الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتةً، أصلح الله القاضي، فرجعت إلى زوجي فما اعتدائي عليها.
فقالت العجوز: أنا فعلت مرة، وفعلت مرة بعد أخرى.
فقلت: إن الله لم يوقت في هذا وقتاً، وقد قال تعالى:" ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ". فواحدة بواحدة والبادي أظلم.
فقال القاضي: إن زوج العمة لم يكن له أن يتزوج ابنة أخيها وهي في عدته؛ فأرادت العجوز أن تتولى التفريق بينه وبينها استيفاء لها ومجازاة لها على فعلها، فقلت لها: قد فرقت بينكما، قومي إلى منزلك، انتهى.
الأمير الأموي وملك النوبة
وذكر المنصور يوماً في مجلسه زوال ملك بني أمية وما جرى عليهم، وأنهم عاشوا سعداء وماتوا فقراء، فقال له إسماعيل بن علي الهاشمي: إن عبد الله بن مروان بن محمد في حبسك، وله قصة مع ملك النوبة. فأحضره واسأله عنها. فأحضره، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
فقال المنصور: رد السلام أمن ولم تسمح نفسي بذلك، ولكن اقعد! فقعد، فقال: ما قصتك مع ملك النوبة؟
فقال: يا أمير المؤمنين، كنت ولي عهد أبي فلما طلبتنا دعوت عشرة من غلماني ودفعت لكل واحد ألف دينار وأوسقت خمس بغال وشددت في وسطي جوهراً له قيمة عظيمة وخرجت هارباً إلى بلاد النوبة، فلما قربنا بعثت غلاماً لي، فقلت له: امض إلى هذا الملك وأقرئه السلام وخذ لنا منه الأمان وابتغ لنا ميرة. فمضى وأبطأ حتى أسأت به الظن، ثم أقبل ومعه رجل فدخل وسلم وقال: الملك يقرئك السلام ويقول لك: من أنت وما جاء بك إلى بلادي؟ أمحارب، أم راغب في ديني، أم مستجير بي؟ فقلت له: رد على الملك، ما أنا بمحارب ولا راغب في دينك ولا ممن يبتغي بدينه بدلاً بل مستجير به.
فذهب الرسول ورجع إلي وقال: الملك يقول لك إني أجيء إليك غداً فلا تحدث نفسك حدثاً ولا شيئاً من الميرة.
فقلت لأصحابي: افرشوا الفراش، ففرش لي وجلست من الغد أرقبه، وإذا هو قد أقبل وعليه بردان قد ائتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، حافي الرجلين، ومعه عشرة معهم الحراب: ثلاثة يقدمونه وسبعة خلفه، فاستصغرت أمره وسولت لي نفسي قتله، فلما قرب إذا سواد عظيم، قلت: ما هذا؟ قالوا: الخيل. فوافى بها عشرة آلاف عنان، ووافت الخيل عند دخوله فأحدقوا بنا، فلما دخل جلس على الأرض، قال: فقلت لترجمانه: لِمَ لمْ يقعد على الموضع الذي وطئ له؟ فسأله، فقال: قل له إنه ملك وكل ملك حقه أن يكون متواضعاً لله وعظمته إذ رفعه الله على عباده.
ثم نكت بإصبعه الأرض طويلاً ورفع رأسه وقال: قل له كيف سلبتم هذا الملك، فأخذ منكم وأنتم أقرب الناس إلى نبيكم؟ فقلت: جاء من هو أقرب منا قرابة إليه، فسلبنا وغلبنا وطردنا فخرجت إليك مستجيراً بالله، ثم بك.
قال: فلم كنتم تشربون الخمر وهو محرم عليكم؟ قلت: فعل ذلك عبيد وأعاجم دخلوا في ديننا وفي ملكنا من غير رأينا.
قال: فلم تركبون على الديباج وعلى خيولكم سروج الذهب والفضة وهي محرمة عليكم؟ قلت: فعل ذلك عبيد وأعاجم دخلوا في ديننا وفي ملكنا بغير رأينا.
قال: فلم كنتم إذا خرجتم إلى الصيد مررتم على القرى وكلفتم أهلها ما لا طاقة لهم به بالضرب والإهانة ولا يقنعكم ذلك حتى تحطموا زرعهم في طلب دراج قيمته نصف درهم، والتكليف والعناء محرم عليكم؟ قلت: فعل ذلك عبيد وغلمان وأتباع.
قال: لا! ولكنكم استحللتم ما حرم الله عليكم وأتيتم ما نهاكم الله عنه فسلبكم العز وألبسكم الذل ونصر أعداءكم عليكم، ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها بعد، وإني أخاف أن تنزل بك النقمة إذ كنت من الظلمة فتشملني معك، فإن النقمة إذا نزلت شملت، فاخرج بعد ثلاث، فإن وجدتك بعدها أخذت ما معك وقتلتك ومن معك.
ثم وثب قائماً وخرج وقمت ثلاثاً ورجعت إلى مصر فأخذني عاملك وبعث بي إليك، وها أنا ذا والموت أحب إلي من الحياة.
فرق له المنصور وهم بإطلاقه، فقال له إسماعيل بن علي: في عنقي بيعة هذا.
قال: فما ترى؟ قال: ينزل في دار من دورنا ويجري عليه ما يجري على مثله.
ففعل به ذلك، انتهى.