الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال له عبد الملك: يا فتى ما حملك على ما فعلت؟ أستخفافاً بنا أم هوى للجارية؟ فقال: وحقك يا أمير المؤمنين، وعظيم قدرك، ما هو إلا هوى للجارية.
فقال: هي لك بما أعد لها.
فأخذ الغلام الجارية بكل ما أعد لها أمير المؤمنين من الحلي والجمان وسار بها فرحاً مسروراً حتى إذا كانا ببعض الطريق نزلا منزلاً ليلاً فتعانقا. فلما أصبح الصباح وأراد الناس الرحيل، نبهوهما فوجدا ميتين. فبكوا عليهما ودفنوهما في الطريق. ومضى خبرهما إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فبكى عليهما وتعجب من ذلك.
شجرة العروسين
وهذه حكاية تشابهها في العشق. حكي عن عبد الله بن معمر القيسي أنه قال: حججت سنةً إلى بيت الله الحرام، فلما قضيت حجي عدت لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما أنا ذات ليلة جالس بين القبر والروضة إذ سمعت أنيناً عالياً وحنيناً بادياً، فأنصت إليه، فإذا هو يقول هذه الأبيات:
أشجاك نوح حمائم السدر
…
فأهجن منك بلابل الصدر؟
أم عز نومك ذكر غانية
…
أهدت إليك وساوس الفكر
يا ليلة طالت على دنف
…
يشكو الغرام وقلة الصبر
أسلمت من يهوى لحر جوى
…
متوقد كتوقد الجمر
فالبدر يشهد أنني كلف
…
مغرى بحب شبيهة البدر
ما كنت أحسبني بها شجناً
…
حتى بليت وكنت لا أدري
قال: ثم انقطع الصوت ولم أدر من أين جاءني فبقيت حائراً، وإذا به قد أعاد البكاء والحنين وأنشأ يقول هذه الأبيات:
أشجاك من ريا خيال زائر
…
والليل مسود الذوائب عاكر
واقتاد مقلتك الهوى برسيسه
…
واهتاج مقلتك الخيال الزاهر
ناديت ليلى، والظلام كأنه
…
يم تلاطم فيه موج زاخر
والبدر يسري في السماء كأنه
…
مالك ترحل، والنجوم عساكر
يا ليل! طلت على محب ما له
…
إلا الصباح مساعد وموازر
فأجابني: مت حتف أنفك واعلمن
…
أن الهوى لهو الهوان الحاضر
قال: فنهضت عند ابتدائه الأبيات أؤم الصوت فما انتهى لآخر الأبيات إلا وأنا عنده، فرأيت غلاماً ما سال عذاره، وقد خرج الدمع وجنتيه خرقين، فقلت: نعمت غلاماً! فقال: وأنت، فمن الرجل؟ قلت: عبد الله بن معمر القيسي.
قال: أفلك حاجة؟ قلت له: كنت جالساً في الروضة، فما راعني في هذه الليلة إلا صوتك فبنفسي أفديك، ما الذي تجده؟ قال: اجلس! فجلست، أنا عتبة بن الخباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري، غدوت إلى مسجد الأخراب فبقيت راكعاً وساجداً ثم اعتزلت غير بعيد، فإذا بنسوة يتهادين كالأقمار، وفي وسطهن جارية بديعة الجمال كاملة الملاحة فوقفت علي، وقالت: يا عتبة، ما تقول في وصل من يطلب وصلك؟ ثم تركتني وذهبت. فلم أسمع لها خبراً ولا وقفت لها على أثر. فأنا حيران أتنقل من مكان إلى مكان.
