الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُص
(1)
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (2)
وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} (3)
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا ، فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا ، وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (4)
وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا (5)} (6)
(1) ذَهَبَ السَّلَف إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُص.
وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَكْثَر الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَقَالُوا: مَتَى قِيلَ ذَلِكَ ، كَانَ شَكًّا.
قَالَ الشَّيْخ مُحْيِي الدِّين: وَالْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ أَنَّ التَّصْدِيقَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَةِ النَّظَر وَوُضُوح الْأَدِلَّة، وَلِهَذَا كَانَ إِيمَانُ الصِّدِّيقِ أَقْوَى مِنْ إِيمَانِ غَيْره ، بِحَيْثُ لَا يَعْتَرِيهِ الشُّبْهَة.
وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ يَتَفَاضَل، حَتَّى إِنَّهُ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ الْإِيمَانُ أَعْظَمُ يَقِينًا وَإِخْلَاصًا وَتَوَكُّلًا مِنْهُ فِي بَعْضهَا، وَكَذَلِكَ فِي التَّصْدِيق وَالْمَعْرِفَة ، بِحَسَبِ ظُهُور الْبَرَاهِين وَكَثْرَتهَا.
وَقَدْ نَقَلَ مُحَمَّد بْن نَصْر الْمَرْوَزِيّ فِي كِتَابه " تَعْظِيم قَدْر الصَّلَاة " عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَئِمَّة نَحْوَ ذَلِكَ.
وَمَا نُقِلَ عَنْ السَّلَف صَرَّحَ بِهِ عَبْد الرَّزَّاق فِي مُصَنَّفه عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ ، وَمَالِك بْن أَنَس ، وَالْأَوْزَاعِيّ ، وَابْن جُرَيْجٍ ، وَمَعْمَر ، وَغَيْرهمْ، وَهَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي عَصْرهمْ.
وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْقَاسِم اللَّالِكَائِيّ فِي " كِتَاب السُّنَّة " عَنْ الشَّافِعِيّ ، وَأَحْمَد بْن حَنْبَل ، وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْه ، وَأَبِي عُبَيْد ، وَغَيْرهمْ مِنْ الْأَئِمَّة.
وَرَوَى بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنْ الْبُخَارِيّ قَالَ: " لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْأَمْصَارِ ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُص ".
وَأَطْنَبَ اِبْن أَبِي حَاتِم وَاللَّالِكَائِيّ فِي نَقْل ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَكُلِّ مَنْ يَدُورُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَحَكَاهُ فُضَيْلُ بْن عِيَاض ، وَوَكِيعُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّة وَالْجَمَاعَة.
وَقَالَ الْحَاكِم فِي مَنَاقِب الشَّافِعِيّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس الْأَصَمّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيع قَالَ: سَمِعْت الشَّافِعِيّ يَقُول: " الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ "
وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي تَرْجَمَة الشَّافِعِيّ مِنْ الْحِلْيَة مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الرَّبِيعِ ، وَزَادَ:" يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ ". (فتح - ج1ص70)
قَالَ اِبْن بَطَّال: التَّفَاوُت فِي التَّصْدِيق عَلَى قَدْر الْعِلْمِ وَالْجَهْل، فَمَنْ قَلَّ عِلْمُه كَانَ تَصْدِيقُهُ مَثَلًا بِمِقْدَارِ ذَرَّة، وَالَّذِي فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ ، تَصْدِيقُهُ بِمِقْدَارِ بُرَّة، أَوْ شَعِيرَة ، إِلَّا أَنَّ أَصْلَ التَّصْدِيقِ الْحَاصِلِ فِي قَلْبِ كُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ النُّقْصَان، وَيَجُوزُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ وَالْمُعَايَنَة. اِنْتَهَى.
وأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مِنْ الْحِلْيَةِ قَالَ: " قِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ: إِنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ كَلَام، فَقَالَ: كَانَ هَذَا قَبْل أَنْ تُنَزَّل الْأَحْكَام، فَأُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ، فَلَمَّا عَلِمَ اللهُ صِدْقهمْ ، أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ ، فَفَعَلُوا، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلُوا مَا نَفَعَهُمْ الْإِقْرَار ، فَذَكَرَ الْأَرْكَانَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا عَلِمَ اللهُ مَا تَتَابَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَقَبُولِهِمْ قَالَ: {الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ} الْآيَة ، فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَسَلًا ، أَوْ مُجُونًا ، أَدَّبْنَاهُ عَلَيْهِ ، وَكَانَ نَاقِصَ الْإِيمَان، وَمَنْ تَرَكَهَا جَاحِدًا ، كَانَ كَافِرًا ". اِنْتَهَى مُلَخَّصًا
وَتَبِعَهُ أَبُو عُبَيْد فِي كِتَاب الْإِيمَان لَهُ ، فَذَكَرَ نَحْوه ، وَزَادَ:" إِنَّ بَعْض الْمُخَالِفِينَ لَمَّا أُلْزِمَ بِذَلِكَ ، أَجَابَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ هُوَ مَجْمُوعُ الدِّين، إِنَّمَا الدِّينُ ثَلَاثَة أَجْزَاء: الْإِيمَانُ جُزْء، وَالْأَعْمَالُ جُزْءَانِ ، لِأَنَّهَا فَرَائِضُ وَنَوَافِل ".
