الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والساحة التى هى أمام المكان المذكور التى هى من حقوقه، وذلك بعد أن كملت عمارة القبة، وقبل أن تكمل عمارة المدرسة، وشرط تكملة عمارتها وإنشاء المئذنة، فقال بعد الوصف لها والتحديد ما معناه [1] بعد ذكر ألفاظه وتحرير مقاصده:
أمّا القبّة فإنه وقفها للقرّاء بها، وشيخ الحديث
والإمام والمؤذنين والقومة والفراشين والخدّام والمترددين والمجتازين [2] لها للصلوات وأداء الفرائض والواجبات، وسماع [3] القرآن العظيم وحديث النبى- صلى الله عليه وسلم خلا موضع الضّريح الذى بوسط القبة فإنّه مرصد للدّفن، وخلّى بينهم وبين القبّة المذكورة، وأذن لهم فى الدخول إليها والصلاة فيها على العادة فى مثل ذلك، فصار لا حقّ له فيها إلا كسائر الناس أجمعين، وجعل للناظر أن يرتّب بالقبة المذكورة إماما يؤمّ بالمسلمين فى الصلوات الخمس، ويفعل ما يفعله الأئمة على ما يراه الناظر من المذاهب، ويؤدى إليه اجتهاده، ويصرف له فى كل شهر- بالهلال- ثمانين درهما أو ما يقوم مقامها، ويرتّب فيها شيخا لإقراء الحديث النّبوى ينتصب فى المكان الذى يعيّنه الناظر منها فى الوقت الذى يجعله له لمن يقصده، ويشغل عليه به، أو لسماع الحديث وتصحيحه، ويصرف له من ريع الوقف فى كل شهر ثلاثين درهما نقرة ويرتب بها من القراء الحافظين لكتاب الله العزيز خمسة وعشرين نفرا على ما يراه فى ترتيبهم فى النوبة، يقرءون ما تيسر لهم قراءته ليلا ونهارا فى الوقت الذى يعيّنه لهم ويدعون عقيب قراءتهم للواقف ووالديه بالرحمة والرضوان وجميع المسلمين، ويصرف لهم فى كل شهر خمسمائة درهم بينهم على ما يراه من التسوية والتفضيل، ويرتّب بالقبة والمدرسة من المؤذنين ثمانية نفر يجعل من العدد رئيسين [4] عارفين بالأوقاف يعلنون بالأذان الشرعى فى المئذنة التى تنشأ على الباب ليلا ونهارا وإقامة الصلوات والتسبيح، والتذكار فى الأسحار
[1] كذا فى ك، وف. وفى ص «مع ذكر بعض ألفاظه» .
[2]
فى ك «والمجتازين» والمثبت من ص، وف، والسلوك 1:1043.
[3]
كذا فى ك، وف. وفى ص «واستماع» .
[4]
فى ك «رقيبين» والمثبت من ص، والسلوك 1:1044.
على ما يراه الناظر متناوبين أو مجتمعين، وعلى ما يراه من ترتيبهم فى القبة والمدرسة، ويصرف لهم فى كل شهر مائتى درهم وثلاثين درهما نقرة يصرف للرئيسين فى كل شهر ثمانين درهما على ما يراه من التسوية والتفضيل، ويصرف للستّة الباقين فى كل شهر مائة درهم وخمسين درهما على ما يراه من التسوية والتفضيل، ويرتب بالقبة من القومة اثنين يقومان بخدمة القبة المذكورة والإيوان والساحة التى من حقوقها، ووقود مصابيحها، والكنس والتنظيف والغسل للصحن المرخم، ودائره والسقاية التى للقبّة وإماطة الأذى عن ظاهرها كعادة القومة فى مثل ذلك. ويصرف لهما فى كل شهر ثمانية وخمسين درهما نقرة أو ما يقوم مقامها على ما يراه من التسوية والتفضيل.
