الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من البكارة، فارتاع وظن أنه يكون أتاها دم، فلم يجد وقام عنها وندم على ما كن منه وأخذ يقول:
وناهدة الثديين من خدم القصر
…
مرقرقة الخدين ليلية الشعر
كلفت بها دهراً حسن وجهها
…
طويلاً وما حب الكواعب من أمري
فما زلت بالأشعار حتى خدعتها
…
وروضتها، والشعر من خدع السحر
أطالبها شيئاً، فقالت بعبرة:
…
أموت به داءً ودمعتها تجري
فلما تعانقنا توسطت لجةً
…
غرقت بها يا قوم في لجج البحر
فصحت أغثني يا غلام، فجاءني
…
وقد زلقت رجلي ورحت إلى الصد
ولولا صياحي بالغلام وأنه
…
تداركني بالحبل رحت إلى القعر
فأقسمت عمري لا ركبت سفينة
…
ولا سرت طول الدهر إلى على الظهر
الشاعر المجنون
قال المبرد: صعدت من البصرة إلى بغداد، فمررت بدير العاقول فرأيت مجنوناً فيه. فلم أر قط أظرف منه ولا أحسن ثياباً، ويده الواحدة على صدره. فلما دنوت منه أنشأ يقول:
الله يعلم أنني كمدٌ
…
لا أستطيع أبث ما أجد
روحان لي: روح تملكها
…
بلد، وأخرى حازها بلد
وأرى الصبابة ليس ينفعها
…
صبر وليس لمثلها جلد
وأظن ظاعنتي كشاهدتي
…
بمكانها تجد الذي أجد
فقلت: أحسنت والله، لله درك يا مجنون. فأهوى لشيء يرميني به فبعدت عنه. فقال لي: أنشدتك ما تحبه واستحسنته. وتقول لي: يا مجنون، وتكون مع الزمان علي.
فقلت له: أخطأت.
فقال: إذن اعترفت بخطئك. ثم قال: أنشدك شعراً أيضاً؟ قلت: نعم.
فأنشأ يقول:
ما أقتل البين للمحب. وما
…
أوجع قلب المحب بالكمد
عرضت نفسي على البلاء لقد
…
أسرع في مهجتي وفي كبدي
يا حسرةً! إذ أبيت معتقلاً
…
بين اختلاج الهموم والسهد
فقلت: أحسنت والله زدنا، فقال:
إن فتشوني فمحرق الكبد
…
أو كشفوني فناحل الجسد
أضعف ما بي وزادني ألماً
…
أن لست أشكو النوى إلى أحد
فقلت: أحسنت والله زدنا.
فقال: يا فتى، أراك كلما أنشدتك بيتاً قلت زدنا، وما ذاك إلا لمفارقة حبيبٍ أو خل أريب، ثم قال: أحسبك أبا العباس المبرد. بالله ما هو أنت.
قلت: أنا ذلك فمن أين عرفتني؟ فقال: وهل يخفى القمر؟ ثم قال: يا أبا العباس، أنشدني من شعرك شيئاً تنتعش به روحي، فأنشدته قولي:
بكيت حتى بكى من رحمتي الطلل
…
ومن بكائي بكت أعداي إذ رحلوا
يا منزل الحي! أين الحي قد نزلوا؟
…
نفسي تساق إذا ما سيقت الإبل
أنعم صباحاً، سقاك الله من طلل
…
غيثاً وجاد عليك الوابل الهطل
سقياً لعهدهم والدار جامعة
…
والشمل ملتئم والحبل متصل
فطالما قد نعمنا والحبيب بها
…
والدهر يسعد والواشون قد غفلوا
قد غير الدهر ما قد كنت أعرفه
…
والدهر ذو دول بالناس ينتقل
بانوا فبان الذي قد كنت آمله
…
والبين أعظم ما يبلى به الرجل
فالشمل مفترق، والقلب محترق
…
والدمع منسكب، والركب مرتحل
كأن قلبي لما سار عيسهم
…
صب به دنف أو شارب ثمل
لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم
…
وثوروها وسارت بالهوى الإبل
وقلت من خلال السجف ناظرها
…
ترنوا لي، ودمع العين منهمل
يا حادي العيس! عرج بي أو دعهم
…
يا حادي العيس في ترحالك الأجل
إني وحقك لا أنس مودتهم
…
يا ليت شعري لطول العهد ما فعلوا؟
قال أبو العباس المبرد: فلما أتممت شعري. قال لي: ما فعلوا؟ قلت: ماتوا، فصاح صيحة عظيمة وخر مغشياً عليه، فحركته فوجدته قد مات. رحمة الله عليه. انتهى.