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو عُبَيْد بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْقُرْآن، وَقَدْ قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ} ، وَالْإِسْلَامُ حَيْثُ أُطْلِقَ مُفْرَدًا ، دَخَلَ فِيهِ الْإِيمَانُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُه.
وَمَنْ اِعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّف (البخاري) بِأَنَّ آيَة {أَكْمَلْتُ لَكُمْ} لَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى مُرَادِه؛ لِأَنَّ الْإِكْمَالَ إِنْ كَانَ بِمَعْنَى إِظْهَارِ الْحُجَّةِ عَلَى الْمُخَالِفِينَ أَوْ بِمَعْنَى إِظْهَار أَهْلِ الدِّينِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، فَلَا حُجَّة لِلْمُصَنِّفِ فِيهِ.
وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى إِكْمَالِ الْفَرَائِض ، لَزِمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ نَاقِصًا، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَةِ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَة ، كَانَ إِيمَانُهُ نَاقِصًا.
فَالْجَوابُ: أنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ الْإِيمَان لَمْ يَزَلْ تَامًّا.
وَيُوَضِّح دَفْع هَذَا الِاعْتِرَاض جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الْعَرَبِيّ بِأَنَّ النَّقْصَ أَمْرٌ نِسْبِيّ، لَكِنْ ، مِنْهُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الذَّمُّ ، وَمِنْهُ مَا لَا يَتَرَتَّب.
فَالْأَوَّل: مَا نَقْصُهُ بِالِاخْتِيَارِ ، كَمَنْ عَلِمَ وَظَائِفَ الدِّين ، ثُمَّ تَرَكَهَا عَمْدًا.
وَالثَّانِي: مَا نَقْصُهُ بِغَيْرِ اِخْتِيَار ، كَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ ، أَوْ لَمْ يُكَلَّف، فَهَذَا لَا يُذَمّ ، بَلْ يُحْمَدُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ قَلْبُهُ مُطَمْئِنًا بِأَنَّهُ لَوْ زِيدَ لَقَبِلَ ، وَلَوْ كُلِّفَ لَعَمِلَ، وَهَذَا شَأنُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْل نُزُولِ الْفَرَائِض.
وَمُحَصِّلُه أَنَّ النَّقْصَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ صُورِيٌّ نِسْبِيٌّ، وَلَهُمْ فِيهِ رُتْبَةُ الْكَمَالِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى.
وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِ مَنْ يَقُول: إِنَّ شَرْعَ مُحَمَّدٍ أَكْمَلُ مِنْ شَرْعِ مُوسَى وَعِيسَى ، لِاشْتِمَالِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ فِي الْكُتُبِ الَّتِي قَبْلَه، وَمَعَ هَذَا ، فَشَرْعُ مُوسَى فِي زَمَانِه كَانَ كَامِلًا، وَتَجَدَّدَ فِي شَرْعِ عِيسَى بَعْدَه مَا تَجَدَّدَ، فَالْأَكْمَلِيَّةُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ كَمَا تَقَرَّرَ. وَالله أَعْلَم. (فتح - ج1ص154)
(2)
[الأنفال: 2]
(3)
[الفتح: 4]
(4)
[التوبة: 124]
(5)
فَإِنْ قِيلَ: كَيْف دَلَّتْ هَذِهِ الآية عَلَى تَرْجَمَة الْبَاب؟ ،
أُجِيبَ: مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا بَيَّنَتْ أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ بِعَرَفَة، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّة الْوَدَاع ، الَّتِي هِيَ آخِرُ عَهْدِ الْبَعْثَة ، حِين تَمَّتْ الشَّرِيعَةُ وَأَرْكَانُهَا. وَالله أَعْلَم
وَقَدْ جَزَمَ السُّدِّيّ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ وَالْحَرَام. (فتح-ح45)
(6)
[المائدة/3]
(الطبري) ، وَعَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (1) قَالَ: لِيَزْدَادَ يَقِينِي (2). (3)
(1)[البقرة: 260]
(2)
قال الحافظ في الفتح (ج1ص47): وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيم عليه السلام مَعَ أَنَّ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم قَدْ أُمِرَ بِاتِّبَاعِ مِلَّتِه - كَانَ كَأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ.
