الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل عرفت هذه المرأة؟ فقلت: لا يا أمير المؤمنين. قال: فإنّى أعلم أنك ستسأل عنها ولا تكتم ذلك وأنا أخبرك بها، هذه علية بنت المهدىّ. وو الله لئن لفظت به بين يدى أحد وبلغنى لأقتلنّك. قال: فسمعت جدّى يقول لأبى: فقد والله لفظت به؛ وو الله ليقتلنّك، فاصنع ما أنت صانع.
وأخبار عليّة وأغانيها كثيرة، وقد ذكرنا منها ما يكتفى به.
قال أبو الفرج: وكان مولد عليّة سنة ستين ومائة، وتوفّيت سنة عشرة ومائتين، وقيل: سنة تسع ومائتين، ولها خمسون سنة. وكانت عند موسى بن عيسى ابن موسى بن محمد بن على بن عبد الله بن عبّاس رضى الله عنهما. وكان سبب وفاتها أنّ المأمون ضمّها اليه وجعل يقبّل رأسها ووجهها مغطّى، فشرقت من ذلك وسعلت ثم حمّت بعقب هذا أيّاما يسيرة وماتت. رحمها الله.
ومنهم أبو عيسى بن الرشيد
.
هو أبو عيسى أحمد، وقيل: بل اسمه صالح «1» بن هارون الرشيد. وأمّه أمّ ولد بربريّة. كان من أحسن الناس وجها ومجالسة وعشرة وأمجنهم وأحدّهم نادرة وأشدّهم عبثا. وكان أبو عيسى جميل الوجه جدّا؛ فكان إذا عزم على الركوب جلس الناس له حتى يروه أكثر مما كانوا يجلسون للخلفاء.
وكانت عريب المأمونية تقول: ما سمعت غناء أحسن من غناء أبى عيسى بن الرشيد، ولا رأيت وجها أحسن من وجهه.
وروى أنّ الرشيد قال يوما لأبى عيسى وهو صبىّ: ليت جمالك لعبد الله! (يعنى المأمون) فقال له: يا أمير المؤمنين، على أنّ حظّه منك لى. فعجب الرشيد من جوابه على صباه وضمّه إليه وقبّله.
قال أبو الفرج: وكان أبو عيسى جيّد الصّنعة، وله أغان منسوبة إليه ومعروفة به. منها:
رقدت عنك سلوتى
…
والهوى ليس يرقد
وأطار السهاد نو
…
مى فنومى مشرّد
أنت بالحسن منك يا
…
حسن الوجه يشهد
وفؤادى بحسن وجهك
…
يشقى ويكمد
وله غير هذا من الأصوات. قال: وكان كثير البسط والمجون والعبث.
وكان المأمون أشدّ الناس حبّا له، وكان يعدّه للأمر بعده ويذكر ذلك كثيرا.
حتى لقد حكى عنه أنه قال يوما: إنه ليسهل علىّ أمر الموت وفقد الملك، ولا يسهل شىء منهما على أحد؛ وذلك لمحبّتى أن يلى أبو عيسى الأمر بعدى لشدّة حبّى إياه.
وكانت وفاة أبى عيسى في سنة سبع ومائتين.
روى عن عبد الله بن طاهر قال: حدّثنى من شهد المأمون ليلة وهم يتراءون هلال شهر رمضان وأبو عيسى أخوه معه وهو مستلق على قفاه، فرأوه وجعلوا يدعون. فقال أبو عيسى قولا أنكر عليه؛ كأنه يسخط لورود الشهر، فما صام بعده. ونقل عنه أنه قال:
دهانى «1» شهر الصوم لا كان من شهر
…
ولا صمت شهرا بعده آخر الدهر
فلو كان يعدينى الإمام بقدرة
…
على الشهر لاستعديت «2» جهدى على الشهر
فناله بعقب هذا القول صرع، فكان يصرع في اليوم مرّات حتى مات. ولمّا مات وجد المأمون عليه وجدا شديدا.
روى عن محمد بن عبّاد المهلّبىّ قال:
لمّا مات أبو عيسى بن الرشيد دخلت على المأمون فخلعت عمامتى ونبنتها ورائى- والخلفاء لا تعزّى في العمائم- فقال لى: يا محمد، حال القدر، دون الوطر.
فقلت: يا أمير المؤمنين، كلّ مصيبة أخطأتك شوى «1» ، فجعل الله الحزن لك لا عليك!.
قال: فركب المأمون إلى دار أبى عيسى فحضر جهازه وصلّى عليه ونزل في قبره.
وامتنع من الطعام أياما حتى خيف أن يضرّ ذلك به. قال: وما رأيت مصابا حزينا قطّ أجمل أثرا في مصيبته ولا أحرق وجدا منه، صامت ودموعه تهمى على خدّيه من غير كلح «2» ولا استنثار.
وروى عن أحمد بن أبى داود قال: دخلت على المأمون وقد توفّى أخوه أبو عيسى وهو يبكى ويمسح عينيه بمنديل، فقعدت الى جنب عمرو بن مسعدة وتمثّلت قول الشاعر:
نقص من الدّنيا وأسبابها
…
نقص المنايا من بنى هاشم
فلم يزل على تلك الحال يبكى ثم يمسح عينيه، وتمثّل:
سأبكيك ما فاضت دموعى فإن تغض
…
فحسبك منّى ما تجنّ الجوانح «3»
كأن لم يمت حىّ سواك ولم تقم
…
على أحد إلا عليك النوائح
ثم التفت إلىّ وقال: هيه يا أحمد! فتمثّلت بقول عبدة بن الطبيب:
عليك سلام الله قيس بن عاصم
…
ورحمته ما شاء أن يترحّما
تحيّة من أوليته منك نعمة
…
إذا زار عن شحط بلادك سلّما