الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجئت بذلك إلى منزلي، وركبت من وقتي إلى المأمون فلما رآني قال: يا أبا إسحاق ويحك، أين كنت؟
فأخبرته الخبر فقال: علي بالرجل الساعة. فدللتهم على موضعه، فأحضره وسأله المأمون فأخبره بالقصة، فقال: أنت ذو مروءة، وسبيلك أن تعان عليها وأمر له بمائة ألف، وقال له: لا تعاشر ذلك النذل المعربد.
يزيد والأحوص بن جعفر
ومن كلام الأحوص في حضرة يزيد، غنته جارية بين يديه:
إذا رمت عنها سلوة قال شافعٌ
…
من الحب ميعاد السلو المقابر
ستبقى لها في مضمر القلب والحشا
…
سريرة ود، يوم تبلى السرائر
فطرب يزيد وقال: لمن الشعر؟ قالت: لا أدري.
قال: ابعثوا إلى الزهري، وكان قد ذهب من الليل شطره فأتي به فلما صعد إليه قال: لا بأس عليك، لن ندعوك إلا لخير، فجلس وسأله عن قائل هذا الشعر؟ فقال الأحوص.
قال: ما فعل به؟ قال: قد طال حبسه، فأمر بتخلية سبيله، وأن يدفع له أربعمائة دينار، ثم قدم عليه بعد ذلك فأجازه وأحسن إليه إحساناً جزيلاً، وكانت المغنية جارية يزيد بن عبد الملك.
الرشيد في منزل إبراهيم الموصلي
وحكى مسرور الخادم أن الرشيد قصد الركوب في غير عادته، فقلت له: أين تريد يا أمير المؤمنين في هذا الوقت؟ قال: إلى منزل إبراهيم الموصلي.
قال: فمضى حتى انتهى إلى منزل إبراهيم الموصلي، فخرج وتلقاه وقبل حافر حماره، وقال: يا أمير المؤمنين في مثل هذه الساعة تظهر؟ قال: نعم، شوق طرق بي إليك. ثم نزل وجلس في طرف الإيوان وأجلس إبراهيم، فقال له إبراهيم: يا سيدي استنبطنا شيئاً نأكله قبل الشراب.
قال: نعم. فجاء بمطعوم كأنما كان معداً له، فأصاب منه يسيراً، ثم دعا بشراب حمل معه، فقال له الموصلي: يا سيدي أغنيك أم تغنيك إماؤك؟ قال: بل الجواري.
فخرجت جواري إبراهيم فأخذن صدر الإيوان وجانبيه، فقال إبراهيم: أيضربن كلهن أم واحدة واحدة؟ فقال: بل يضربن اثنتان اثنتان، وواحدة واحدة تغني.
قال: فضربن اثنتان وغنت واحدة منهن، فقالت:
إذا دعا باسمها داعٍ يحدثني
…
كادت لها مهجتي من حرها تقع
لو أن لي صبرها أو عندها جزعي
…
لكنت أعقل ما آتي وما أدع
لا أحمل اللوم فيها، والغرام بها
…
ما كلف الله نفساً غير ما تسع
ثم غنت أخرى، فقالت:
طرقتك زائرةٌ فحي خيالها
…
بيضاء تخلط بالجمال دلالها
هل يطمسون من السماء نجومها
…
بأكفهم أو يطمسون هلالها
شهدت من الأنفال آخر آيةٍ
…
فأردتموا بمحالكم إبطالها
ثم غنت أخرى، فقالت:
شطت سعاد وأضحى البين قد أبدا
…
وأورثتك سقاماً يصدع الكبدا
فما احتيالك في جد الرحيل بهم
…
وخلفوك غداة البين، منفردا
لا أستطيع لهم صبراًُ ولا جلداً
…
ولا تزال أحاديثي بهم جددا
قال: فقام حتى وصل إلى صدر الإيوان، وأخذ بجانبيه والرشيد يسمع ولا ينصت لشيء من غنائهن، إلى أن غنته صبية من صدر الإيوان من حاشية الصفة هذين البيتين لأبي نواس:
يا موري الزند قد أعيت قوادحه
…
أقبس بما شئت من قلبي بمقباس
ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم
…
إذا نظرت فلم أنظرك في الناس
فطرب الرشيد لغنائهما واستعاد الصوت مراراً وشرب أرطالاً، وسأل الجارية عن صانعه، فأمسكت فاستدناها، فتقاعست، فأمر بها، فأقبلت بين يديه، فأخبرته بشيء أسرته إليه، فدعا بحماره فركبه، ثم التفت إلى إبراهيم الموصلي، فقال له: ما ضرك أن تكون خليفة.
فكادت روحه تخرج حتى دعاه بعد ذلك وأدناه. قال: وكان الذي أخبرته به سراً أن الصنعة في الصوت لأخته علية بنت المهدي، وكانت الجارية لها، فوجهتها إلى إبراهيم الموصلي يطارحها، ومن قول أبي نواس:
دع عنك لومي فإن اللومَ إغراءُ
…
وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
…
لو مسها حجر مسته سراء
من كف ذات حر في زي ذي ذكر
…
لها محبان لواطٌ وزناءُ
قامت بإبريقها، والليل معتكرٌ
…
فلاح من وجهها في البيت لألاء
أرسلت من فم الإبريقِ صافيةً
…
كأنما أخذُها بالعين إغفاءُ
رقت عن الماء حتى ما يلائمها
…
لطافةً وجفا عن شكلها الماء
فلو مزجت بها نوراً لمازجها
…
حتى تَولد أنوارٌ وأضواءُ
دارت على فتية دان الزمان لهم
…
فما يُصيبهمو إلا بما شاؤوا
فقل لمن يدعي في العلم فلسفةً
…
حفظت شيئاً وغاب عنك أشياء
وقال الشاعر:
كعصفورةٍ في كف طفلٍ يهينها
…
تذوق مرار الموت، والطفل يلعب
فلا الطفل ذو عقل يرق لحالها
…
ولا الطيرُ مطلوق الجناحين يهرب