الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عندي، فطلبت مني، فحضرت وقد تغير لوني فأحضرتها بين يدي الملك الناصر، والرسول فقلت: هذه أسلمت وصارت امرأتي.
فقال الملك الناصر بحضرة الرسول: أترجعين إلى بلادك أو إلى زوجك، فقد فككنا أسرك وأسر غيرك.
فقالت: يا مولانا السلطان! أنا قد أسلمت وحملت وها بطني كما ترونه، وليس لي رغبة في الرجوع إلى بلادي وما رغبتي إلا في الإسلام وزوجي.
فقال لها الرسول: أيما أحب إليك، هذا المسلم أو زوجك الإفرنجي؟ فأعادت عبارتها الأولى، فقال الرسول لمن معه من الإفرنج: اسمعوا كلامها. ثم قال الرسول: خذ زوجتك وتوجه. فوليت بها فطلبني ثانياً وقال: إن أمها أرسلت معي كسوة وقالت: إن ابنتي أسيرة وأشتهي أن توصل لها هذه الكسوة.
فتسلمت الكسوة ومضيت إلى الدار ففتحت القماش، فإذا هو قماشها بعينه قد صيرته لها أمها، ووجدت من داخلة الصرتين، الذهب الخمسين ديناراً والمائة ديناراً، كما هي بربطتي لم يتغيروا، وهؤلاء الأولاد منها، وهي التي صنعت لكم هذا الطعام والله أعلم.
إن من البيان لسحراً
يحكى أن بعض الملوك أرسل رجلاً من بطانته إلى بعض الجهات ليعرف خبر عاملها، ويطالعه بأخبار الرعية، فلما وصل الرجل فطن له العامل، فأرسل إليه بمال وتحف ثم قال: عرفت ما جئت له، وأنا أرغب إليك في كتاب تكتبه إلى الملك تذكر فيه أني حسن السيرة، وسالك طريق العدل، فإن أنت فعلت ذلك فلك مني ما تشتهي رغبتك إليه من الخير والعطاء، وإن أبيت ذلك أمرت الشرطيين أن ينهوا إلي من أمرك في الملإ ما يوجب قتلك إما حداً وإما سياسة، فأقتلك بمحضر من قاضي البلد ووجوه الناس، فتذهب كأمس الماضي.
فلما لم يجد الرجل بداً من موافقته ولم يكن ليخون مرسله كتب بحضرته كتاباً إلى الملك.
أما بعد، أعز الله الملك وأكرمه، فإني قدمت إلى مدينة كذا وكذا فوجدت العامل فلاناً آخذاً بالحزم عاملاً بالعزم، قد ساوى بين رعيته، وعدل بينهم في أقضيته، وأرضى
بعضهم بعضاً، وجعل طاعته عليهم فرضاً وأنزلهم منزلة الأولاد، وأذهب ما بينهم من الأحقاد، وأراحهم من السعي في الدنيا وفرغهم للعمل في الأخرى، أغنى القاصد وأرضى الوارد، فجميع أهل عمله داعون للملك يودون النظر إلى وجهه الكريم والسلام.
فلما وصل الكتاب منه إلى الملك فكر فيه وقال لوزيره: إن فلاناً لم يكن عندي بمتهم، فإن كتابه هذا يدل على ظلم العامل، فالتمس لي رجلاً يصلح لعمله، فإني قد عزلته.
فقال الوزير: أصلح الله الملك، وكيف ذلك؟ قال: لأن قوله آخذاً بالحزم عاملاً بالعزم أي أنه خائف مني لما اعتمده في الولاية، وأما قوله ساوى بين رعيته وعدل بينهم في أقضيته، فمعناه أنه لم يخص أحداً بظلمه بل الجميع سواء، وقوله: وأرضى بعضهم بعضاً: أي ذهبت أحقادهم لأن الشدائد تذهب الأحقاد، وقوله: أنزلهم منزلة الأولاد، معناه أخذ أموالهم ورأى أنها له أخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم:" أنت ومالك لأبيك ". وقوله: وأراحهم من السعي في الدنيا، معناه أنه أخذ أموالهم ولم يترك لهم ما يسعون به ولا ما به يتجرون. وقوله: فرغهم للعمل في الأخرى، معناه أنهم لزموا المساجد والعبادة لفقرهم. وقوله: أغنى القاصد وأرضى الوارد فإنه يعني نفسه، أي أنه أعطاه مالاً ليكتب إلي بذلك. وأما قوله: فجميع أهل عمله داعون لنا، معناه أن يبصرنا الله بأمرهم، ونطلع على ما هم فيه. وقوله: يودون النظر لوجهنا أي يشكون إلينا ما لقوه منه ويستغيثون بنا.
ثم إن الملك طلب العامل وأحضره إلى بابه وأنصف الناس منه ورد عليهم ما كان العامل ظلمهم فيه واقتص منه فيما عليه فيه القصاص، وقابله على فعله والله أعلم.