الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرشيد وجارية جعفر
ويحكى أن جعفراً البرمكي نادم الرشيد ليلة، فقال: يا جعفر بلغني أنك اشتريت الجارية الفلانية، ولي مدة أطلبها، فإنها بديعة الجمال، ولي شوق زائد إليها فبعنيها.
قال: ليس علي فيها بيع.
قال: هبنيها.
قال: ولا أهبها.
فقال الرشيد: زبيدة طالق مني ثلاثاً إن لم تبعنيها أو تهبنيها.
وقال جعفر: زوجتي طالق مني ثلاثاً إن بعتها أو وهبتها.
ثم أفاقا من نشوتهما وعلما أنهما وقعا في أمر عظيم وعجزا عن تدبير الحيلة فقال الرشيد: هذه واقعة ليس لها غير أبي يوسف، فاطلبوه، فكان قد انتصف الليل. فلما طلب قام فزعاً وقال: ما طلبت في هذا الوقت إلا لأمر حدث في الإسلام.
ثم خرج مسرعاً وركب بغلته وقال لغلامه: اصحب معك المخلاة، واجعل فيها بعض شعير، فإذا دخلنا دار الخلافة ودخلت فضع بين يدي الدابة شيئاً منه تشتغل به إلى حين خروجي، فإنها لم تستوف علفها في هذه الليلة.
فقال: سمعاً وطاعةً.
فلما دخل على الرشيد قام له وأجلسه على سريره بجانبه وكان لا يجلس معه غيره، وقال له: ما طلبناك إلا لأمر مهم، وهو كذا وكذا، وقد عجزنا عن تدبير الحيلة.
فقال: يا أمير المؤمنين، هذا من أسهل ما يكون. يا جعفر! بع أمير المؤمنين نصفها وهبه نصفها تبرأ من يمينكما.
فسر بذلك أمير المؤمنين وفعلا، فقال الرشيد: أحضر الجارية في هذا الوقت فإني شديد الشوق إليها.
فأحضرت، فقال القاضي أبي يوسف: أريد وطأها في هذا الوقت، ولا أطيق الصبر إلى مضي مدة الاستبراء، انظر لي الحيلة في ذلك؟ فقال أبو يوسف: ائتوني بمملوك من مماليك أمير المؤمنين الذين لم يجر عليهم العتق.
فأحضر مملوك، فقال أبو يوسف: يا أمير المؤمنين، إئذن لي أن أزوجها منه، ثم يطلقها قبل الدخول فيحل وطؤها في الحال من غير استبراء.
فأعجب الرشيد ذلك أكثر من الأول، فقال: أذنت لك.
فأوجب القاضي النكاح، ثم قبله المملوك، فقال له القاضي طلقها.
فقال له: هذه صارت لي زوجة وأنا لا أطلقها.
فردد عليه القول فأبى وضاق صدر الخليفة لذلك، وقال: قد اشتد الأمر أعظم مما كان.
فقال القاضي أبو يوسف: يا أمير المؤمنين رغبه بالمال.
فقال: طلقها ولك مائة دينار.
قال: لا أفعل.
قال: مائتا دينار.
قال: لا أفعل.
إلى أن عرضوا عليه ألف دينار وهو يمتنع، وقال القاضي: الطلاق بيدي أم بيد أمير المؤمنين أم بيدك؟ قال: بل بيدك أنت.
قال: والله لا أفعل أبداً.
فاشتد غضب أمير المؤمنين، فقال القاضي: يا أمير المؤمنين لا تجزع فإن الأمر هين اعتق الجارية، ثم ملك هذا العبد للجارية؟ قال: أعتقتها وملكته لها.
فقال لها القاضي: قولي قبلت؟ فقالت: قبلت.
فقال القاضي: حكمت بالتفريق بينكما لأنه دخل في ملكها فانفسخ النكاح.
فقام أمير المؤمنين على قدميه، وقال: مثلك من يكون قاضياً في زماني. وستدعى بأطباق الذهب فأفرغت بين يديه، وقال للقاضي: هل معك شيء توعيه؟ فتذكر مخلاة البغلة. فاستدعى بها، فملئت له ذهباً، فأخذها وانصرف. فلما أصبح قال لخلانه: انظروا إلى من علم العلم فليتعلمه كذلك، فإني أعطيت هذا المال العظيم في مسألتين أو ثلاث.
فانظر أيها المتأدب إلى لطف هذه الواقعة فإنها اشتملت على محاسن منها إدلال الوزير على قلب أمير المؤمنين وحلم الخليفة، وزيادة علم القاضي فرحم الله أرواحهم أجمعين.