الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لرجل من أهل بغداد من مباشريها، وقد مات ولم يخلف ولداً سوى تلك الجارية، وما مات حتى تضعضع حاله، فأعلم المأمون بذلك، فمر بخطبتها للفتى ودفع المهر من عنده وصار الفتى والجارية في نعمة عظيمة بقية عمرهما والله أعلم.
رقة قلب المأمون
وسرق شاب سرقة، فتي به إلى المأمون فأمر بقطع يده فتقدم لتقطع يديه فأنشد الشاب يقول:
يدي، يا أمير المؤمنين، أعيذها
…
بعفوك أن تلقى نكالاً يشينها
فلا خير في الدنيا ولا راحةً بها
…
إذا ما شمالٌ فارقتها يمينها
وكانت أم الشاب واقفةً على رأسه، فبكت وقالت: يا أمير المؤمنين إنه ولدي وواحدي، ناشدتك الله إلا رحمتني وهدأت لوعتي وجدت بالعفو عمن استحق العقوبة.
فقال المأمون: هذا حد من حدود الله تعالى.
فقالت: يا أمير المؤمنين! اجعل عفوك عن هذا الحد ذنباً من الذنوب التي تستغفر منها.
فرق لها المأمون وعفا عنه.
المأمون ونذير الشؤم
قال: رأيت في بعض المجاميع بخط بعض العلماء الأكابر أن المأمون أشرف يوماً من قصره فرأى رجلاً قائماً وبيده فحمة، وهو يكتب بها على حائط قصره، فقال المأمون لبعض خدمه: اذهب إلى ذلك الرجل، فانظر ما كتب وائتني به.
فبادر الخادم إلى الرجل مسرعاً وقبض عليه، وقال: ما كتبت؟ فإذا هو قد كتب هذين البيتين:
يا قصر جمع فيك الشوم واللوم
…
متى يعشش في أركانك البوم
يوم يعشش فيك البوم من فرحي
…
أكون أول من ينعاك مرغوم
ثم إن الخادم قال له: أجب أمير المؤمنين.
فقال الرجل: سألتك بالله لا تذهب بي إليه.
فقال الخادم: لا بد من ذلك.
ثم ذهب به فلما مثل بين يدي أمير المؤمنين وأعلم بما كتب قال له المأمون: ويلك، ما حملك على هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين! إنه لا يخفى عليك ما حواه قصرك هذا من خزائن الأموال والحلي والحلل والطعام والشراب والفرش والأواني والأمتعة والجواري والخدم وغير ذلك مما يقصر عنه وصفي ويعجز عنه فهمي. وإني يا أمير المؤمنين قد مررت عليه الآن، وأنا في غاية من الجوع والفاقة، فوقفت مفكراً في أمري وقلت في نفسي: هذا القصر عامر عال، وأنا جائع ولا فائدة لنا فيه، فلو كان خراباً ومررت به لم أعدم رخامة أو خشبة أو مسماراً أبيعه وأتقوت بثمنه أوما علم أمير المؤمنين رعاه الله قول الشاعر:
إذا لم يكن للمرء في دولة امرئٍ
…
نصيب ولا حظ تمنى زوالها
وما ذاك من بغض له، غير أنه
…
يزجي سواها، فهو يهوى انتقالها
فقال المأمون: يا غلام، أعطه ألف درهم، ثم قال: هي لك في كل سنة ما دام قصرنا عامراً بأهله مسروراً في دولته.
وأنشدوا في معنى ذلك:
إذا كنت في أمر، فكن فيه محسناً
…
فعما قليل أنت ماض وتاركه
فكم دحت الأيام أرباب دولةٍ
…
وقد ملكوا أَضعاف ما أنت مالكه