الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معاوية وميسون الكلبية
ولما اتصلت ميسون بنت بحدل بمعاوية رضي الله عنه ونقلها من البدو إلى الشام كانت تكثر الحنين على ناسها والتذكر لمسقط رأسها، فاستمع عليها ذات يوم فسمعها تنشد وتقول:
لبيت تخفق الأرواح فيه
…
أحب إلي من قصر منيف
وأكل كسيرة في كسر بيتي
…
أحب إلي من أكل الرغيف
وأصوات الرياح بكل فجٍ
…
أحب إلي من نقر الدفوف
ولبس عباءة وتقر عيني
…
أحب إلي من لبس الشفوف
وكلب ينبح الطراق حولي
…
أحب إلي من قط ألوف
وبكر يتبع الأظعان صعبٌ
…
أحب إلي من بغل زفوف
وخرق من بني عمي نحيفٌ
…
أحب إلي من علج عنيف
قال الراوي: فلما سمع معاوية الأبيات قال: ما رضيت ابنة بحدل حتى جعلتني علجاً عنيفاً.
ملك فارس والبوم الواعظ له
حكاية أجنبية عن المقام. يحكى أن بهراماً لما ولي الملك بعد أبيه، أقبل على اللهو واللذات والتنزه والصيد، لا يفكر في ملكه ولا في رعيته حتى خرجت البلاد عن يده وخربت في أيامه وقلت العمارة وخلت بيوت الأموال. فلما كان في بعض الأيام ركب إلى بعض منازهه وصيده، وهو يسير نحو المدائن، وكانت ليلة مقمرة، فدعا بالموبذان، وهو عند المجوس كحاخام عند اليهود والقسيس عند النصارى، لأمر خطر بباله فجعل يحادثه فتوسطا في سيرهما بين خرابات كانت من أمهات الضياع قد خربت في مدة ملكه لا أنيس فيها إلا البوم، وإذا ببوم يصيح وصاحبته تجاوبه من تلك الخرابات، فقال بهرام: أترى أن أحداً من الناس أعطي فهم لغة هذا الطائر المصوت في الليل البهيم؟ فقال الموبذان: أيها الملك، أنا ممن خصه الله بذلك.
قال: فما يقول هذا الطائر وما يقول الطائر الآخر؟ فقال الموبذان: هذا بوم ذكر يخطب بومة ويقول لها: متعيني بنفسك حتى يخرج من بيننا أولاد يسبحون الله ويبقى لنا في هذا العالم عقب يكثرون الترحم علينا. فأجابت: أن الذي تدعونني إليه لي فيه الحظ الأكبر والنصيب الأوفر في العاجل والآجل إلا أني أشترط عليك خصالاً إن أعطيتها أجبتك إلى ذلك.
فقال لها الذكر: وما تطلبينه مني؟ قالت: أن تعطيني من خرابات أمهات الضياع عشرين قرية مما خربت في أيام هذا الملك السعيد.
فقال له الملك فما الذي قال لها الذكر؟ قال الموبذان: كان من قوله لها إن دامت أيام هذا الملك السعيد قطعك منها ألف قرية خراب، فما تصنعين بها؟ قالت: في اجتماعنا يحصل ظهور النسل وكثرة الذكر، فنقطع لكل ولد من أولادنا ضيعة من هذه الخرابات.
فقال لها الذكر: هذا أسهل أمر سألتنيه، وأنا مليء بذلك ما حيى هذا الملك.
فلما سمع الكلام من الموبذان تأثر في نفسه واستيقظ من نومه وفكر فيما خوطب به فنزل من ساعته ونزل بنزوله الناس وخلا بالموبذان، فقال: أيها القائم بأمر الدين الناصح للملك والمنبه له عما أغفله من أمور ملكه وإضاعة بلاده ورعيته، ما هذا الكلام الذي خاطبتني به فقد حركت مني ما كان ساكناً.
فقال الموبذان: صادفت من الملك السعيد وقت سعد العباد والبلاد فجعلت الكلام مثلاً وموعظة على لسان الطائر عند سؤال الملك إياي عما سأل.
فقال له الملك: أيها الناصح، اكشف لي عن هذا الغرض، ما المراد منه؟ فقال: أيها الملك، إن الأمر لا يتم إلا بالشريعة والقيام لله بطاعته ولا قوام للشريعة إلا بالملك ولا عز للملك إلا بالرجال، ولا قوام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل للمال إلا بالعمارة، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل، وهو الميزان المنصوب بين الخليقة، نصبه الرب، جل وعلا وجعل له قيماً وهو الملك.
فقال الملك: أما ما وصفت فحق فأين لي عما إليه تقصد وأوضح لي في البيان.
قال: نعم أيها الملك، إنك عمدت إلى الضياع فأقطعتها الخدم وأهل البطالة فعمدوا إلى ما تعجل من غلاتها فاستعجلوا المنفعة وتركوا العمارة والنظر في العواقب وما يصلح الضياع، وسومحوا في الخراج لقربهم من الملك، ووقع الحيف على الرعية وعمار الضياع،