الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنّك جاهل، غنّيت [الثقيل «1» ] ستين سنة فلم أنل إلا القوت، وغنّيت الأهزاج منذ سنتين فكسبتك ما لم تر مثله قطّ. والله أعلم.
ذكر أخبار ابن جامع
هو أبو القاسم إسماعيل بن جامع بن عبد الله بن المطلب بن أبى وداعة ابن صبيرة بن سهم بن هصيص بن كعب بن لؤىّ. قالوا: وكان ابن جامع من أحفظ خلق الله لكتاب الله تعالى، كان يخرج من منزله مع الفجر يوم الجمعة فيصلّى الصبح ثم يصفّ قدميه حتى تطلع الشمس، فلا يصلّى الناس الجمعة حتى يختم القرآن ثم ينصرف إلى منزله. وكان حسن السّمت، كثير الصلاة. وكان يعتمّ بعمامة سوداء على قلنسوة ويلبس لباس الفقهاء ويركب حمارا مرّيسيّا «2» فى زىّ أهل الحجاز. وروى عنه أنه قال: لولا أن القمار وحبّ الكلاب قد شغلانى لتركت المغنّين لا يأكلون الخبز. قال ابن جامع: أخذت من الرشيد ببيتين غنّيته إياهما عشرة آلاف دينار.
قالوا: وكان إبراهيم بن المهدىّ يفضّل ابن جامع فلا يقدّم عليه أحدا. قال: وكان ابن جامع منقطعا إلى موسى الهادى في أيام أبيه، فضربه المهدىّ وطرده. فلما مات المهدىّ بعث الفضل بن الربيع إلى مكة فأحضر ابن جامع في قبّة ولم يعلم به أحدا.
فذكره موسى الهادى ذات ليلة فقال لجلسائه: أما فيكم أحد يرسل إلى ابن جامع وقد عرفتم موقعه منى؟ فقال الفضل بن الربيع: هو والله عندى يا أمير المؤمنين وأحضره إليه. فوصل الفضل في تلك الليلة بعشرة آلاف دينار وولّاه حجابته.
وحكى أنه دخل على الهادى فغنّاه فلم يعجبه؛ فقال له الفضل: تركت الخفيف وغنّيت الثقيل. قال: فأدخلنى عليه أخرى فأدخله؛ فغنّاه الخفيف، فأعطاه ثلاثين ألف دينار. قال أحمد بن يحيى المكىّ: كان ابن جامع أحسن ما يكون غناء إذا حزن. وأحبّ الرشيد أن يسمع ذلك، فقال للفضل بن الربيع: ابعث بخريطة فيها نعى أمّ ابن جامع- وكان برّا بأمّه- ففعل. فقال الرشيد: يابن جامع، فى هذه الخريطة نعى أمّك؛ فاندفع ابن جامع يغنّى بتلك الحرقة والحزن الذى فى قلبه:
كم «1» بالدروب وأرض السّند من قدم
…
ومن جماجم صرعى ما بها قبروا
بقندهار «2» ومن تكتب منيّته
…
بقندهار يرجّم دونه الخبر
قال: فو الله ما ملكنا أنفسنا، ورأيت الغلمان يضربون برءوسهم الحيطان والأساطين، وأمر له الرشيد بعشرة آلاف دينار.
وروى أبو الفرج بسنده إلى عبد الله بن علىّ بن عيسى بن ماهان قال: سمعت يزيد يحدّث عن أمّ جعفر أنه بلغها أنّ الرشيد جالس وحده وليس معه أحد من الندماء ولا المسامرين، فأرسلت إليه: يا أمير المؤمنين، إنّى لم أرك منذ ثلاث وهذا اليوم الرابع. فأرسل إليها: عندى ابن جامع. فأرسلت إليه: أنت تعلم أنى لا أتهنّأ بشرب ولا سماع ولا غيرهما إلا أن تشركنى فيه، ما كان عليك أن أشركك فى هذا الذى أنت فيه! فأرسل إليها: إنى صائر إليك الساعة. ثم قام وأخذ بيد ابن جامع وقال للخادم: امض إليها واعلمها أنّى قد جئت. وأقبل الرشيد؛ فلما نظر