الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به بأسا في البلاد التى جرت العادة فيها بإكرام الداخل بالقيام؛ فإنّ القصد منه الاحترام والإكرام وتطييب القلب به؛ كذلك سائر أنواع المساعدة إذا قصد بها طيبة القلب واصطلح عليها جماعة فلا بأس بمساعدتهم عليها؛ بل الأحسن المساعدة إلا فيما ورد فيه نهى لا يقبل التأويل. ومن الأدب ألّا يقوم للرقص «1» مع القوم إن كان يستثقل رقصه ويشوّش عليهم أحوالهم؛ إذ الرقص من غير إظهار التواجد مباح، والمتواجد هو الذى يلوح للجمع منه أثر التكلّف؛ ومن يقوم عن صدق لا تستثقله الطباع؛ فقلوب الحاضرين إذا كانوا من أرباب القلوب محكّ للصدق والتكلّف. سئل بعضهم عن الوجد الصحيح فقال: صحته قبول قلوب الحاضرين له إذا كانوا أشكالا غير أضداد. هذا ملخّص ما أورده الغزالىّ رحمه الله تعالى فى معنى السماع وقسمه الى هذه الأقسام التى ذكرناها.
وأما أبو محمد علىّ بن أحمد بن سعيد بن حزم
فقد ذكرنا مسألة السماع وبيّن إباحته، فبدأ بذكر الأحاديث التى احتجّوا بها وضعّف رواتها نحو ما تقدّم وذكر الآية:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
وأنه قيل: إنه الغناء، فليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ثبت عن أحد من أصحابه رضى الله عنهم، فإنما هو قول بعض المفسّرين ممن لا يقوم بقوله حجّة؛ وما كان هكذا فلا يجوز القول به. ثم لو صحّ لما كان فيه متعلّق؛ لأنّ الله تبارك وتعالى يقول:(لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) *
وكلّ شىء اقتنى ليضل به عن سبيل الله فهو إثم وحرام ولو أنه شراء مصحف أو تعليم قرآن. فإذا لم يصحّ في هذا شىء فقد قال الله عز وجل: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)
. وقال تعالى:
(خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعظم الناس جرما فى الإسلام من سأل عن شىء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته» ، فصحّ أن كل شىء حرّمه الله عزّوجلّ علينا فقد فصّله لنا، وكل ما لم يفصّل تحريمه لنا فهو حلال.
واستدلّ رحمه الله على إباحته بالأحاديث التى ذكرناها، حديث عائشة عن خبر أبى بكر الصدّيق رضى الله عنهما في غناء الجاريتين، واستدلّ أيضا بحديث نافع أن ابن عمر سمع مزمارا فوضع إصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق وقال: يا نافع، هل تسمع شيئا؟ قلت لا، فرفع إصبعيه عن أذنيه وقال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع مثل هذا وصنع مثل هذا. قال: فلو كان حراما ما أباح عليه الصلاة والسلام لابن عمر سماعه ولا أباح ابن عمر لنافع سماعه؛ ولكنّه عليه الصلاة والسلام كره لنفسه كلّ شىء ليس من التقرّب إلى الله عز وجل، كما كره الأكل متّكئا، والتنشّف بعد الغسل في ثوب يعدّ لذلك، والستر الموشّى على سهوة عائشة وعلى باب فاطمة رضى الله عنهما، وكما كره صلى الله عليه وسلم أشدّ الكراهة أن يبيت عنده دينار أو درهم. وإنما بعث عليه الصلاة والسلام منكرا للمنكر، آمرا بالمعروف.
فلو كان ذلك حراما لما اقتصر النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يسدّ أذنيه عنه دون أن يأمر بتركه وينهى عنه، ولم يفعل عليه الصلاة والسلام شيئا من ذلك بل أقرّه وتنزّه عنه، فصحّ أنه مباح وأن الترك له أفضل كسائر فضول الدنيا المباحة.
قال: فإن قال قائل: قال الله تبارك وتعالى: (فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ)
ففى أىّ ذلك يقع الغناء؟ قيل له: حيث يقع التروّح في البساتين وصباغ ألوان الثياب؛ ولكلّ امرىء ما نوى فإذا نوى المرء ترويح نفسه وإجمامها لتقوى على طاعة الله فما أتى ضلالا. قال: ولا يحلّ تحريم شىء ولا إباحته إلا بنص من الله عز وجل أو من رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه إخبار عن الله عز وجل، ولا يجوز