الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر شىء من نوادر القضاة
قيل: أتى عدىّ بن أرطاة شريحا القاضى ومعه امرأة له من أهل الكوفة يخاصمها اليه؛ فلما جلس عدىّ بين يدى شريح، قال عدىّ: أين أنت؟ قال: بينك وبين الحائط. قال: إنى امرؤ من أهل الشام؛ قال: بعيد الدار. قال: وإنى قدمت العراق؛ قال: خير مقدم. قال: وتزوّجت هذه المرأة؛ قال: بالرفاء والبنين. قال: وإنها ولدت غلاما؛ قال: ليهنك الفارس. قال: وقد أردت أن أنقلها إلى دارى؛ قال: المرء أحق بأهله. قال: كنت شرطت لها دارها؛ قال:
الشرط أملك. قال: اقض بيننا؛ قال: قد فعلت. قال: فعلى من قضيت؟
قال: على ابن أمّك.
ودخل على الشعبىّ في مجلس قضائه رجل وامرأته، وكانت المرأة من أجمل النساء، فاختصما اليه، فأدلت المرأة بحجتها، وقويت بيّنتها. فقال للزوج: هل عندك من دافع؟ فأنشأ يقول:
فتن الشّعبىّ لمّا
…
رفع الطّرف إليها
فتنته بدلال
…
وبخطّى حاجبيها
قال للجلواز «1» قرّب
…
ها وقدّم شاهديها
فقضى جورا على الخص
…
م ولم يقض عليها
قال الشعبىّ: فدخلت على عبد الملك بن مروان؛ فلما نظر إلىّ تبسّم وقال:
فتن الشعبىّ لما
…
رفع الطرف اليها
ثم قال: ما فعلت بقائل هذه الأبيات؟ قلت: أوجعته ضربا يا أمير المؤمنين بما انتهك من حرمتى في مجلس الحكومة وما افترى به علىّ. قال: أحسنت!.
وأحضر رجل امرأته الى بعض قضاة البصرة، وكانت حسنة المنتقب، قبيحة المسفر؛ فمال القاضى لها على زوجها وقال: يعمد أحدكم الى المرأة الكريمة فيتزوّجها ثم يسىء اليها. ففطن الرجل لميله اليها فقال: أصلح الله القاضى، قد شككت فى أنها امرأتى، فمرها تسفر عن وجهها؛ فوقع ذلك بوفاق من القاضى، فقال لها:
اسفرى رحمك الله؛ فسفرت عن وجه قبيح. فقال القاضى لمّا نظر الى قبح وجهها:
قومى عليك لعنة الله! كلام مظلوم، ووجه ظالم.
قيل: بينا رقبة بن مصقلة القاضى في حلقته، إذ مرّ به رجل غليظ العنق؛ فقال له بعض جلسائه: يا أبا عبد الله، هذا أعبد الناس. فقال رقبة: إنى لأرى لهذا عنقا ما دقّقتها»
العبادة. قال: فمضى الرجل وعاد قاصدا اليهم. فقال رجل لرقبة:
يا أبا عبد الله، أخبره بما قلت حتى لا تكون غيبة؛ قال: نعم، أخبره أنت حتى تكون نميمة. ودخل رقبة الى المسجد الأعظم فألقى نفسه الى حلقة قوم، ثم قال: قتيل فالوذج رحمكم الله! قالوا: عند من؟ قال: عند من حكم في الفرقة وقضى في الجماعة، يعنى: بلال بن أبى بردة.
واختصم رجلان الى إياس بن معاوية وهو قاضى البصرة لعمر بن عبد العزيز فى مطرف خزّو أنبجانىّ، وادّعى كل واحد منهما أن المطرف له وأن الأنبجانىّ لصاحبه.
فدعا إياس بمشط وماء، فبلّ رأس كل واحد منهما، ثم قال لأحدهما: سرّح رأسك فسرّحه، فخرج في المشط عفر المطرف، وفي مشط الآخر عفر الأنبجانىّ؛ فقال:
يا خييث! الأنبجانىّ لك، فأقرّ، فدفع المطرف لصاحبه. وقال رجل لإياس: هل ترى علىّ من بأس إن أكلت تمرا؟ قال لا. قال: فهل ترى علىّ من بأس ان أكلت معه كيسوما؟ قال لا. قال: فإن شربت عليهما ماء؟ قال: جائز.
قال: فلم تحرّم السكر، وإنما هو ما ذكرت لك؟ قال له إياس لو صببت عليك ماء هل كان يضرّك؟ قال لا. قال: فلو نثرت عليك ترابا هل كان يضرّك؟ قال لا.
