الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأنفذ عبد الله نفراً من الأنصار إلى المدينة المنورة فأتوا بجميع ما ضمنه وذبحت النعم والغنم، واجتمع الناس لأكل الطعام. قال: فأقمنا على هذا لحال أربعين يوماً. ثم قال: خذوا فتاتكم فحملناها على هودج وجهزها بثلاثين راحلة من التحف ثم ودعنا وانصرف، وسرنا حتى إذا بقي بيننا وبين المدينة المنورة مرحلة خرجت علينا خيل تريد الغارة، وأحسب أنها من بني سليم، فحمل عليها عتبة بن الخباب فقتل عدة رجال وانحرف راجعاً وبه طعنة، ثم سقط إلى الأرض. وأتتنا النصرة من سكان تلك الأرض فطردوا عنا الخيل، وقد قضى عتبة نحبه، فقلنا: وا عتبتاه! فسمعنا الجارية تقول وا عتبتاه، فألقت نفسها من فوق البعير وانكبت عليه وجعلت تصيح وتقول بحرقة:
تصبرت لا أني صبرت، وإنما
…
أعلل نفسي أنها بك لاحقة
ولو أنصفت روحي لكانت إلى الردى
…
أمامك من دون البرية سابقة
فما أحد بعدي وبعدك منصف
…
خليلاً، ولا نفس لنفس موافقة
ثم شهقت شهقة قضت نحبها. واحتفرنا لهما قبراً واحداً وواريناهما في التراب، ورجعت إلى ديار قومي وأقمت سبع سنين، ثم عدت إلى الحجاز ووردت المدينة المنورة للزيارة فقلت: لأعودن إلى قبر عتبة، فأتيت إلى القبر، فإذا شجرة عليها عصائب حمر وصفر وخضر، فقلت لأرباب المنزل: ما يقال لهذه الشجرة؟ فقالوا: شجرة العروسين، فأقمت عند القبر يوماً وليلة وانصرفت وكان آخر العهد به.
العاشق الكتوم
ومثل ما تقدم من العشق وما ورد في كتمان الهوى مع تحقق النظر عند إعلانه. ما حكي عن بعض المعمرين من ذوي النعم قال: بينما أنا في منزلي إذ دخل علي خادم لي ومعه كتاب، فقال: رجل بالباب دفع إلي هذا الكتاب ففتحته فإذا فيه:
تجنبك البلاء، ونلت خيراً
…
ونجاك المليك من الغموم
فعندك لو مننت شفاء نفسي
…
وأعضاء ضنين من الكلوم
فقلت: عاشق والله، وقلت للخادم: اخرج وائتني به، فخرج فلم ير أحداً فعجبت من أمره وأحضرت الجواري كلهن من يخرج منهن ومن لم يخرج منهن وسألتهن عن ذلك
فحلفن أنهن لا يعرفن من حديث هذا الكتاب شيئاً، فقلت: إني لم أفعل ذلك بخلاً بمن يهوى منكن، فمن عرفت بحال هذا الفتى، فهي هبة مني له بمالها ومائة دينار. وكتبت جوابه أشكره على ذلك وأسأله قبولها ووضعت الكتاب في جنب البيت ومائة دينار، وقلت: من عرف شيئاً فليأخذه، فمكث الكتاب والذهب أياماً لا يأخذه أحد، فغمني ذلك، وقلت: هذا قنع ممن يحبه بالنظر، فمنعت من يخرج من جواري من الخروج. فما كان إلا يوماً أو بعض يوم إذ دخل علي الخادم ومعه كتاب. وقال هذا من بعض أصدقائك بعث به إليك. فقلت: اخرج وائتني به. فخرج فلم يجده ففتحت الكتاب فإذا فيه:
ماذا أتيت إلى روح معلقة
…
عند التراقي، وحادي الموت حاديها
حثثت حاديها ظلماً، فجد بها
…
في السير حتى تخلت عن تراقيها
والله لو قيل لي: تأتي بفاحشةٍ
…
وإن عقباك دنيانا وما فيها
لقلتُ: لا والذي أخشى عقوبته
…
ولا بأضعافها ما كنت آتيها
لولا الحياء لبحنا بالذي سكنت
…
بيت الفؤاد وأبدينا أمانيها
قال: فغمني أمره فقلت للخادم: لا يأتينك أحد بكتاب إلا قبضنا عليه. قال: وقرب موسم الحج. قال: فبينما أنا قد أفضت من عرفة، وإذا فتى إلى جانبي على ناقة لم يبق منه إلا الخيال، فسلم علي فرددت عليه السلام ورحبت به، فقال: أتعرفني؟ فقلت: وما أنكرك بسوء. فقال: أنا صاحب الكتابين. فانكببت عليه فقلت له: يا أخي لقد غمني أمرك وأقلقني كتمانك لنفسك ووهبت لك طلبك ومائة دينار. فقال: بارك الله لك إنما أتيتك مستحلاً من نظر كنت أنظره على غير حكم الكتاب والسنة. فقلت: غفر الله لك وللجارية فسر معي إلى منزلي لأسلمها إليك ومائة دينار مثلها في كل سنة. فقال: لا حاجة لي بذلك. فألححت عليه فلم يفعل. فقلت له: أما إذا أبيت فعرفني من هي من جواري لأكرمها من أجلك ما حييت. فقال: ما كنت لأسميها لأحد. وودعني وانصرف وكان آخر العهد به. انتهى.