الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أيام دولة عبد الملك بن مروان
وهو أول من تسمى عبد الملك في الإسلام، وكان يلقب برشح الحجر. ذكره في حياة الحيوان.
وذكر محمد بن واسع الهيتي أن عبد الملك بن مروان بعث كتاباً إلى الحجاج بن يوسف يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى الحجاج بن يوسف، إذا ورد عليك كتابي هذا وقرأته فسير لي ثلاث جوار مولدات نهد أبكار يكون إليهن المنتهى في الجمال، واكتب لي بصفة كل واحدة منهن ومبلغ ثمنها في المال.
فلما ورد الكتاب على الحجاج دعا بالنخاسين، م أمرهم بما أمر به أمير المؤمنين، وأمرهم أن يغوصوا في البلاد حتى يقعوا على الغرض، فلم يزالوا من بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم حتى وقعوا على الغرض، ورجعوا إلى الحجاج بثلاث جوار نهد أبكار مولدات ليس لهن مثيل.
وكان الحجاج فصيحاً، فجعل ينظر إلى كل واحدة منهن وثمنها من المال، فوجدهن لا يقومن بقيمة، وأن ثمنهن ثمن واحدة منهن. ثم كتب كتاباً إلى عبد الملك بن مروان يقول فيه: بعد الثناء الجميل وصلني كتاب أمير المؤمنين، متعني الله تعالى ببقائه، يأمر فيه أن أشتري له ثلاث جوار مولدات نهد أبكار، وأن أكتب له بصفة كل واحدة منهن وثمنها. أما الجارية الأولى، أطال الله بقاء أمير المؤمنين، فإنها لطيفة السوالف، عظيمة الروادف، كحلاء العينين، حمراء الوجنتين، قد نهد نهداها والتف فخذاها، كأنها ذهب شيب بفضة، وهي كما قيل:
بيضاء في طرفها دعج يزينها
…
كأنها فضة قد شابها ذهب
وثمنها يا أمير المؤمنين، ثلاثون ألف درهم.
وأما الجارية الثانية فإنها فائقة في الجمال معتدلة القد والكمال يشفي السقيم كلامها الرخيم، وثمنها يا أمير المؤمنين، ثلاثون ألف درهم.
وأما الجارية الثالثة، فإنها فاترة الطرف لطيفة الكاف عظيمة الردف شاكرة للقليل مساعدة للخليل، بديعة الجمال، كأنها خشف غزال، وثمنها يا أمير المؤمنين، ثمانون ألف درهم.
ثم أطنب في الشكر والثناء على أمير المؤمنين وطوى الكتاب وختمه ودعا بالنخاسين وقال: تجهزوا للسفر بهؤلاء الجواري لأمير المؤمنين اهـ؟.
فقال أحد النخاسين: أيد الله الأمير: إني رجل كبير وضعيف عن السفر ولي ولد ينوب عني فتأذن لي أن أجهزه؟ قال: نعم.
فتجهزوا وخرجوا ففي بعض مسيرهم نزلوا ليستريحوا في بعض الأماكن فنامت الجواري فهبت ريح فانكشفت إحداهن. وهي الكوفية فظهر نور ساطع وكان اسمها مكتوم، فنظر إليها ابن النخاس، وكان شاباً جميلاً ففتن بها لساعته، فأتاها على غفلة من أصحابه وجعل يقول:
أمكتوم عيني لا تمل من البكا
…
وقلبي بأسهام الأسى يترشق
أمكتوم! كم من عاشق قتل الهوى
…
وقلبي رهين كيف لا أتعشق؟
فأجابته تقول:
لو كان حقاً ما تقول لزرتنا
…
ليلاً، إذا هجعت عيون الحسد
فلما جن الليل، انقض ابن النخاس بسيفه وأتى نحو الجارية فوجدها قائمة تنتظر قدومه، فأخذها وأراد الهرب بها ففطن به أصحابه فأخذوه وكتفوه وأوثقوه بالحديد ولم يزل مأسوراً معهم إلى أن قدموا على عبد الملك.
فلما قدموا بالجواري بين يديه، أخذ الكتاب وفتحه وقرأه فوجد الصفة موافقة في اثنتين ولم توافق في الثالثة، ورأى بوجهها صفرة، وهي الجارية الكوفية، فقال للنخاسين: ما بال هذه الجارية لم توافق الصفة التي ذكرها الحجاج في كتابه، وما هذا الإصفرار الذي بها، وهذا النحول؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، نقول وعلينا الأمان.
قال: إن صدقتم أمنتم؛ وإن كذبتم هلكتم.
فخرج أحد النخاسين وأتى بالفتى، وهو مصفد بالحديد، فلما قدموه بين يدي أمير المؤمنين وأخبروه بما فعل بكى بكاء شديداً وأيقن بالعذاب ثم أنشأ يقول:
أمير المؤمنين أتيت رغماً
…
وقد شدت إلى عنقي يديا
مقراً بالقبيح وسوء فعلي
…
ولست بما رميت به بريا
فإن تقتل ففوق القتل ذنبي
…
وإن تعف فمن جودٍ عليا