ويرتب بها ثلاثة من الفراشين الذين خبروا الخدمة، يقومون بفرش القبّة المذكورة، ورفع فرشها فى الأوقات المعهود ذلك فيها، ويفعلون ما يفعله مثلهم فى مثل ذلك، ويصرف لهم فى كل شهر مائة درهم وواحدا [1] وستين درهما نقرة، من ذلك ما يصرف للحاج صبيح القطبى أحد الفراشين مائة درهم نقرة فى كل شهر، أو ما يقوم مقامها من النقود مادام حيّا مباشرا، وباقيها لرفيقيه [2] بينهما على ما يراه الناظر من التسوية والتفضيل. فإن توفّى صبيح المذكور، أو تعذر مباشرته بسبب من الأسباب وزال استحقاقه عوّض الناظر مكانه غيره من شاء [3] ، ويصرف له أسوة برفيقيه [15] والباقى منه يعود فى مصالح الوقف.
ويرتب بها أربعة من الخدام من عتقاء الواقف، فإن لم يوجد من عتقائه فمن عتقاء والده. ويصرف لهم فى كل شهر مائة درهم وستين درهما على ما يراه الناظر من التسوية والتفضيل، فإن لم يوجد من عتقائه ولا عتقاء والده وتعذرت مباشرة الخدام بوجه من وجوه التّعذّرات رجع ما كان يصرف لهم على المصالح المذكورة.
[1] فى الأصول «وأحد» .
[2]
فى ك «لرفيقه» والتصويب من ص، والسلوك 1:1044.
[3]
فى ك «ما» والمثبت من ص، والسلوك 1:1044.
ويرتب بها بوّابا حافظا لها يحتاط فى الداخلين والخارجين، ويمنع المرتبات بهم، ومن يكثر الدخول لغير حاجة، ولا يترك الباب [1] إلا لعذر ويستخلف مكانه زمان [2] غيبته، ويصرف له فى كل شهر عشرين درهما أو ما يقوم مقامها.
ويصرف فى ثمن زيت يستصبح به بالقبة المذكورة وما حوته من الأماكن ما يراه، وفى ثمن حصر من العبادانى الأحمر أو الأبيض بحسب ما يراه، وفيما يحتاج إليه من القناديل والبصّاقات والسلاسل والأباريق والكيزان، وجميع ما يحتاج إليه ما يراه.
وأما الموضع الذى فيه الأواوين الأربعة وما به من البيوت السفلية والعلوية والقاعة المجاورة للإيوان القبلى وما حواه من الأبنية فإنه وقف ذلك على المدرسين بها، والمعيدين والفقهاء المتفقهين بها المشتغلين بالعلم الشريف على مذاهب الأئمة الأربعة، وعلى الإمام والمؤذنين والقومة والبوّاب بهذه المدرسة وغير ذلك، يسكن بها المدرسون والمعيدون والفقهاء والأئمة فى بيوتها للاشتغال بالعلم الشريف، ويؤدى كل واحد منهم ما يلزمه بهذه المدرسة على العادة فى مثلها وعلى المترددين بهذه المدرسة، والمجتازين للصلوات وأداء الفرائض، وخلّى بين المسلمين وبينها تخلية شرعية، وأذن لهم فى الصلاة فيها، وصار حكمها حكم سائر المدارس.
وجعل للناظر أن يرتب بالمدرسة المذكورة فى كل من أواوينها الأربعة مدرسيها على المذاهب الأربعة، ينتصب المدرس المالكى المذهب بالإيوان القبلى، والمعيدون المالكية والطلبة المالكية فى الوقت الذى يعين فيه، وهو ما بين طلوع الشمس إلى زوالها، أى وقت رآه المدرس من ذلك لإلقاء فروع مذهبه، وما تيسر له من إلقائه من تفسير وأصول وغير ذلك، بحيث يلازم الجلوس على العادة فى الوقت المعيّن بعد أن يتيمّن كلّ واحد من المدرسين هو وجماعته بقراءة ما تيسّر من القرآن الحكيم، إمّا من ربعة [3] أو من
[1] كذا فى ص، وف. وفى ك «البيات» .
