الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مزاحات رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد مزح رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمن ذلك: أنه قال صلى الله عليه وسلم لرجل استحمله: «نحن حاملوك على ولد الناقة» يريد: البعير. وقال صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: «الحقى زوجك ففى عينه بياض» . فسعت المرأة نحو زوجها مرعوبة؛ فقال لها: مادهاك؟ فقالت: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ في عينك بياضا؛ فقال: إن في عينى بياضا لا لسوء. وأتته عجوز أنصاريّة فقالت: يا رسول الله، ادع لى بالمغفرة. فقال لها:«أما علمت أنّ الجنة لا يدخلها العجز» ! فصرخت؛ فتبسّم صلى الله عليه وسلم وقال لها: «أما قرأت (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً) .
ونظر عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى أعرابىّ قد صلّى صلاة خفيفة، فلما قضاها قال: اللهم زوّجنى بالحور العين؛ فقال عمر: يا هذا! أسأت النقد، وأعظمت الخطبة.
ذكر من اشتهر بالمزاح من الصحابة رضوان الله عليهم
كان أشهرهم بالمزاح رضى الله عنهم نعيمان، وهو أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم البدريّين، وله رضى الله عنه مزاحات مشهورة، منها ما روى: أنه خرج مع أبى بكر الصّدّيق إلى بصرى، وكان في الحملة سويبط، وهو بدرىّ أيضا، وكان سويبط على الزاد؛ فجاءه نعيمان فقال له: أطعمنى؛ قال: لا، حتى يأتى أبو بكر.
فقال نعيمان: والله لأغيظنّك. وجاء إلى أناس جلبوا ظهرا، فقال ابتاعوا منى غلاما عربيا فارها إلا أنه دعّاء، له لسان، لعله يقول: أنا حرّ؛ فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوه،
لا تفسدوا علىّ غلامى. قالوا: بل نبتاعه منك بعشر قلائص. فأقبل بها يسوقها، وأقبل بالقوم حتى عقلها، ثم قال: دونكم! هذا هو. فقالوا: قد اشتريناك. فقال سويبط: هو كاذب، أنا رجل حرّ؛ فقالوا: قد أخبرنا خبرك، ووضعوا في عنقه حبلا وذهبوا به. فجاء أبو بكر رضى الله عنه فأخبر بذلك، فذهب هو وأصحابه، فردّوا القلائص على أربابها وأخذوه. وأخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم بالقصة فضحك منها حولا.
ومن مزاحاته: أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جرّة عسل اشتراها من أعرابىّ، وأتى بالأعرابىّ إلى باب النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال: خذ الثمن من هاهنا. فلما قسمها النبىّ صلى الله عليه وسلم نادى الأعرابىّ: ألا أعطى ثمن عسلى؟! فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «إحدى هنات نعيمان» . وسأله: لم فعلت هذا؟ فقال: أردت برّك يا رسول الله، ولم يكن معى شىء. فتبسّم النبىّ صلى الله عليه وسلم وأعطى الأعرابىّ حقّه.
ومن مزاحاته أيضا: أنه مرّ يوما بمخرمة بن نوفل الزّهرىّ، وهو ضرير، فقال له: قدنى حتى أبول، فأخذ بيده حتى إذا كان في مؤخّر المسجد قال له:
اجلس؛ فجلس مخرمة ليبول؛ فصاح الناس: يا أبا المسور، أنت في المسجد. فقال:
من قادنى؟ فقيل له: نعيمان. قال: لله علىّ أن أضربه بعصاى إن وجدته. فبلغ ذلك نعيمان، فجاء يوما فقال لمخرمة: يا أبا المسور، هل لك في نعيمان؟ قال نعم.
قال: هو ذا يصلى. وأخذ بيده وجاء به إلى عثمان بن عفّان رضى الله عنه وهو يصلّى، فقال: هذا نعيمان؛ فعلاه مخرمة بعصاه؛ فصاح به الناس: ضربت أمير المؤمنين. فقال: من فادنى؟ قالوا: نعيمان؛ فقال: لا جرم لا عرضت له بسوء أبدا.