ثم صرخ وانكب على الأرض مغشياً عليه، ثم أفاق كأنما صبغت ديباجتا خديه بورس ثم أنشد يقول هذه الأبيات:
أراكم بقلبي من بلاد بعيدة
…
تراكم تروني بالقلوب على بعد
فؤادي وطرفي يأسفان عليكم
…
وعندكم روحي وذكركم عندي
ولست ألذ العيش حتى أراكم
…
ولو كنت في الفردوس أو جنة الخلد
قال: فقلت له: يا ابن أخي تب إلى ربك واستقل من ذنبك، فإن بين يديك هول المطلع.
فقال: هيهات ما أنا بسال حتى يثوب القارظان.
ولم أزل به حتى طلع الفجر، فقلت: قم بنا إلى مسجد الأخراب، فقمنا إليه فجلسنا حتى صلينا الظهر، وإذا بنسوة قد أقبلن وأما الجارية فليست فيهن فقلن: يا عتبة ما ظنك بطالبة وصلك وكاشفة ما بك؟ قال: وما بالها قلن: أخذها أبوها وارتحل إلى السماوة. فسألتهن على الجارية فقلن: هي ريا بنت الغطريف السلمي، فرفع رأسه وأنشأ يقول:
خليلي! ريا قد أجد بكورها
…
وسار إلى أرض السماوة عيرها
خليليّ! إني قد عييت عن البكا
…
فهل عند غيري عبرة أستعيرها؟
فقلت له: يا عتبة إني وردت بمال جزيل أريد به أهل الستر، ووالله لأبذلنه أمامك حتى تبلغ رضاك وفوق الرضا. قم بنا إلى مسجد الأنصار، فقمنا حتى أشرفنا على مائهم فسلمت فأحسنوا الرد ثم قلت: أيها الملأ، ما تقولون في عتبة وأبيه؟ قالوا: من سادات العرب، قلت: فإنه رمي بداهية من الهوى فأريد منكم المساعدة إلى السماوة، قالوا: سمعاً وطاعة.
وركبنا وركب القوم معنا حتى أشرفنا على منازل بني سليم فأعلم الغطريف بمكاننا فخرج مبادراً واستقبلنا وقال: حييتم يا كرام! قلنا: وأنت حييت، إنا لك أضياف، فقال: نزلتم بأكرم منزل.
ثم نادى: يا معشر العبيد انزلوا. فنزلت العبيد ففرشت الأنطاع والنمارق وذبحت النعم والغنم. فقلنا: لسنا بذائقين طعامك حتى تقضي حاجتنا. قال: وما حاجتكم؟ قلنا: نخطب ابنتك الكريمة لعتبة بن الخباب بن المنذر العالي الفخر الطيب العنصر. فقال: يا أخي إن التي تخطبونها أمرها إلى نفسها، وأنا أدخل وأخبرها.
ثم نهض مغضباً ودخل إلى ريا فقالت: يا أبتي! ما لي أرى الغضب بين عينيك؟ فقال: ورد علي قوم من الأنصار يخطبونك مني. فقالت: سادات كرام استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم فلمن الخطبة فيهم؟ قال: لفتى يعرف بعتبة بن الخباب، قالت: سمعت عن عتبة هذا أنه يقي بما وعد ويدرك ما طلب. قال: أقسمت لا أزوجك به أبداً فقد نمى إلي بعض حديثك معه. قالت: ما كان ذلك؟ قال: ولكن أقسمت أني ما أزوجك به. قالت: أحسن إليهم فإن الأنصار لا يردون رداً قبيحاً، فأحسن الرد. قال: بأي شيء؟ قالت: أغلظ عليهم المهر فإنهم يرجعون. قال: ما أحسن ما قلت.
ثم خرج مبادراً. فقال: إن فتاة الحي قد أجابت ولكن أريد لها مهر مثلها، فمن القائم به؟ قال عبد الله فقلت: أنا! فقال: أريد لها ألف سوار من ذهب أحمر، وخمسة آلاف درهم من ضرب هجر، ومائة ثوب من الأبراد والحبر، وخمسة أكرشة من العنبر.
قال قلت: لك ذلك، فهل أجبت؟ قال: أجل.