[2]
فى ص «زمن» .
[3]
الربعة: تطلق على المصحف المجزء إلى أجزاء كل جزء فى تجليدة خاصة مستقلة عن غيرها.
صدورهم، ويدعون عقيب ذلك للواقف، وسائر المدرسين. ويعيّن من المعيدين المالكية ما يراه الناظر من العدد.
وكذلك ينتصب المدرس الشافعى المذهب بالإيوان البحرى كما حكى بأعاليه هو ومن يعيّنه الناظر من المعيدين والطلبة فى الوقت المذكور.
وكذلك ينتّصب المدرّس الحنفى المذهب ومن معه من المعيدين والطلبة فى الوقت المذكور فى الإيوان الشرقى وكذلك ينتصب المدرس الحنبلى المذهب ومن معه من المعيدين والطلبة فى الوقت المذكور بالإيوان الغربى، ويعين الناظر لكل مدرس منهم من المعيدين والطلبة ما يراه من العدد.
وينتصب كل معيد ممن عيّن فى جهته لأهل مذهبه لاستعراض طلبته، ويشرح لمن احتاج [1] الشرح درسه ويصحح له مستقبله [2] ، ويرغّب الطلبة فى الاشتغال، ولا يمنع فقيها أو مستفيدا ما يطلب من زيادة تكرار وتفهّم معنى، ولا يقدم أحدا من الطلبة فى غير نوبته إلّا لمصلحة ظاهرة، ويشتغل كل واحد من الطلبة بما [3] يختاره من أنواع العلوم الشرعية، ويراه المدرس له على مذهبه، ويبحث فى كل ما أشكل عليه من ذلك، ويراجع فيه، وأن ينظر المدرس فى طلبته ويحثهم كل وقت على الاشتغال، ويجعل من يختاره نقيبا عليهم، ويقرر له ما شاء.
ويصرف لكل واحد من المدرسين ولمعيديه وطلبته، والداعى عنده والنقيب، فى كل شهر من شهور الأهلة ألف درهم نقرة، من ذلك ما يختص به المدرس عن التدريس مائتا درهم، والمعيدين والطلبة والداعى والنقيب ما يراه من التسوية والتفضيل.
ويرتب بالمدرسة المذكورة بالإيوان القبلى بها إماما [16] يؤم بالمسلمين فى الصلوات الخمس على أى مذهب كان من المذاهب الأربعة، يقوم بوظيفة الإمامة كجارى عادة المدارس، ويصرف له فى كل شهر ثمانين درهما.
[1] فى ص «لن يحتاج» .
[2]
مستقبله: أى ما سيتولى المدرس قراءته وشرحه بعد.
[3]
فى ك «ما يختاره» والتصويب من ص.
ويرتّب من المؤذنين الثمانية المشار إليهم من يختاره كما بين فيه، ويرتب بها أربعة من القومة العارفين بما يلزمهم، من ذلك يقومون بخدمة المدرسة، ووقود مصابيحها، وكنسها وتنظيفها، وتنظيف فسقيتها ودائرها، وتنظيف السقاية وغسل ما بظاهرها من الأوساخ كجارى عادة القومة فى مثلها، ويصرف لهم فى كل شهر مائة درهم بينهم على ما يراه من التسوية والتفضيل.
ويرتب بها شاهدا لخزانة الكتب يحفظ ما فيها [1] من الكتب، ويضبط ما يؤخذ منها للاشتغال بها، بحيث لا تخرج الكتب من المدرسة، ويصرف له فى كل شهر ثلاثين درهما أو ما يقوم مقامها من النقود.
