الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم
…
أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم
…
ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت
…
والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
لا ينقص العسر بسطاً من أكفهم
…
سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم
…
في كل بدء ومختوم به الكلم
يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم
…
خلق كريم وأيد بالندى هضم
أي الخلائق ليست في رقابهم
…
لأولية هذا أوله نعم
من يعرف الله يعرف أولية ذا
…
فالدين من بيت هذا ناله الأمم
فلما سمع هشام ذلك غضب وحبس الفرزدق، فأنفذ له زين العابدين رضي الله عنه، اثني عشر ألف درهم، فردها وقال: مدحته لله لا للعطاء والصلات. فقال زين العابدين: إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئاً لا نعود فيه. فقبلها الفرزدق، انتهى.
هشام والغلام الفصيح
مما يحكى أن هشام بن عبد الملك كان ذات يوم في صيده وقنصه إذ نظر إلى ظبي تتبعه الكلاب فتبعته وأحالته إلى خباء أعرابي يرعى غنماً، فقال هشام: يا صبي دونك هذا الظبي فأتني به.
فرفع الصبي رأسه إليه وقال له: يا جاهل بقدر الأخيار لقد نظرت إلي باستصغار وكلمتني باحتقار فكلامك كلام جبار وفعلك فعل حمار.
فقال هشام: يا صبي، ونيلك ما تعرفني؟ فقال: قد عرفني بك سوء أدبك إذ بدأتني بكلامك قبل سلامك.
فقال: ويلك أنا هشام بن عبد الملك.
فقال له الأعرابي: لا قرب دارك ولا حيي مزارك، ما أكثر كلامك وأقل إكرامك.
فما استتم حتى أحدقت به الجيوش من كل جانب، كل منهم يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال هشام: أقصروا الكلام واحفظوا الغلام.
فقبضوا عليه ورجع هشام إلى قصره وجلس في مجلسه وقال: علي بالغلام البدوي، فأتي به.
فلما رأى الغلام كثرة الغلمان والحجاب والوزراء والكتاب وأبناء الدولة وأرباب الصولة لم يكترث بهم ولم يسأل عنهم بل جعل ذقنه على صدره وجعل ينظر حيث تقع قدماه إلى أن وصل إلى هشام فوقف بين يديه، ونكس رأسه إلى الأرض، وسكت وامتنع من الكلام.
فقال بعض الخدام: يا كلب العرب! ما منعك أن تسلم على أمير المؤمنين؟ فالتفت إليه مغضباً وقال: يا برذعة الحمار، منعني من ذلك طول الطريق ونهز الدرجة والتعويق.
فقال هشام وقد تزايد به الغضب: يا صبي قد حضرت في يوم حضر فيه أجلك وخاب فيه أملك وانصرم فيه عمرك.
فقال له الصبي: والله يا هشام لئن كان في المدة تأخير ما ضرني من كلامك لا قليل ولا كثير.
فقال له الحاجب: بلغ من أمرك ومحلك يا أخس العرب أن تتخاطب أمير المؤمنين كلمة بكلمة.
فقال له مسرعاً: لقيك الخذل ولامك الويل والهبل: ما سمعت ما قال الله تعالى: " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ". فإذا كان الله يجادل جدالاً فمن هشام حتى لا يخاطب خطاباً؟ فعند ذلك قام هشام واغتاظ غيظاً شديداً، وقال: يا سياف علي برأس هذا الغلام فقد أكثر الكلام فيما لا يخطر على الأوهام.
فقام السياف وأخذ الغلام وأبركه في نطع الدم. سل سيف النقمة على رأسه. وقال: يا أمير المؤمنين، عبدك المدل بنفسه المتقلب في رمسه، أأضرب عنقه، وأنا بريء من دمه؟ قال: نعم.
فاستأذنه ثانية فأذن له ثم استأذنه ثالثة فهم أن يأذن له فضحك الصبي حتى بدت نواجذه، فازداد منه تعجباً وقال: يا صبي أظنك معتوهاً. ترى أنك مفارق الدنيا ومزايل الحياة وأنت تضحك هزأ بنفسك؟ فقال: يا أمير المؤمنين لئن كان في المدة تأخير ولم يكن في الأجل تقصير ما ضرني منك قليل ولا كثير، ولكن أبيات حضرت الساعة فاسمعها، فقتلي لا يفوت فكثر الصموت.