الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم: يحيى بن زياد
وهو الذى يقول:
أعاذل ليت البحر خمر وليتنى
…
مدى الدهر حوت ساكن لجّة البحر
فأضحى وأمسى لا أفارق لجّة
…
أروّى بها عظمى وأشفى بها صدرى
طوال الليالى، ليس عنّى بناضب
…
ولا ناقص حتى أصير الى الحشر
ومنهم: أبو نواس الحسن بن هانىء
ممن اشتهر بالشراب واللهو والطرب ومنادمة القيان، وله في الخمر تشبيهات حسنة وحكايات ظريفة، نذكر هاهنا من أخباره طرفا:
حكى أن مسلم بن الوليد عاتبه وقال: يا أبا نواس، قد خلعت عذارك وأطلت الإكباب على المجون حتى غلب على لبّك وما كذلك يفعل الأدباء! فأطرق ثم قال:
فأوّل شربك طرح الرداء
…
وآخر شربك طرح الإزار
وما هنّأتك الملاهى بمثل
…
إمانة مجد وإحياء عار
وما جاد دهر بلذّاته
…
على من يضنّ بخلع العذار
فانصرف مسلم وقد أيس من فلاحه وهو يقول: جواب حاضر، من كهل فاجر. ومما يحفظ من أخباره، ويروى من أشعاره في ذلك: أنه بلغ إخوانه عنه أنه ترك الشراب واللذّات وأخذ في الزهد والصلاة في أوقاتها فاجتمعوا إليه وأقبلوا يهنّئونه، فوضع بين يديه باطية وجعل لا يدخل اليه أحد يهنئه إلا شرب بين يديه رطلا وأنشد:
قالوا نزعت ولمّا يعلموا وطرى
…
فى كلّ أغيد ساجى الطرف ميّاس
كيف النزوع وقلبى قد تقسّمه
…
لحظ العيون وقرع السنّ بالكاس
لا خير في العيش إلا في المجون مع ال
…
أكفاء والراح والريحان والآس
ومسمع يتغنّى والكئوس لها
…
حثّ علينا بأخماس وأسداس
يا مورى الزند قد أكبت قوادحه
…
اقبس اذا شئت من قلبى بمقياس
ما أقبح الناس في عينى وأسمجهم
…
إذا نظرت فلم أبصرك في الناس
وحدّث الفضل بن سلمة عن الثورىّ، قال: خرج الحسن بن هانىء ومعه مطيط صاحبه، حتى أتيا دار خمّار. فقال الحسن لمطيط: ادخل بنا نمزح بهذا الخمّار. فدخلا فسلّما فردّ عليهما. فقال له الحسن: أعندك خمر عتيقة يا خمّار؟
فقال: عندى منها أجناس، فأيها تريد؟ قال: التى يقول فيها الشاعر:
حجبت خيفة وصينت فجاءت
…
كجلاء العروس بعد الصّيان
وكأنّ الأكفّ تصبغ من ضو
…
ء سناها بالورس والزعفران
فملأ له الخمّار قدحا من خمر صفراء، كأنها ذهب محلول؛ فشربه الحسن وقال:
أحسن من هذا أريد. فقال له الخمار: أىّ جنس تريد؟ قال: التى يقول فيها الشاعر:
دفعتها أيدى الهواجر حتّى
…
صيّرت جسمها كجسم الهواء
فهى كالنّور في الإناء وكالنّا
…
ر إذا ما تصير في الأحشاء
فملا له الخمار قدحا من خمر كأنها العقيق. فشربه وقال: أرفع من هذا أريد.
فقال: أىّ جنس؟ قال: التى يقول فيها الشاعر:
وإذا حسا منها الوضيع ثلاثة
…
سمح الوضيع كفعل ذى القدر
فى لون ماء الغيث إلا أنها
…
بين الضلوع كواقد الجمر
فملأ له قدحا من خمر بيضاء، كأنها ماء المزن. فشرب الحسن وقال للخمار:
أتعرفنى؟ قال: إى والله يا سيدى، أنا أعرف الناس بك. قال: من أنا؟ قال:
أنت الذى يسكر من غير وزن. فضحك الحسن وقال لمطيط: ادفع إليه ما بقى عندك من النفقة، فأعطاه مائة درهم وانصرف.
وقال الحسين بن الضحّاك: كنت مع أبى نواس بمكة عام حجّ، فسمع صبيّا يقرأ (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) .
فقال أبو نواس: فى مثل هذا يجىء للخمر صفة حسنة؛ ففكّر ساعة ثم أنشدنى:
وسيّارة ضلّت عن القصد بعد ما
…
ترادفهم أفق من الليل مظلم
فأصغوا الى صوت ونحن عصابة
…
وفينا فتى من سكره يترنم
فلاحت لهم منّا على النأى قهوة
…
كأن سناها ضوء نار تضرّم
إذا ما حسوناها أقاموا مكانهم
…
وإن مزجت حثّوا الركاب ويمموا
قال: فحدّث بهذا الحديث محمد بن الحسين فقال: لا ولا كرامة، ما سرقه من القرآن ولكن من قول الشاعر:
وليل بهيم كلّما قلت غوّرت
…
كواكبه عادت لنا لتذيّل
به الركب إمّا أومض البرق يمّموا
…
وإن لم يلح فالقوم بالسير جهّل
وقال أبو نواس فيها:
ألا دارها بالماء حتى تلينها
…
فما تكرم الصهباء حتى تهينها
أغالى بها حتى اذا ما مللتها
…
أهنت لإكرام النديم مصونها
وقال أيضا:
نبهته والليل ملتبس به
…
وأزحت عنه حثاثة «1» فانزاحا
قال ابغنى المصباح، قلت له اتّئد
…
حسبى وحسبك ضوءها مصباحا