الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلافة أبي جعفر المنصور
قيل: إنه كان يحفظ الشعر من مرة، وله مملوك يحفظه من مرتين، وكان له جارية تحفظه من ثلاث مرات، وكان بخيلاً جداً حتى إنه كان يلقب بالدوانيقي لأنه كان يحاسب على الدوانيق، فكان إذا جاء شاعر بقصيدة قال له: إن كانت مطوقة بأن يكون أحد يحفظها أو ا؛ د أنشأها: أي بأن كان أتى بها أحد قبلك، فلا نعطيك لها جائزة، وإن لم يكن أحد يحفظها نعطيك زنة ما هي مكتوبة فيه، فيقرأ الشاعر القصيدة فيحفظها الخليفة من أول مرة، ولو كانت ألف بيت، ويقول للشاعر اسمعها مني وينشدها بكمالها، ثم يقول له: هذا المملوك يحفظها، وقد سمعها المملوك مرتين، مرة من الشاعر ومرة من الخليفة فيقرؤها، ثم يقول الخليفة: وهذه الجارية التي خلف الستارة تحفظها أيضاً وقد سمعتها الجارية ثلاث مرات فتقرؤها بحروفها فيذهب الشاعر بغير شيء.
قال الراوي: وكان الأصمعي من جلسائه وندمائه فنظم أبياتاً صعبة وكتبها على قطعة عمود من رخام ولفها في عباءة وجعلها على ظهر بعير وغير حليته في صفة أعرابي غريب وضرب له لثاماً ولم يبين منه غير عينيه، وجاء إلى الخليفة وقال: إني امتدحت أمير المؤمنين بقصيدة. فقال: يا أخا العرب إن كانت لغيرك لا نعطيك عليها جائزة وإلا نعطيك زنة ما هي مكتوبة عليه. فأنشد الأصمعي هذه القصيدة:
صوت صفير البلبلهيج قلبي الثملالماء والزهر معا
مع زهر لحظ المقلوأنت يا سيد دليوسيدي وموللي
وكم وكم تيمنيغزيل عقيقيقطفت من وجنته
باللثم ورد الخجلوقلت بس بسبسنيفلم يجد بالقبل
وقال لا لا لللاوقد غدا مهروليوالخود مالت طربا
من فعل هذا الرجلوولولت ولولةًولي ولي يا ويللي
فقلت لا تولوليوبيني اللؤلؤليلما رأته أشمطا
يريد غير القبلوبعده ما يكتفيإلا بطيب الوصللي
قالت له حين كذاانهض وجد بالنقليوفتيةٍ سقونني
قهيوة كالعسلليشممتها في أنفيأزكى من القرنفل
في وسط بستان حليبالزهر والسرولليوالعود دندن دنلي
والطبل طبطبطبليوالرقص قد طبطليوالسقف قد سقسقلي
شووا شووا وشاهشواعلى ورق سفرجليوغرد القمري يصيح
من ملل في ملليفلو تراني راكباًعلى حمار أهزلي
يمشي على ثلاثةكمشية العرنجلوالناس ترجمجملي
في السوق بالقلقليوالكل كعكع كعكعخلفي ومن حوللي
لكن مشيت هارباًمن خشية العقنقليإلى لقاء ملك
معظم مبجليأمر لي بخلعةحمراء كالدمدملي
أجر فيها ماشياًمبغدداً للذيلأنا الأديب الألمعي
من حي أرض الموصلنظمت قطعاً زخرفتتعجز الادبللي
أقول فيمطلعها صوتصفير البلبل
قال الراوي: فلم يحفظها الملك لصعوبتها، ونظر إلى المملوك وإلى الجارية فلم يحفظها أحد منهما فقال: يا أخا العرب هات الذي هي مكتوبة فيه نعطك زنته.
فقال: يا مولاي إني لم أجد ورقاً أكتب فيه وكان عندي قطعة عمود رخام من عهد أبي، وهي ملقاةٌ ليس لي بها حاجة، فنقشتها فيها.
فلم يسع الخليفة إلا أنه أعطاه وزنها ذهباً فنفد ما في خزينته من المال، فأخذه وانصرف، فلما ولى قال الخليفة: يغلب على ظني أن هذا الأصمعي، فأحضره وكشف عن وجهه. فإذا هو الأصمعي فتعجب منه ومن صنيعه وأجازه على عادته، قال: يا أمير المؤمنين، إن الشعراء فقراء وأصحاب عيال وأنت تمنعهم العطاء بشدة حفظك وحفظ هذا المملوك وهذه الجارية. فإذا أعطيتهم ما تيسر ليستعينوا به على عيالهم لم يضرك، انتهى.