الجاليش [2] وهو الأمير سيف الدين أركتمر ومن معه، وحاصر ملطية، فتحصن أهلها وضايقها ثلاثة أيام. فلما وصلت العساكر صحبة الأمير سيف الدين تنكز خرج متولىّ [3] ملطية وقاضيها وسألوا الأمان فأمنوا وفى خلال ذلك فتح الأمير سيف الدين أركتمر [4] البلد مما يليه عنوة فسير إليه الأمير سيف الدين تنكز يأمره بكف أصحابه عن النّهب، وقال إن البلد قد فتح بالأمان.
فأجاب إننى فتحته بالسيف وحاصرته ثلاثة أيام، وقاتلنى أهله قبل وصول العسكر، ومكّن من معه من الدخول والنّهب، ومنعهم من الازدحام على الباب، فكان يمكنهم من الدخول مرة بعد أخرى حتى دخلوا البلد، فنهبوا وقتل خلق كثير من الأرمن والنصارى، وأسروا خلقا كثيرا منهم حتى تعدّى ذلك
[1] عينتاب- وترسم عين تاب: وهى قلعة حصينة ورستاق، بين حلب وأنطاكية، وكانت تسمى دلوك، وكانت على أيام ياقوت من أعمال حلب (معجم البلدان 4: 199) .
[2]
الجاليش: هو مقدمة الجيش (فهرس السلوك 1: 1164) .
[3]
وسيأتى أن أسمه ميزامير وكذا فى السلوك 2/1: 143.
[4]
تعدد رسم هذا العلم فى النسخ فهو: وكتمر، وأركتمر، وأروكتمر.
إلى جماعة من المسلمين، واختفى أكثر الأرمن بالمقابر، وخرّب قطعة من البلد، ورمى النار فيه، ورجع الجيش عنها فى يوم الأربعاء الرابع والعشرين من المحرم إلى عينتاب، ثم إلى مرج دابق.
ولما فتحت ملطية جهّز الأمير سيف الدين قجليس السلاح دار إلى الأبواب السلطانية على خيل البريد بالبشارة، فكان وصوله إلى قلعة الجبل فى يوم الخميس الثالث من صفر، وذكر أنه وجد بملطية عند الاستيلاء عليها تسعة عشر ألف نول ينسج الصوف، ونقل أهلها إلى حلب، ولما عادت العساكر عن ملطية نزل بها نائب السلطنة الأمير بدر الدين موسى الأزكشى فى طائفة من العسكر، وبعد توجّه العسكر منها بثلاثة أيام ظهر من كان قد اختفى بها من الأرمن وغيرهم، فوصل إليها أهل كختا [1] وكركر [2] فأحاطوا بها وقتلوا ثلاثمائة من الأرمن، وأسروا مائة أسير وغنموا جملة كثيرة من الأقمشة والأمتعة، ونقلوا جملة من الغلال والحبوب وجهّز إلى الأبواب السلطانية نائب ملطية وهو بدر الدين ميزامير بن الأمير نور الدين وولده وصهره فى نحو ثلاثين نفرا، فوصلوا فى [3] صفر ثم وصل قاضى ملطية وحريم نائبها وجماعة منهم فى نحو مائة وخمسين نفرا إلى دمشق فى نصف صفر، ورسم لقاضيها بالإقامة بدمشق، وأحسن السلطان إلى نائب ملطية وولده وصهره، وجعل لكل منهم إقطاعات وعدّة، واستمرت الجيوش مقيمة ببلاد حلب إلى شهر ربيع الأول، فرحلت يوم الخميس ثامن الشهر، ووصل نائب السلطنة إلى دمشق فى يوم الجمعة سادس عشر ربيع الأول، ثم وصلت بقية العساكر إلى الديار المصرية، ودخلوا القاهرة فى يوم الثلاثاء خامس شهر ربيع الآخر، وشملهم السلطان بالإنعام والتشريف.
[1] كختا: قلعة قديمة على نهر كختاصو، وتقع على ما يقرب من أربعين ميلا من ملطية من الجنوب الشرقى (السلوك 1: 579 هامش) .
[2]
كركر: حصن قرب ملطية بينها وبين آمد (معجم البلدان 4: 514) .
[3]
فى ك «إلى صفر» والمثبت من ص، وف. وفى البداية والنهاية 14: 73 «وفى أول صفر رحل نائب ملطية متوجها إلى السلطان» .