ويرتب بالمدرسة بوابا بالباب الكبير الجامع للقبة والمدرسة حافظا محتاطا فى أمور المدرسة والقبة من الداخلين إليها والخارجين، مانعا من يرتاب به، ومن يكثر الدخول لغير حاجة، ويلازم حفظ الباب ليلا ونهارا، وفتحه وغلقه فى الأوقات المعهود ذلك فيها، ولا ينفصل عن الباب إلا بعذر، فإن اتفق له عذر استخلف فى موضعه من يختاره عنه حين غيبته، ويصرف له فى كل شهر ثلاثين درهما نقرة [2] وما يقوم مقامها من النقود ويرتب سوّاقا لإدارة الساقية، وإجراء الماء من البئر إلى الصحن أمام إيوان القبة، وإلى الفسقية التى بوسط المدرسة، وإلى الميضأة التى بالمدرسة، ويفعل ما جرت العادة فى مثل ذلك، ويصرف له فى كل شهر ثلاثين درهما، ويصرف فى ثمن ثور لإدارة الساقية المذكورة ما يراه، ويؤدى إليه اجتهاده، ويصرف فى ثمن ما تحتاج إليه الساقية من الخشب والآلات والنّجر والحديد ما يراه.
ويصرف فى ثمن زيت الزّيتون أو ما يقوم مقامه مما يستصبح به فى المدرسة المذكورة، والأواوين الأربعة والمطلع ولسكن الطلبة والميضأة ما يراه ويؤدى إليه اجتهاده.
[1] فى ص «ما بها» .
[2]
هذا اللفظ من ص.
ويصرف فيما تحتاج إليه المدرسة المذكورة من الحصر والقناديل والبصاقات الزّجاج والأطباق النحاس والسلاسل والأباريق والجرار وجميع ما يحتاج إليه بالمدرسة المذكورة ما يراه، ويؤدى إليه اجتهاده.
ويصرف الناظر فى كل سنة فى ملء الصهريج من بحر النيل المبارك ثمن ستمائة راوية ما يراه ويؤدى إليه اجتهاده.
وجعل الواقف أعز الله نصره النظر فى هذا الوقف لعتيقه الطواشى شجاع الدّين عنبر بن عبد الله الحرّ الّلالا [1] أيام حياته، ثم من بعده يكون النظر للأمثل فالأمثل من عتقاء الواقف فإن استوى اثنان فأكثر قدّم الأكبر سنا مع ظهور الأهلية لذلك، فإن استووا أقرع بينهم ثم بعدهم يكون النظر لعتقاء والد الواقف للمذكور الأمثل فالأمثل صح منهم فإن استوى اثنان فأكثر قدّم الأكبر سنّا مع ظهور [2] أهليته لذلك، فإن استووا أقرع بينهم، فإن انقرض عتقاؤه وعتقاء والده أو تعذر نظر أحد منهم كان النظر فى ذلك والولاية عليه لحاكم المسلمين، فإن عاد إمكان نظر من تعذّر نظره عاد النظر إليه، فإن تعذر أيضا كان لحاكم المسلمين يجرى الحال فى ذلك أبد الآبدين.
وفى ظهر كتاب الوقف المذكور إسجال على قاضى القضاة شمس الدين أحمد السّروجى الحنفى، يتضمّن أن الحاكم الآيل النظر إليه يكون مالكّى المذهب. وشرط الواقف أن لكل من له وظيفة فى هذا الوقف المذكور أن يستنيب عنه عند ضرورة لسفر أو مرض، وأن لكلّ من المدرسين والطلبة والمعيدين البطالة المعروفة فى رجب وشعبان ورمضان وعشر ذى الحجة من كل سنة على جارى العادة فى مثل ذلك، وأن من شرط هذا الواقف أن يتعاهد إثباته عند الحكام، ويحفظ بتواتر الشهادات، كل ذلك بعد البدأة بعمادة الوقف ومرمّته وصلاحه وإصلاحه [3] وما فيه الإفضاء إلى بقاء عينه، ودوام منفعته، ونموّ غلّته، وما فضل بعد ذلك يصرف فى المصارف المعينة فيه على أنّ الناظر فيه يؤجّره وما شاء منه مدة سنة فمادونها بأجرة المثل فما فوقها،
[1] اللالا: أى المربى.
