الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر شىء من نوادر الأقيشر
«1»
هو أبو معرض المغيرة بن عبد الله بن معرض بن عمرو بن معرض بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر. والأقيشر لقب غلب عليه لأنه كان أحمر الوجه أقيشر. قال أبو الفرج الأصفهانىّ: وعمّر الأقيشر عمرا طويلا، ولعله ولد في الجاهلية ونشأ في الإسلام، وكان أبعد بنى أسد نسبا. قال: وكان كوفيّا خليعا ماجنا مدمنا للخمر. وهو الذى يقول لنفسه:
فإنّ أبا معرض إذ حسا
…
من الرّاح كأسا على المنبر
خطيب لبيب أبو معرض
…
فإن ليم في الخمر لم يصبر،
أحلّ الحرام أبو معرض
…
فصار خليعا على المكبر
يحبّ اللئام ويلحى الكرام
…
وإن أقصروا عنه لم يقصر
قال: وشرب الأقيشر في بيت خمّار بالحيرة، فجاءه الشّرط ليأخذوه، فتحرّز منهم وأغلق الباب وقال: لست أشرب فما سبيلكم علىّ؟ قالوا: قد رأينا العسّ فى كفّك وأنت تمثرب. فقال: إنما شربت من لبن لقحة لصاحب هذه الدار، فما برحوا حتى أخذوا منه درهمين. فقال:
إنما لقحتنا باطية «2»
…
فاذا ما مزجت كانت عجب
لبن أصفر صاف لونه
…
ينزع الباسور من عجب «3» الذّنب
إنما نشرب من أموالنا
…
فسلوا الشرطىّ ما هذا الغضب؟
وروى أبو الفرج الأصفهانىّ عن أبى عمرو الشيبانىّ وغيره قال: كان الأقيشر لا يسأل أحدا أكثر من خمسة دراهم، يجعل درهمين للشراب ودرهما للطعام ودرهمين في كراء بغل الى الحيرة. وكان له جاريكنى أبا المضاء، له بغل يكريه، فكان يعطيه درهمين ويأخذ بغله فيركبه الى الحيرة حتى يأتى به بيت الخمّار فينزل عنه ويربطه، ثم يجلس للشرب حتى يمسى ثم يركبه. وله في ذلك أشعار كثيرة.
قال وتزوّج الأقيشر ابنة عمّ له يقال لها الرّباب، على أربعة آلاف درهم- ويقال: على عشرة آلاف درهم- فأتى قومه فسألهم فلم يعطوه شيئا، فأتى ابن «1» رأس البغل وهو دهقان «2» الصين، وكان مجوسيّا، فسأله فأعطاه الصّداق كاملا؛ فقال:
كفانى المجوسىّ همّ «3» الرّباب
…
فدى للمجوسىّ خال وعمّ
شهدت بأنك رطب «4» اللسان
…
وأنك بحر جواد خضمّ
وأنك سيد أهل الجحيم
…
اذا ما تردّيت فيمن ظلم
تجاور هامان»
فى قعرها
…
وفرعون والمكتنى بالحكم
فقال له المجوسىّ: ويحك! سألت قومك فما أعطوك شيئا، وجئتنى فأعطيتك فجزيتنى هذا القول ولم أفلت من شرّك! قال: أو ما ترضى أن جعلتك مع الملوك وقرين أبى جهل؟. قال: ثم جاء الى عكرمة بن ربعىّ التميمىّ، فسأله فلم يعطه؟
شيئا؛ فقال فيه:
سألت ربيعة من شرّها
…
أبا ثم أمّا فقالوا لمه
فقلت لأعلم من شرّكم
…
وأجعل للسبّ فيه سمه
فقالوا لعكرمة المخزيات
…
وماذا يرى الناس في عكرمة
فإن يك عبدا زكا ماله
…
فما غير ذا فيه من مكرمه
قال الأصمعى: قال عبد الملك بن مروان للأقيشر: أنشدنى أبياتك في الخمر؛ فأنشده قوله:
تريك القذى من دونها وهى دونه
…
لوجه أخيها في الإناء قطوب
كميت اذا شجّت «1» وفي الكأس وردة
…
لها في عظام الشاربين دبيب
فقال له: أحسنت والله يا أبا معرض! لقد أجدت في وصفها، وأظنك قد شربتها. فقال: والله يا أمير المؤمنين، إنه ليريبنى معرفتك بها. قال: وكان الأقيشر يأتى إخوانا له فيسألهم فيعطونه، فأتى رجلا منهم فأمر له بخمسمائة درهم فأخذها ومضى الى الحانة فدفعها الى صاحبها، وقال له: أقم لى ما أحتاج اليه، ففعل.
فانضم اليه رفقاء له فلم يزل معهم حتى نفدت الدراهم؛ فأتاهم بعد إنفاقها فاحتملوه يوما ويوما. فلما أتاهم في اليوم الثالث نظروا اليه من بعيد، فقالوا لصاحب الحانة: اصعد بنا الى الغرفة، وأعلم الأقيشر أنا لم نأت اليوم، ففعل. فلما جاء الأقيشر أعلمه بما قالوا، فعلم أنه لا فرج له عند صاحب الحانة إلا برهن، فطرح اليه بعض ثيابه وقال له: أقم لى ما أحتاج اليه، ففعل. فلما أخذ منه الشراب أخذ يقول:
يا خليلىّ اسقيانى كأسا
…
ثمّ كأسا حتى أخرّ نعاسا
إن في الغرفة التى فوق رأسى
…
لأناسا يخادعون أناسا
يشربون المعتّق الراح صرفا
…
ثم لا يرفعون للزّور «1» راسا
قال: فلما سمع أصحابه هذا الشعر، فدّوه بآبائهم وأمهاتهم، ثم قالوا له: إمّا أن تصعد الينا وإما أن ننزل اليك، فصعد اليهم.
قال: وكان يختلف الى رجل من بنى تميم وكان يجرى عليه في كل شهر عشرة دراهم؛ فجاءه مرة فوجده قد أصيب بابنه، فردّته امرأته عنه، ثم عاد بعد ذلك بيومين فردّته عنه أيضا؛ فكتب اليه بيتى شعر ودفع الرقعة اليها وقال: أوصليها اليه؛ فقرأها، فاذا فيها:
ألا أبلغ لديك أبا هشام
…
فإن الريح أبردها الشّمال
عداتك في الهلال عدات صدق
…
فهل سمنت كما سمن الهلال
فلما قرأ الرقعة أمر بردّه وقال: لقد سمنت وما بقى إلا الهزال إن تأخرت، فأمر له بها وزادها خمسة دراهم.
وكان الأقيشر مع شرفه وشعره يرضيه اليسير ويسخطه. وأخباره كثيرة ونوادره مشهورة، وفيما أوردناه منها كفاية. ومات الأقيشر قتيلا. وقيل: إنه مدح عبد الله بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله فلم يعطه شيئا فهجاه؛ فزعموا أنّ غلمانا لعبد الله بن إسحاق قتلوه؛ فاجتمع بنو أسد وادّعوا عليه قتل الأقيشر؛ فاقتدى منهم بديته. وقال ابن الكلبىّ: كان الأقيشر مولعا بهجاء عبد الله بن إسحاق ومدح أخيه زكريا. فقال لغلمانه: ألا تريحوننى منه! فانطلقوا فجمعوا بعرا وقصبا