الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحجاج والمرأة الحرورية
قال الرواي: ولما ولي الحجاج العراق قال: علي بالمرأة الحرورية. فلما حضرت قال لها: كنت بالأمس في وقعة ابن الزبير تحرضين الناس على قتل رجالي ونهب أموالي؟ قالت: نعم. قد كان ذلك يا حجاج.
فلتفت الحجاج إلى وزرائه وقال: ما ترون في أمرها؟ فقالوا: عجل بقتلها.
فضحكت المرأة فاغتاظ الحجاج وقال: ما أضحكك؟ قالت: وزراء أخيك فرعون خير من وزرائك هؤلاء.
قال: وكيف ذلك؟ قالت: لأنه استشارهم في موسى فقالوا: " أرجه وأخاه "، أي أنظره إلى وقت آخر، وهؤلاء يسألونك تعجيل قتلي. فضحك الحجاج وأمر لها بعطاء وأطلقها.
الحجاج وهند بنت النعمان
وحكي أن هند بنت النعمان كانت أحسن نساء زمانها. فوصف للحجاج حسنها فخطبها وبذل لها مالاً جزيلاً وتزوج بها وشرط لها عليه بعد الصداق مائتي ألف درهم ودخل بها.
ثم أنها انحدرت معه إلى بلد أبيها المعرة. وكانت هند فصيحة أديبة، فأقام بها الحجاج بالمعرة مدة طويلة. ثم إن الحجاج رحل بها إلى العراق فأقامت معه ما شاء الله، ثم دخل عليها في بعض الأيام وهي تنظر في المرآة، وتقول:
وما هند إلا مهرةٌ عربيةٌ
…
سلالة أفراس تحللها بغل
فإن ولدت فحلاً فلله درها
…
وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل
فلما سمع الحجاج كلامها انصرف راجعاً ولم يدخل عليها. ولم تكن علمت به، فأراد الحجاج طلاقها، فأنفذ إليها عبد الله بن طاهر وأنفذ لها معه مائتي ألف درهم، وهي التي كانت لها عليه، وقال: يا ابن طاهر، طلقها بكلمتين، ولا تزد عليهما. فدخل عبد الله بن طاهر عليها فقال لها: يقول لك أبو محمد الحجاج كنت فبنت. وهذه المائتا ألف درهم التي كانت لك قبله.
فقالت: اعلم يا ابن طاهر، إنا والله كنا فما حمدنا، ثم بنا فما ندمنا وهذه المائتا ألف هي لك ببشارتك بخلاصي من كلب ثقيف.؟ ثم بعد ذلك بلغ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان خبرها، ووصف له جمالها، فأرسل إليها يخطبها لنفسه، فأرسلت إليه كتاباً تقول فيه بعد الثناء عليه: اعلم يا أمير المؤمنين، أن الكلب ولغ في الإناء. فلما قرأ عبد الملك بن مروان الكتاب ضحك من قولها، وكتب إليها يقول: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، إحداهن بالتراب، فغسل الإناء يحل الاستعمال.
فلما قرأ كتاب أمير المؤمنين، لم يمكنها المخالفة فكتبت إليه تقول: بعد الثناء عليه، اعلم يا أمير المؤمنين أني لا أجري العقد إلا بشرط، فإن قلت: ما الشرط؟ أقول: أن يقود الحجاج محملي من المعرة إلى بلدتك التي أنت فيها ويكون ماشياً حافياً بحليته التي كان فيها أولاً.
فلما قرأ ذلك الكتاب عبد الملك ضحك ضحكاً شديداً، وأرسل إلى الحجاج يأمره بذلك. فلما قرأ الحجاج رسالة أمير المؤمنين أجاب ولم يخالف وامتثل الأمر.
وأرسل الحجاج إلى هند يأمرها بالتجهز فتجهزت وسار الحجاج في موكبه حتى وصل إلى المعرة بلد هند. فركبت في محمل وركب حولها جواريها وخدمها فترجل الحجاج، وهو حاف، وأخذ بزمام البعير يقوده ويسير بها، فأخذت تهزأ منه وتضحك مع الهيفاء دابتها، ثم إنها قالت لدايتها: يا دايتي اكشفي لي ستارة المحمل لنشم رائحة النسيم! فكشفته فوقع وجهها في وجهه فضحكت عليه، فأنشد يقول:
فإن تضحكي يا هند يا رب ليلة
…
تركتك فيها كالقباء المفرج
فأجابته تقول:
وما نبالي إذا أرواحنا سلمت
…
بما فقدناه من مال ومن نشب
فالمال مكتسب والعز مرتجع
…
إذا النفوس وقاها الله من عطب
ولم تزل تلعب وتضحك إلى أن قربت من بلد الخليفة فلما قربت من البلد رمت من يدها ديناراً على الأرض وقالت: يا جمال! إنه سقط منا درهم فادفعه إلينا. فنظر الحجاج إلى الأرض فلم ير إلا ديناراً فقال: إنما هو دينار. فقالت: بل درهم. قال: بل دينار. فقالت: الحمد لله سقط منا درهم فعوضنا الله ديناراً. فخجل الحجاج وسكت ولم يرد جواباً ثم دخل بها على عبد الملك بن مروان فتزوج بها وكان من أمرها ما كان.