[2]
فى ك «من ظهور» وما أثبته من ص.
[3]
فى ص «وإصلاحه وصلاحه» بالتقديم والتأخير.
ولا يزيد على السنة إلّا لمصلحة ظاهرة للوقف، أو ضرورة لابد منها، ويؤجره إذ ذاك مدة تفى أجرتها بالضرورة، ويسلك فى ذلك الاستغلال الشرعى بحيث لا يفّرّط ولا يفرط، ولا يعدل عن السنن المتوسطة، ومهما حصل من ريع الوقف وهو ما ذكره ووصفه وحدّده.
ونحن الآن نذكر الوقف المذكور على القبة والمدرسة بمقتضى كتاب الوقف، ونذكر أجرة كل مكان منه بمقتضى حساب المباشرين، ثم نذكر ما تجدّد من الأماكن الجارية [17] فى الوقف المذكور بعد صدور كتاب الوقف المشروح على ما نقف على ذلك إن شاء الله تعالى.
والأماكن الموقوفة بمقتضى الكتاب منها ما هو بالقاهرة المحروسة:
قيسارية أمير [1] . على بخط الشرابشيين [2] ظاهرها وباطنها، سفلها وعلوها ونربيعيتها، وسائر حقوقها وأجرة هذه القيسارية فى كل شهر على [3] ما استقر إلى آخر ذى الحجة سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة ألف درهم وستمائة درهم وتسعة وخمسون درهما، والقاعة المجاورة للقيسارية المذكورة يتوصل إليها من الزقاق الشارع بدرب قيطون على يسرة السالك فيه إلى أقصاه، وأجرتها فى كل شهر ثمانية وأربعون درهما.
وجميع الرّبع المعروف بالدّهيشة [4] بخط باب زويلة [5] . فيما بين البابين
[1] قيسارية أمير على: وكانت تقع بشارع القاهرة الأعظم، وكان يسمى قصبة القاهرة- حاليا يسمى شارع المعز لدين الله الفاطمى- بجوار قيسارية جهاركس، ويفصل بينهما درب قيطون عرفت بالأمير على بن عبد الملك المنصور قلاوون (الخطط للمقريزى 3: 140) .
[2]
خط الشرابشيين: كان فى الشارع الأعظم فى المسافة المحصورة حاليا بين شارع الأزهر وبين عطفة البارودية، وكان تباع فيه الشرابيش وهى لباس الرأس، وأخذ منها لفظ الطربوش المعروف (الخطط للمقريزى 2: 99) .
[3]
هذا الدرب يعرف حاليا بحارة البارودية (النجوم الزاهرة 8: 209، 9: 214) .
[4]
ربع الدهيشة: هذا الربع ضمن أعيان وقف رضوان بك الغفارى تجاه جامع الصالح طلائع بن رزيق فى أول قصبة رضوان على اليمين من باب زويلة. وقد أنشئ على جزء من أرضه زاوية الدهيشة نقلا من مكانها الأصلى، لأنها كانت تزاحم الطريق العام أمام باب زويلة ونقلت بمعرفة مصلحتى التنظيم والآثار سنة 1342 هـ (خطط المقريزى 2: 212، وهامش النجوم الزاهرة 8: 210) .
[5]
باب زويلة: بناه بدر الجمالى وزير الخليفة المستنصر الفاطمى سنة 484 هـ ورفع أبراجه، ولما أنشأ الملك المؤيد شيخ المحمودى، مسجده داخل باب زويله هدم الأبراج وأقام على أساسها مئذنتى مسجده، ولا يزال باب زويله موجودا إلى اليوم على رأس شارع المعز لدين الله الفاطمى الذى يوصل بين هذا الباب وباب الفتوح. والعامة يسمونه «بوابة المتولى» لأن متولى الحسبة فى الزمن الماضى كان يجلس بهذا الباب لتحصيل العوائد والرسوم من أصحاب الأملاك ومن التجار، وللنظر فيما يعرض عليه يوميا من قضايا المخالفات والفصل فيها (هامش النجوم الزاهرة 8: 47) .
