الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاقة المهدي
الرؤيا الصالحة
اسمه محمد بن المنصور، حدثنا داود بن رشيد، قال: قلت للهيثم بن علي بأي شيء استحق سعيد بن عبد الرحمن أن ولاه المهدي القضاء وأنزله منه تلك المنزلة الرفيعة؟ فقال: إن خبره باتصاله بالمهدي ظريف، فإن أحببت شرحته لك. قلت والله قد أحببت.
قال: اعلم أنه وافى الربيع الحاجب حين أفضت الخلافة إلى المهدي وقال له: استأذن لي على أمير المؤمنين، فقال له: من أنت وما حاجتك؟ قال: أنا رجل قد رأيت لأمير المؤمنين أعزه الله رؤيا صالحة، وقد أحببت أن تذكرني له، فقال الربيع: يا هذا، إن القوم لا يصدقون فيما يرونه لأنفسهم فكيف بما يراه لهم غيرهم، فاحتل بحيلة غير هذه، فقال: إن لم تخبره بمكاني سألت من يوصلني إليه وأخبره ني سألتك الإذن لي عليه فلم تفعل؟ فدخل الربيع على المهدي، فقال له: يا أمير المؤمنين، إنكم قد أطمعتم الناس في أنفسكم فقد احتالوا عليكم بكل ضرب.
فقال له المهدي: هكذا تصنع الملوك فماذا؟ قال: رجل بالباب يزعم أنه رأى لأمير المؤمنين أيده الله رؤيا حسنة، وقد أحب أن يقصها عليك.
فقال المهدي: يا ربيع، إني والله أرى الرؤيا لنفسي فلا تصح لي فكيف يمكن ادعاؤها ممن لعله قد افتعلها؟ قال: والله قلت له مثل هذا فلم يقبل.
قال: هات الرجل.
قال: فأدخل عليه سعيد وكان له رؤية وجمال ومروة ظاهرة ولحية عظيمة ولسان طلق، فقال له: ما رأيت بار الله فيك؟ قال: رأيت يا أمير المؤمنين آتياً أتاني في منامي فقال: أخبر أمير المؤمنين أنه يعيش ثلاثين سنة في الخلافة، وآية ذلك أنه يرى في ليلته الآتية في منامه كأنه يقلب يواقيت ثم يعدها فيجد ثلاثين ياقوتة كأنها قد وهبت له.
فقال المهدي: ما أحسن ما رأيت، ونحن نمتحن رؤياك في ليلتنا المقبلة على ما أخبرتنا: فإن كان الأمر على ما ذكرت أعطيناك فوق ما تريد، وإن كان الأمر بخلاف ذلك لم نعاقبك لعلمنا أن الرؤيا الصالحة ربما صدقت وربما اختلفت.
قال: يا أمير المؤمنين، فما أصنع أنا الساعة إذا صرت إلى منزلي وعيالي وأخبرتهم أني كنت عند أمير المؤمنين أكرمه الله، ثم رجعت صفر اليد؟ فقال له المهدي: فكيف نعمل؟ فقال: يعجل لي أمير المؤمنين أعزه الله تعالى ما أحب وما أحلف له بالطلاق إني قد صدقت.
فأمر له بعِشرة آلاف درهم وأمر بأن يؤخذ له كفيل ليحضر من غد ذلك اليوم فقبض المال وقال له: من يكفلك؟ فمد عينه إلى خادم حسن الوجه والزي وقال: هذا يكفلني.
فقال له المهدي: أكفله يا غلام؟
فاحمر وخجل، وقال: نعم يا أمير المؤمنين، فكفله وانصرف سعيد بن عبد الرحمن بالعشرة آلاف درهم. فلما كانت تلك الليلة رأى المهدي ما ذكره له سعيد حرفاً بحرف وأصبح سعيد فوافى الباب واستأذن، فأذن له. فلما وقعت عين المهدي عليه قال له: أين مصداق ما قلت لنا عليه؟ فقلت له: وما رأى أمير المؤمنين. فضحك في جوابه، فقال له: امرأتي طالق إن لم تكن رأيت شيئاً؟ فقال: لأني أحلف على صدق.
قال له المهدي: فقد والله رأيت ذلك مبيناً.
فقال سعيد: الله أ: بر، فأنجز لي يا أمير المؤمنين ما وعدتني.
قال: حباً وكرامة.
ثم أمر له بثلاثة آلاف دينار وعشر تخوت ثياب من كل صنف وثلاثة مراكب من أنفس دوابه محلاةً، فأخذ ذلك وانصرف فلحق به الخادم الذي كان كفله. وقال: سألتك بالله هل لهذه الرؤيا من أصل؟ فقال سعيد: لا والله.
فقال الخادم: كيف وقد رأى أمير المؤمنين ما ذكرته؟ قال: هذا من المخاريق التي لا أب لها، وذلك أني لما ألقيت هذا الكلام خطر بباله وحدث به نفسه وأسرى به قلبه واشتغل به فكره ففي ساعة نام خيل له ما حل في قلبه واشتغل به فكره فنام فرآه.
فقال له الخادم: قد حلفت بالطلاق.
قال: طلقة واحدة وبقيت معي على اثنتين وأزيد مهرها عشرة دراهم. وأتحصل على عشرة آلاف درهم وثلاثة آلاف دينار وعشرة تخوت من أصناف الثياب، وثلاثة مراكب فارهة.
فبهت الخادم وتعجب من ذلك. فقال له سعيد: قد صدقتك وجعلت ذلك مكافأتك على كفالتك فاستر علي.
ثم طلبه المهدي لمنادمته فنادمه وحظي عنده وقلده القضاء على العسكر. فلم يزل كذلك حتى مات. انتهى.