الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: أصلح الله الأمير! كانت لى صناعة أعود بها على عيالى فحرّمها الأمير فأضرّ ذلك بى وبهم. فقال: وما كانت صناعتك؟ فكشف عن عوده وقال: هذا.
فقال له خالد: غنّ؛ فعرك «1» أوتاره وغنّى:
أيّها الشّامت المعيّر بالدهر
…
أأنت المبرّأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأيام
…
بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون خلّدن أم من
…
ذا عليه من أن يضام خفير
قال: فبكى خالد وقال: قد أذنت لك وحدك خاصّة، ولا تجالس سفيها ولا معربدا. فكان إذا دعى قال: أفيكم سفيه أو معربد؟ فإذا قالوا لا، دخل.
وقال بشر بن الحسين بن سليمان بن سمرة بن جندب: عاش حنين بن بلوع مائة سنة وسبع سنين.
ذكر أخبار سياط
هو عبد الله بن وهب ويكنى أبا وهب، وسياط لقب غلب عليه. وهو مكىّ مولى خزاعة. كان مقدّما في الغناء رواية وصنعة، مقدّما في الطرب. وهو أستاذ ابن جامع وإبراهيم الموصلىّ وعنه أخذا، وأخذ هو عن يونس الكاتب. وكان سياط زوج أمّ ابن جامع. قيل: وإنما لقّب سياط بهذا اللقب لأنه كان كثيرا ما يغنّى:
كأنّ مزاحف الحيّات فيها «2»
…
قبيل الصبح آثار السّياط
حكى أن إبراهيم الموصلىّ غنّى صوتا لسياط، فقال ابنه إسحاق: لمن هذا الغناء يا أبت؟ قال: لمن لو عاش ما وجد أبوك خبزا يأكله، سياط.
وحكى أن سياطا مرّ بأبى ريحانة في يوم بارد وهو جالس في الشمس وعليه سمل ثوب رقيق رثّ؛ فوثب إليه أبو ريحانة المدنىّ وقال: بأبى أنت يا أبا وهب! غنّنى صوتك في شعر ابن جندب:
فؤادى رهين في هواك ومهجتى
…
تذوب وأجفانى عليك همول
فغنّاه إياه، فشقّ قميصه ورجع إلى موضعه من الشمس وقد ازداد بردا وجهدا.
فقال له رجل: ما أغنى عنك هذا من شقّ قميصك؟! فقال: يابن أخى، إن الشعر الحسن من المغنّى المحسن ذى الصوت المطرب أدفأ للمقرور من حمّام محمّى. فقال له رجل: أنت عندى من الذين قال الله تعالى فيهم: (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ)
فقال: بل أنا ممّن قال الله تعالى فيهم: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)
. وقد حكيت هذه الحكاية أيضا من طريق آخر: أنّه لمّا غنّاه هذا الصوت شقّ قميصه حتى خرج منه وبقى عاريا وغشى عليه واجتمع الناس حوله، وسياط واقف يتعجّب مما فعل، ثم أفاق فقام إليه. فقال له سياط: مالك «1» يا مشئوم! أىّ شىء تريد؟ قال: غنّنى بالله عليك يا سيدى:
ودّع أمامة حان منك رحيل
…
إنّ الوداع لمن تحبّ قليل
مثل القضيب تمايلت أعطافه
…
فالرّيح تجذب متنه فيميل «2»
إن كان شأنكم الدّلال فإنه
…
حسن دلالك يا أميم جميل
فغنّاه، فلطم وجهه حتى خرج الدّم من أنفه ووقع صريعا. ومضى سياط وحمل الناس أبا ريحانة إلى الشمس. فلما أفاق قيل له في ذلك فقال نحو ما تقدّم. قال:
ووجّه إليه سياط بقميص وسراويل وجبّة وعمامة.