يعرف سفلها بسكن المجبرين والحريريين، يشتمل على ستة حوانيت ومقاعد فيما بين ذلك، وستة طباق علوية وأجرة ذلك فى كل شهر مائتا درهم وثمانية وستون درهما.
وجميع الحوانيت الثلاثة المتجاورة بخط باب الزهومة [1] ويعرف بسكن العطارين، والسيوفى، ويعلو الحوانيت طبقة ليست من الوقف، وإنما هى من حقوق المسجد المجاور للحوانيت وأجرة هذه الحوانيت فى كل شهر خمسة وسبعون درهما.
وجميع المسمط [2] والحوانيت التى بظاهره وعدتها سبعة وذلك بالقاهرة بخط باب الخوخة [3] ، وأجرة ذلك فى كل شهر خمسمائة درهم وخمسة وعشرون درهما.
وجميع الحمام المعروفة بالفخرية [4] بالقاهرة المحروسة وتجاور المدرسة السيفية [5] والدار الكبرى المعروفة بالسلطان الملك المنصور، والد الواقف، ويعرف قديما بالسيفى وأجرتها فى كل شهر أربعمائة درهم وتسعون درهما.
وجميع الحمامين المعروفين بالشيخ خضر بظاهر القاهرة بخط بستان ابن صيرم [6] والجامع الظاهرى، إحداهما لدخول الرجال، والأخرى للنساء وأجرتهما فى كل شهر ألف درهم وخمسمائة درهم وخمسون درهما.
[1] خط باب الزهومة: عرف هذا الخط بذلك وكان هذا الباب فى آخر ركن القصر الكبير الشرقى، الذى كان يعرف بالقصر المعزى نسبه للمعز لدين الله الفاطمى. وسمى بذلك لأن اللحوم وحوائج الطعام كانت تدخل مطبخ القصر منه والزهومة معناها الزفر. (الخطط للمقريزى 2: 215، 297) .
[2]
فى ك «الخط» التصويب من ص.
[3]
باب الخوخة- هو أحد أبواب القاهرة مما يلى الخليج فى حد القاهرة البحرى يسلك إليه من سويقة الصاحب ومن سويقة المسعودى، وكان يعرف أولا بخوخة ميمون دبة، ويخرج منه إلى الخليج الكبير (خطط المقريزى 3: 72) .
[4]
حمام الفخرية- بناه الأمير فخر الدين عبد الغنى بن عبد الرزاق بن أبى الفرج الأرمنى، وعرف بحمام الكلاب، ثم عرف بحمام البنات لأنه يجاور جامع البنات بشارع جامع البنات بالقاهرة، حاليا «بور سعيد» وقد هدم هذا الباب ودخل فى سراى أم حسين. بك، وهدمت هذه وأقيم محلها محال تجارية (هامش النجوم الزاهرة 8: 211) .
[5]
المدرسة السيفية: كانت تقع فيما بين خط البندقانيين وخط الملحيين، وموضعها من جملة دار الديباج، وكانت دارا، فسكنها شيخ الشيوخ صدر الدين بن محمد بن حمويه، وبنيت فى وزارة صفى الدين عبد الله ابن على بن شكران سيف الإسلام، واسمه طغتكين بن أيوب ظهير الدين سيف الإسلام الملك المعز ابن نجم الدين أيوب بن شادى (خطط المقريزى 4:200.
[6]
خط بستان ابن صيرم: يقع خارج باب الفتوح مما يلى الخليج وزقاق الكحل، وكان من جملة حارة البيارة فأنشأ زمام القصر المختار الصقلبى بستانا، وبنى فيه منظرة عظيمة، فلما زالت الدولة الفاطمية استولى عليه الأمير جمال الدين سوينج بن صيرم، أحد أمراء الملك الكامل فعرف به، ثم اختط وصار من أجل الأخطاط يسكنه الأمراء والأعيان من الجند (الخطط للمقريزى 3: 57) .
