الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: فجئت إلى الباب واستأذنت وأعلمته، فأمر بنصب الستارة، وألقيت الصوت على الجارية مراراً حتى أحكمته، فقال لي: تقيم عندنا أو تنصرف؟
قلت: أنصرف أطال الله بقاء مولانا الوزير.
فقال: يا غلام، احمل معه عشرة آلاف، واحمل إلى إبراهيم مائة ألف.
فحملت مالي وأتيت إلى منزلي فنثرت على من عندي من الجواري دراهم من تلك البدر، وأكلت وشربت بقية يومي، فلما أصبحت قلت: والله لأذهبن إلى أستاذي وأعرفن خبره، فأتيت ودخلت فوجدته على مثل ما كان عليه بالأمس. فقلت له: ما الخبر، ألم يأتك المال؟ قال: نعم، غير أنه لما دخل منزلي بخلت نفسي بإخراجه، وألقى عليه صوتاً آخر أتيت به الفضل بن يحيى وحدثته بما كان من أبيه بالأمس، فأمر أن يحمل معي عشرون ألفاً، ولإبراهيم مائتا ألف، وفعلت مثل ما فعلت بالأمس، وغدوت إليه لما أصبحت، فوجدته على مثل حاله بمثل عذره، وألقى علي صوتاً غيره، وأتيت به جعفر بن يحيى، وأخبرته بما كان من أبيه وأخيه، فأمر أن يحمل معي ثلاثون ألفاً وإلى إبراهيم ثلاثمائة ألف. فحملته معي إليه، فبكى إبراهيم وقال: وصلت إلي ستمائة ألف وأنا جالس في مجلسي لم أبرح منه، فعلى مثل هؤلاء يبكى، فرحم الله أرواحهم أجمعين.
؟
إسحاق الموصلي يتطفل
قال إسحاق: غدوت يوماً وأنا منحصر من ملازمة أمير المؤمنين، فعرضت نفسي على أن أطوف في الصحراء وأتفرج، وقلت لغلماني: إذا جاء رسول الخليفة أو غيره فلا تعرفوه مكاني، فطفت وعدت وقد حمى النهار، فوقفت في فضاء أستريح، فلم ألبث أن جاء خادم يقود حماراً فارهاً، وعليه جارية راكبة عليها فاخر الثياب، ورأيت لها قواماً حسناً وظرفاً فائقاً، فحدثت نفسي أنها مغنية، ثم أدخلت الدار التي أنا واقف عليها ثم لم ألبث أن جاء شابان جميلان واستأذنا فأذن لهما فدخلا، ودخلت معهما فظنا أن صاحب الدار دعاني، وظن صاحب البيت أنني معهما.
وجلسنا، فأتي بالطعام، فأكلنا وبالشراب فوضع، ودخلت الجارية في يدها عود فغنت وشربنا، فسألهما صاحب المنزل عني فأخبراه أنهما لا يعرفاني فقالوا: هذا طفيلي لكنه ظريف، فأجملوا عشرتي فشربنا ودار الكأس، فغنت الجارية تقول:
ذكرتك إذ مرت بنا أم شادن
…
أمام المطايا تشرئب وتسنح
من المؤلفات الرمل أدماء حرةٌ
…
شعاع الضحى من وجهها يتوضح
فأدته أداء حسناً. ثم غنت صوتاً من القديم والحديث تقول:
قل لمن صد عاتباً
…
ونأى عني جانبا
قد بلغت الذي أرد
…
ت، وإن كنت لاعبا
فاستعدته منها لأصححه عليها فأقبل علي أحد الرجلين يعنفني ويقول: ما رأينا طفيلياً أصفق وجهاً منك لم ترض بالتطفل حتى اقترحت، وهذا غاية المثل: طفيلي ويقترح.
فأطرقت وجعل صاحبه يكفه وهو لا يلتفت، ثم قاموا إلى الصلاة وتأخرت بعدهم قليلاً، وأخذت عود الجارية وشددت طبقته وأصلحته إصلاحاً محكماً، وعدت إلى موضعي وعادوا، وأخذ ذلك الرجل في عربدته علي وأنا صامت، وأخذت الجارية العود وجسته، فأنكرت حاله، وقالت: من جس عودي؟ قالوا: ما جسه أحد.
قالت: بلى والله لقد جسه حاذق متقدم وشد طبقته، وأصلحه إصلاح متمكن من الصناعة.
قلت لها: أنا.
فقالت: بالله خذ واضرب.
فأخذته وضربت ضرباً عجيباً فيه نقرات محركة، فما بقي منهم أحد إلا وثب وجلس بين يدي، وقال صاحب المجلس: أقسم بالله أن لك في هذه الصناعة أصواتاً غريبة، فبالله عليك إلا عرفت بنفسك؟ فقلت: أنا إسحاق الموصلي، ووالله إني لأتيه على الخليفة إذا طلبت وأنتم ترون صاحبكم هذا يسمعني ما أكرهه لكوني تأدبت معكم، ودخلت عندكم، والله لا نطقت بحرف، ولا جلست حتى تخرجوا هذا الممقوت.
فقال له صاحبه: من مثل هذا خفت عليك.
وأخذوا بيده وسحبوه وأخرجوه وعادوا فبادرت وغنيت الأصوات التي غنتها الجارية من صنعتي، فقال لي الرجل: هل لك في خصلة؟ قلت: ما هي؟ قال: تقيم عندنا أسبوعاً والمكافأة الجارية والجهاز لك. قلت: نعم أفعل.
وأقمت عنده أسبوعاً لا يعرف أحد أين أنا، والمأمون يطلبني في كل حين وكل موضع، ولم يقع أحد على خبري، فلما انقضت الأيام تسلمت الجارية والجهاز والخادم،