ومنهم ابن أبى عتيق، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصدّيق رضى الله عنهم. وكان ذا ورع وعفاف وشرف، وكان كثير المجون، وله نوادر مستظرفة، منها: أنه لقى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال: ما تقول فى إنسان هجانى بشعر، وهو:
أذهبت مالك غير متّرك
…
فى كل مؤنسة وفي الخمر «1»
ذهب الإله بما تعيش به
…
وبقيت وحدك غير ذى وفر
فقال عبد الله بن عمر: أرى أن تأخذ بالفضل وتصفح. فقال له عبد الله بن محمد ابن عبد الرحمن: والله أرى غير ذلك. فقال: وما هو؟ قال: أرى أن أنيكه. فقال ابن عمر: سبحان الله! ما تترك الهزل! وافترقا. ثم لقيه بعد ذلك فقال له: أتدرى ما فعلت بذلك الإنسان؟ فقال: أىّ إنسان؟ قال: الذى أعلمتك أنه هجانى. قال:
ما فعلت به؟ قال: كل مملوك لى حرّ إن لم أكن نكته. فأعظم ذلك عبد الله بن عمر واضطرب له. فقال له: امرأتى والله التى قالت الشعر وهجتنى به. وكانت امرأته أمّ إسحاق «2» بنت طلحة بن عبيد الله.
وقد مدح الشعراء اللعب في موضعه، كما مدح الجدّ في موضعه؛ فقال أبو تمّام:
الجدّ شيمته وفيه فكاهة
…
طورا ولا جدّ لمن لم يلعب
وقال الأبيرد رحمة الله عليه:
اذا جدّ عند الجدّ أرضاك جدّه
…
وذو باطل إن شئت ألهاك باطله
ومن مجون عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ما حكى أنّ جاريته قالت له:
إن فلانا القارىء، وكان يظهر النسك، قد قطع علىّ الطريق وآذانى ويقول لى:
أنا أحبّك. فقال لها: قولى له: وأنا أحبّك أيضا، وواعديه المنزل؛ ففعلت وأدخلته المنزل؛ وكان عبد الله قد واعد جماعة من أصحابه ليضحكوا من الرجل. ودخلت الجارية الى البيت الذى فيه الرجل، فدعاها فاعتلّت عليه؛ فوثب إليها [فاحتملها «1» وضرب بها الأرض؛ فدخل عليه ابن أبى عتيق وأصحابه وقد تورّكها؛ فخجل وقام وقال: يا فسّاق، ما تجمّعتم هاهنا إلا لريبة. فقال له ابن أبى عتيق: استر علينا ستر الله عليك. ثم لم يرتدع عن العبث بها، فشكت ذلك الى سيّدها؛ فقال لها: هيّئى من الطعام طحن ليلة الى الغداة ففعلت، ثم قال لها: عديه الليلة، فإذا جاء فقولى له:
إنّ وظيفتى الليلة طحن هذا كله، ثم اخرجى الى البيت واتركيه، ففعلت. فلما دخل طحنت الجارية قليلا، ثم قالت له: أدر الرحى حتى أفتقد سيّدى؛ فاذا نام وأمنّا أن يأتينا أحد، صرت إلى ما تحبّ، ففعل؛ ومضت الجارية الى مولاها، وأمر ابن أبى عتيق عدّة من مولياته أن يتراوحن على سهر ليلتهنّ ويتفقّدن أمر الطّحن ويحثثن عليه، ففعلن وجعلن ينادين الفتى كلما كفّ عن الطحن: يا فلانة إنّ مولاك مستيقظ والساعة يعلم أنك قد كففت عن الطحن، فيقوم إليك بالعصا كعادته مع من كانت نوبتها قبلك إذا هى نامت وكفّت عن الطحن. فلم يزل كلما سمع ذلك الكلام منهن اجتهد في العمل والجارية تتفقّده وتقول له: استيقظ مولاى والساعة ينام فأصير الى ما تحبّ وهو يطحن، حتى أصبح وفرغ القمح. فأتته الجارية بعد فراغه فقالت له: قد أصبح فانج بنفسك. فقال: أو قد فعلتها يا عدوّة الله!