وجميع خان الطّعم [1] بظاهر دمشق المحروسة، وهو مشهور معروف، وقد وصفه وحدده هكذا «تضمن كتاب الوقف جميع الخان المذكور» وليس كذلك؛ فإن الخان المذكور من جملة الأملاك الموروثة عن السلطان الشهيد الملك المنصور والد السلطان الواقف- قدس الله روحه- والذى كمل للسلطان الملك الناصر- خلد الله ملكه- من الأملاك المخلفة عن والده السلطان الملك المنصور مما جرّه إليه الإرث عن والده السلطان المشار إليه وأخيه الأمير أحمد وأخته جهة عنبر الكمالى، وأخيه الملك الأشرف، وبنات أخيه الملك الأشرف، وأخته داره مختار الجوهرى، وما خصه من نصيب والدته الذى وهبته له ولأخيه الملك الأشرف ولأخته: داره مختار الجوهرى المذكورة، وذلك إلى حين صدور هذا الوقف سبعة عشر سهما ونصف سهم وثمن سهم وسدس عشر سهم وسدس ثمن عشر سهم- هذا الذى لا خلاف فيه ولا نزاع- وهذه الحصة المذكورة هى التى استقرّت فى الوقف من هذا الخان، وإطلاق الكاتب فى كتاب الوقف جميع الخان غلط وغفلة ممن أملاه، أو ذهول ممن عيّن ذلك من المباشرين. وأجرة هذا الخان بجملته فى كل سنة على ما استقر إلى آخر سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة تزيد على سبعين ألف درهم، يخص الوقف منها ما يزيد على خمسة وأربعين ألف درهم، ثم تجدد بعد كتاب الوقف المشروح فى الوقف المذكور زيادات منها المقاعد التى أنشئت بالساحة بباب المدرسة، وعدتها ثمانية، ومسطبة ومخزن، أجرتها فى كل شهر مائة درهم وأربعون درهما، ومنها ما اشترى من فائض ريع الوقف وألحق به، وهو نصف وربع وثمن طاحون بمصر.
وأجرة ذلك فى كل شهر سبعة وثمانون درهما، وإسطبل وطبقة بخان السبيل [2] أجرة ذلك فى كل سنة ستة عشر درهما.
[1] خان الطعم: جاء فى صبح الأعشى 4: 187 «هذا الخان يعرف بدار الطعم، وكانت بدمشق بمثابة الوكالة بالديار المصرية وكان لها حشد يوليه نائب دمشق من بين أمراء العشرات أو مقدمى الحلقة أو الأجناد» وانظر السلوك 1: 768 هامش الدكتور زيادة.
[2]
خان السبيل: كان خارج باب الفتوح، بناه الأمير بهاء الدين أبو سعيد قراقوش ابن عبد الله الأسدى، خادم أسد الدين شيركوه، وبه بئر ساقية وحوض. (خطط المقريزى 3: 150) .
وجعل الواقف- خلّد الله سلطانه- للناظر فى الوقف المذكور أن يصرف لمباشرى الوقف واستخراجه وصرفه فى مصارفه، ولمباشرى العمارة بالمدرسة والأوقاف، والجابى، والمعمار وغير ذلك ما يراه، ويؤدى إليه اجتهاده. من عدد المباشرين وتسويتهم وتفضيلهم، وجعل للناظر أيضا أن يصرف من ريع الوقف إذا فضل عن المرتب المعين فيه فى ليالى الجمع والأعياد والمواسم وشهر رمضان ما يراه من التوسعة عليهم، فإن تعذّر الصرف لجهة من الجهات عاد الصرف [18] إلى باقيها، فإن تعذّر صرف ذلك للفقراء والمساكين من المسلمين أينما كانوا وحيثما وجدوا، فإن زال التعذر عاد على الحكم المذكور، فإن تعذر أيضا كان على الفقراء والمساكين كما تقدم، يصرفه الناظر فيهم على ما يراه من مساواة وتفضيل، وعلى ما يرى صرفه من نقد أو ثوب أو كسوة. أو غير ذلك مما يراه ويؤدى إليه إجتهاده.