(3)
(تفسير الطبري ، جامع البيان) ط. هجر (4/ 631) ، وصححه الحافظ في الفتح (ج1ص47)
(ك)، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ (1) فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ، فَاسْأَلُوا اللهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ (2) "(3)
(1) أَيْ: يكاد أن يبلى. فيض القدير - (ج 2 / ص 410)
(2)
شبَّهَ الإيمان بالشيء الذي لا يستمِرُّ على هَيْئته ، والعبد يتكلم بكلمة الإيمان ، ثم يُدَنِّسُها بسوء أفعاله ، فإذا عاد واعتذر ، فقد جدَّدَ ما أَخْلَقَ ، وطَهَّرَ ما دَنَّس. فيض القدير - (ج 2 / ص 410)
(3)
(ك) 5 ، انظر صَحِيح الْجَامِع: 1590 ، الصَّحِيحَة: 1585
(م ت حم)، وَعَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رضي الله عنه (1) قَالَ:(كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " فَوَعَظَنَا ، فَذَكَرَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ " ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ ، فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ ، وَلَاعَبْتُ الْمَرْأَةَ ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟)(2)(فَقُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ)(3)(قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ ، فَقُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " يُذَكِّرُنَا (4) بِالنَّارِ (5) وَالْجَنَّةِ (6)" ، حَتَّى كَأَنَّا رَأيُ عَيْنٍ (7) فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ (8) فَنَسِينَا كَثِيرًا (9) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا تَذْكُرُ) (10) (انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقْنَا) (11) (حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " وَمَا ذَاكَ؟ " ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ ، حَتَّى كَأَنَّا رَأيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا (12) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَتْ قُلُوبُكُمْ) (13)(فِي بُيُوتِكُمْ)(14)(عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي (15)) (16)(لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ)(17)(وَلَأَظَلَّتْكُمْ بِأَجْنِحَتِهَا)(18)(وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ ، سَاعَةً وَسَاعَةً (19) سَاعَةً وَسَاعَةً ، سَاعَةً وَسَاعَةً ") (20)
(1) وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (م) 2750
والكُتَّابِ: جَمْعُ كَاتِبٍ، وَكَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُتَّابٌ يَكْتُبُونَ لَهُ الْوَحْيَ وَغَيْرَهُ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّلْقِيحِ: تَسْمِيَةُ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَعُثْمَانُ ، وَعَلِيٌّ ، وَأُبَيُّ اِبْنُ كَعْبٍ -وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ لَهُ- وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، " وَحَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأُسَيْدِيُّ " ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَالْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ رضي الله عنهم وَكَانَ الْمُدَاوِمُ لَهُ عَلَى الْكِتَابَةِ لَهُ: زَيْدٌ ، وَمُعَاوِيَةُ، وَكَانَ يَكْتُبُ لَهُ رَجُلٌ ، فَافْتُتِنَ وَتَنَصَّرَ. تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 306)
(2)
(م) 2750
(3)
(ت) 2514
(4)
أَيْ: يَعِظُنَا. تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 306)
(5)
أَيْ: بِعَذَابِهَا تَارَةً. تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 306)
(6)
أَيْ: بِنَعِيمِهَا أُخْرَى ، تَرْهِيبًا وَتَرْغِيبًا. تحفة الأحوذي (6/ 306)
(7)
أَيْ: كأنَّا نَرَاهَا رَأيَ عَيْن. شرح النووي (ج 9 / ص 114)
(8)
أَيْ: عَالَجْنَا مَعَايِشَنَا وَحُظُوظَنَا، وَالضَّيْعَات: جَمْع ضَيْعَة، وَهِيَ: مَعَاشُ الرَّجُل مِنْ مَال ، أَوْ حِرْفَة ، أَوْ صِنَاعَة. شرح النووي (9/ 114)
(9)
أَيْ: كَانَ يَحْصُلُ لَهُ الْخَوْفُ فِي مَجْلِسِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَيَظْهَرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ،
مَعَ الْمُرَاقَبَةِ وَالْفِكْرِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْآخِرَة، فَإِذَا خَرَجَ ، اِشْتَغَلَ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَاد وَمَعَاشِ الدُّنْيَا، وَأَصْلُ النِّفَاق: إِظْهَارُ مَا يَكْتُمُ خِلَافَهُ مِنْ الشَّرِّ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نِفَاقًا. شرح النووي على مسلم (ج 9 / ص 114)
(10)
(م) 2750
(11)
(ت) 2514
(12)
أَيْ: نَسِينَا كَثِيرًا مِمَّا ذَكَّرْتنَا بِهِ. تحفة الأحوذي (ج 6 / ص 306)
(13)
(م) 2750
(14)
(حم) 19067 ، وقال الشيخ شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح.
