الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغناء عن معيد وابن سريج وابن محرز والغريض، وكان أكثر روايته عن معبد. ولم يكن في أصحاب معبد أحذق منه ولا أقوم بما أخذ عنه منه. وله غناء حسن، وصنعة كثيرة، وشعر جيّد. وهو أوّل من دوّن الغناء. وله كتاب في الأغانى نسبها إلى من غنّى فيها. وخرج إلى الشأم في تجارة، فبلغ الوليد بن يزيد مكانه فأحضره والوليد إذ ذاك ولىّ العهد. قال: فلما وصلت إليه سلّمت عليه، فأمرنى بالجلوس، ثم دعا بالشراب والجوارى. قال يونس: فمكثنا يومنا وليلتنا في أمر عجيب، وغنّيته فأعجب بغنائى إلى أن غنّيته:
إن يعش مصعب فنحن بخير
…
قد أتانا من عيشنا ما نرجّى
ثم تنبهت فقطعت الصوت وأخذت أعتذر من غنائى بشعر في مصعب، فضحك ثم قال: إن مصعبا قد مضى وانقطع أثره ولا عداوة بينى وبينه وإنما أريد الغناء، فأمض الصوت؛ فعدت فيه فغنّيته ولم يزل يستعيده حتى أصبح فشرب مصطبحا وهو يستعيدنى هذا الصوت ولا يتجاوزه. فلما مضت ثلاثة أيام قلت: جعلنى الله فداك إنى رجل تاجر خرجت مع تجّار وأخاف أن يرتحلوا فيضيع مالى، فقال: أنت تغدو غدا، وشرب باقى ليلته وأمر لى بثلاثة آلاف دينار. فحملت إلىّ وغدوت إلى أصحابى. فلما استخلف بعث إلىّ فأتيته فلم أزل معه حتى قتل.
ذكر أخبار حنين
هو حنين بن بلوع الحيرى. واختلف في نسبه، فقيل: هو من العباديّين من تميم، وقيل: إنه من بنى الحارث بن كعب، وقيل: إنه من قوم بقوا من طسم وجديس، فنزلوا في بنى الحارث بن كعب فعدّوا فيهم. ويكنى أبا كعب. وكان شاعرا مغنّيا من فحول المغنّين، وكان يسكن الحيرة ويكرى الجمال إلى الشأم، وكان
نصرانيّا. وعن المدائنىّ قال: كان حنين غلاما يحمل الفاكهة بالحيرة، وكان إذا حمل الرياحين إلى بيوت الفتيان «1» ومياسير أهل الكوفة وأصحاب القيان والمتطرّبين ورأوا رشاقته وحسن قدّه وحلاوته وخفّة روحه استحلوه وأقام عندهم، فكان يسمع الغناء ويصغى له، حتى شدا منه أصواتا فاستمعه الناس، وكان مطبوعا حسن الصوت. واشتهر غناؤه وشهر بالغناء ومهر فيه وبلغ فيه مبلغا كبيرا. ثم رحل إلى عمر «2» بن داود الوادى وإلى حكم الوادىّ وأخذ منهما وغنّى لنفسه واستولى على الغناء في عصره، وهو الذى بذل لابن محرز خمسمائة دينار حتى رجع عن العراق، كما قدّمناه في أخبار ابن محرز.
وبلغ من الناس بالغناء مبلغا عظيما، حتى قيل له فيما حكى: إنك تغنّى منذ خمسين سنة فما تركت لكريم مالا ولا دارا ولا عقارا إلا أتيت عليه. فقال: بأبى أنتم! إنما هى أنفاسى أقسمها بين الناس، أفتلوموننى أن أغلى بها الثمن.
وحكى المدائنىّ قال: حجّ هشام بن عبد الملك وعديله الأبرش الكلبىّ؛ فوقف له حنين بظهر الكوفة ومعه عود وزامر له. فلما مرّ به هشام عرض له فقال:
من هذا؟ قيل: حنين؛ فأمر به هشام فحمل في محمل على جمل وعديله زامره وسيّره أمامه، فغنّاه:
أمن سلمى بظهر الكوفة
…
الآيات والطّلل
تلوح كما تلوح على
…
جفون الصّيقل الخلل
فأمر له هشام بمائتى دينار وللزّامر بمائة دينار.
وحكى أن خالد بن عبد الله القسرىّ حرّم الغناء بالعراق في أيامه ثم أذن للناس يوما في الدخول عليه عامّة؛ فدخل عليه حنين في جملة الناس ومعه عود تحت ثيابه