ولما تم هذا الوقف وكملت عمارة المدرسة، وجلس المدرسون والمعيدون والفقهاء بالمدرسة، وانتصب كل من ذكر فى هذا الوقف وظيفته صرف الناظر للمدرسين خاصة معلومهم الشاهد به كتاب الوقف، وصرف للمعيدين والفقهاء بكل إيوان من الأواوين الأربعة على مذهبه من جملة ما شرط لهم فى كتاب الوقف. وهو ثمانمائة درهم فى كل شهر ثلاثمائة وخمسون درهما صرف منها لمعيدين لكل منهما فى كل شهر ثلاثين درهما، وصرف للطلبة والنقيب والداعى فى كل شهر مائتى درهم وسبعين درهما، وقطع من هذا المرتب المصروف [1] لهم فى كل [2] سنة ثلاثة شهور. واستمر ذلك مدة طويلة.
واتفق فى غضون ذلك أن باشرت ديوان الخاص السلطانى بالأبواب الشريفة وغيرها، وسكنت بالمدرسة الناصرية، وآطّلعت على متحصل جهات الوقف بالقاهرة وغيرها، ونظرت فى ذلك، فرأيته يفيض على المصروف فى كل
[1] فى ك «المعروف» .
[2]
هذا اللفظ من ص.
سنة جملة كثيرة، فقمت فى ذلك قياما أدى إلى أن صرف لهم ذلك مكملا من غير اقتطاع ثلاثة شهور، واستمر الأمر على ذلك إلى أن توفّى الطواشى شجاع الدين ناظر الوقف فى سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وفوض الأمر إلى الأمير سيف الدين أرغون الناصرى نائب السلطنة الشريفة، فأظهر كتاب الوقف وأذاعه، وحمل الأمر على حكمه على ما نذكر ذلك- إن شاء الله تعالى- فى موضعه.
ونقل السلطان إلى القبة المباركة ما تحتاج إليه من البسط والشمعدانات الكفت [1] ، والأطباق النحاس، وغير ذلك من الآلات مما جعله فى حاصلها، ونقل والدته من مدفنها بالتربة المجاورة لمشهد السيدة نفيسة إلى مدفن هذه القبة، وذلك فى سنة ثلاث وسبعمائة، وهى أول من دفن بمشهد القبة، ثم دفن بعد ذلك ابنة له توفيت صغيرة- رحمها الله تعالى- وقد أخذ هذا الفصل حدّه من الإطالة، فلنذكر خلاف ذلك من الحوادث، والله أعلم.
وفى سنة ثلاث وسبعمائة أفرج عن الأميرين السيدين الشريفين عزّ الدين حميضة وأسد الدين رميثة ولدى الأمير نجم الدين أبى نمىّ وأعيدا إلى مكة- شرفها الله تعالى.
وفيها فوّضت نيابة السّلطنة يحمص إلى الأمير سيف الدين بلبان الجوكندار المنصورى، نقل من نيابة قلعة دمشق إليها عوضا عن عز الدين أيبك الحموى الظاهرى بحكم وفاته، وكانت وفاته فى يوم الأحد تاسع شهر ربيع الآخر من هذه السنة، وتوجّه الأمير سيف الدين إليها فى ثامن [2] عشر جمادى الأولى وجعل نائب قلعة دمشق الأمير سيف الدين بهادر السنجرى.
[1] الشمعدان الكفت: المصنوع من النحاس ومشغول بزخارف من سلوك الفضة أو الذهب، وانظر خطط المقريزى 2:105.
[2]
كذا فى ك، وف. وفى ص «ثانى عشر» .