(15)
أَيْ: مِنْ صَفَاءِ الْقَلْبِ ، وَالْخَوْفِ مِنْ اللهِ تَعَالَى. تحفة (6/ 306)
(16)
(ت) 2514
(17)
(م) 2750 ، (ت) 2525 ، (حم) 8030
(18)
(ت) 2452 ، (حم) 19068 ، صحيح الجامع: 7073 ، والصَّحِيحَة: 1965
(19)
أَعْلَمَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُنَافِقًا بِأَنْ يَكُونَ فِي وَقْتٍ عَلَى الْحُضُورِ وَفِي وَقْتٍ عَلَى الْفُتُورِ، فَفِي سَاعَةِ الْحُضُورِ ، تُؤَدُّونَ حُقُوقَ رَبِّكُمْ، وَفِي سَاعَةِ الْفُتُورِ ، تَقْضُونَ حُظُوظَ أَنْفُسِكُمْ. تحفة (6/ 306)
(20)
(م) 2750 ، (جة) 4329
(معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي)، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: غَدَا (1) أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلَكْنَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، قَالَ:" وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالُوا: النِّفَاقُ ، النِّفَاقُ (2) قَالَ:" أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ "، قَالُوا: بَلَى، قَالَ:" لَيْسَ ذَلِكَ النِّفَاقَ "، ثُمَّ عَاوَدُوهُ الثَّانِيَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلَكْنَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، قَالَ:" وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالُوا: النِّفَاقُ ، النِّفَاقُ، قَالَ:" أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ "، قَالُوا: بَلَى ، قَالَ:" لَيْسَ ذَلِكَ بِنِفَاقٍ " ، ثُمَّ عَاوَدُوهُ الثَّالِثَةَ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ:" لَيْسَ ذَلِكَ بِنِفَاقٍ "، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا لَنَا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا ، وَزَهِدْنَا فِي الدُّنْيَا ، وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ، فَإِذَا خَرَجْنَا فَآنَسْنَا النِّسَاءَ ، وَشَمَمْنَا الْأَوْلَادَ (3) أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا ، وَأَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا؟، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" لَوْ أَنَّكُمْ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي تَكُونُونَ عَلَى مِثْلِ الْحَالِ الَّتِي تَكُونُونَ عَلَيْهَا عِنْدِي ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ، وَلَزَارَتْكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا، لَجَاءَ اللهُ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ كَيْ يُذْنِبُوا فَيَغْفِرَ لَهُم"(4)
(1) الغدو: السير والذهاب أول النهار.
(2)
النِّفَاق لُغَة: مُخَالَفَةُ الْبَاطِنِ لِلظَّاهِرِ، فَإِنْ كَانَ فِي اِعْتِقَادِ الْإِيمَان ، فَهُوَ نِفَاقُ الْكُفْر، وَإِلَّا فَهُوَ نِفَاقُ الْعَمَل، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ ، وَتَتَفَاوَت مَرَاتِبه. (فتح - ج1ص133)
(3)
أَيْ: لاعَبْنَاهُم.
(4)
أخرجه الإسماعيلي في " المعجم "(29/ 1 - 2) ، (ت) 2525 ، (حم) 8030 ، انظر الصَّحِيحَة: 2235
(ش)، وَعَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ الْمُحَارِبِيِّ (1) قَالَ: قَالَ لِي مُعَاذُ (2): اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنُ سَاعَةً - يَعْنِي: نَذْكُرُ اللهَ - (3). (4)
(1) هو: الأَسْوَدُ بنُ هِلَالٍ ، أَبُو سَلَاّمٍ المُحَارِبِيُّ الكُوْفِيُّ، (خ، م، د، س) ، مِنْ كُبَرَاءِ التَّابِعِيْنَ، أَدْرَكَ أَيَّامَ الجَاهِلِيَّةِ ، وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ. سير أعلام النبلاء (4/ 257)
(2)
هُوَ اِبْن جَبَل. الفتح (1/ 48)
(3)
قال الحافظ في الفتح (1/ 48): وَجْهُ الدِّلَالَة مِنْهُ ظَاهِرَة؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَان ، لِكَوْنِهِ كَانَ مُؤْمِنًا ، وَأَيُّ مُؤْمِنٍ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى إِرَادَةِ أَنَّهُ يَزْدَادَ إِيمَانًا بِذِكْرِ الله تَعَالَى.
(4)
(ش) 30363 ، (السنة لعبد الله بن الإمام أحمد) 796 ، (حل) 235 صححه الحافظ في الفتح (1/ 48) ، والألباني في كتاب الإيمان لابن تيمية ص92
(السنة)، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا ، وَيَقِينًا ، وَفِقْهًا. (1)
(1)(السنة لعبد الله بن أحمد) 797 ، (طب) ج9ص105ح8549 ، (هب) 46 وصححه الحافظ في الفتح (1/ 48)