قال: فإن أخذت ذلك فخلطته وعجبته وجعلت منه لبنة عظيمة فضربت بها رأسك هل كان يضرّك؟ قال: كنت تقتلنى. قال: فهذا مثل ذاك.
دعا الرشيد أبا يوسف القاضى فسأله عن مسألة فأفتاه؛ فأمر له بمائة ألف درهم.
فقال] إن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بتعجيلها قبل الصبح! فقال: عجلّوها له.
فقيل: إن الخازن في بيته والأبواب مغلقة. فقال أبو يوسف: وقد كنت في بيتى والدروب مغلقة، فلما دعيت فتحت. فقال له الرشيد: بلغنى أنك لا ترى لبس السواد. فقال: يا أمير المؤمنين، ولم وليس في بدنى شىء أعزّ منه؟ قال: وما هو؟
قال: السواد الذى في عينىّ.
وسأل الرشيد الأوزاعىّ عن لبس السواد، فقال: لا أحرّمه، ولكنى أكرهه.
قال: ولم؟ قال: لأنه لا تجلى فيه عروس، ولا يلبّى فيه محرم، ولا يكفّن فيه ميت. فالتفت الرشيد الى أبى يوسف وقال: ما تقول أنت في السواد؟ قال:
يا أمير المؤمنين، النور في السواد. فاستحسن الرشيد ذلك. ثم قال: وفضيلة أخرى يا أمير المؤمنين، قال: وما هى؟ قال: لم يكتب كتاب الله إلا به؛ فاهتزّ الرشيد لذلك.
تقدّم رجل الى أبى حازم عبد الحميد بن عبد العزيز السّكونىّ قاضى المعتمد، وقدّم أباه يطالبه بدين له عليه، فأقرّ الأب بالدين، وأراد الابن حبس والده. فقال القاضى: هل لأبيك مال؟ قال: لا أعلمه. قال: فمذكم داينته بهذا المال؟ قال:
منذ كذا وكذا. قال: قد فرضت عليك نفقة أبيك من وقت المداينة؛ فحبس الابن وخلّى الأب.
كان عبد الملك بن عمر قاضى الكوفة، فهجاه هذيل الأشجعىّ بأبيات منها:
اذا ذات دلّ كلّمته بحاجة
…
فهمّ بأن يقضى تنحنح أو سعل
فكان عبد الملك يقول: قاتله الله! والله لربما جاءتنى النحنحة وأنا في المتوضّأ فأذكر ما قال فأردّها.
وقيل: شهد سلمى الموسوس عند جعفر بن سليمان على رجل، فقال: هو- أصلحك الله- ناصبىّ، رافضىّ، قدرىّ، مجبرىّ، يشتم الحجاج بن الزبير الذى يهدم الكعبة على علىّ بن أبى سفيان. فقال له جعفر: ما أدرى على أى شىء أحسدك: على علمك بالمقالات، أم على معرفتك بالأنساب! فقال: أصلح الله الأمير، ما خرجت من الكتّاب، حتى حذفت هذا كله ورائى.
واستفتى بعض القضاة، وقد نسبت الى القاضى أبى بكر بن قريعة، فقيل له:
ما يقول سيدنا القاضى أيده الله في رجل باع حجرا «1» من رجل، فحين رفع ذنبها ليقلّبه خرجت منها ريح مصوّتة اتصلت بحصاة ففقأت عين المشترى؟ أفتنا في الدية والردّ يرحمك الله. فأجاب: لم تجر العادة بمثل هذه البدائع، بين مشتر وبائع؛ فلذلك لم يثبت في كتب الفقهاء، ولم يستعمل في فتوى العلماء؛ لكن هذا وما شاكله يجرى مجرى الفضول، المستخرج من أحكام العقول، والقول فيه- وبالله العصمة من الزلل والخطل-:
أن دية ما جنته الحجر ملغى في الهدر، عملا بقول النبىّ المختار، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، «جرح العجماء جبار» ؛ لا سيما والمشترى عند كشفه لعورتها، استثار كامن سورتها. وعلى البائع لها ارتجاعها، وردّ ما قبض من ثمنها، لأنه دلّس حجرا مضيقا منجنيقها. وإذا كانت السهام طائشة، فهى من العيوب الفاحشة. وكيف يمتنع ردّها وأغراضها نواظر الحدق، وقلّما يستظهر المقلّبون الخيل بالدّرق.