الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على هذه المكانة التي يمنحها الأمريكيون لبلدهم، وهي مكانة تتجاوز المنطق، وتذهب بعيداً في مسار نبوئي وتبشيري. وهناك مقطعا لـ (هرمان ميلفيل):"نحن الأمريكيين شعب مختار مميز ـ إسرائيل هذا الزمان، إننا حاملون لتابوت عهد حريات العالم"(1). لقد صوَّرَ الربّ أشياء كثيرة لِعِرْقِنَا، والبشرية تنتظر هذه الأشياء. إننا في قلوبنا نحسّ بهذه الأشياء. أمّا باقي الأمم فسَتَسير، قريباً، خلفنا. إننا روَّاد العالَم، الطليعة التي تم إرسالهَا من خلال غابة الأشياء التي لم تتحقق، لِشّقّ طريق في هذا العالَم الجديد الذي هو عالَمنَا" (2).
أرض الحرية مسكونة بـ كوابيس العنصرية
في دراسة حديثة لإحدى ناشطات حقوق الإنسان في أمريكا هي (اليزابيت مارتنيه)، التي تعمل في نفس الوقت أستاذة الدراسات العرقية في جامعة كاليفورنيا تؤكد (مارتينية) على أن فكرة (فوقية الرجل الأبيض) و (العنصرية) هي الأساس الذي شكل الدولة الأمريكية. وتسوق أمثلة متعددة على أن مجد أمريكيا الاقتصادي الذي يتباهى به حكامها الآن لم تصنعه إلا بسرقة الموارد الاقتصادية للدول الأخرى واستعباد العمالة اللازمة ثم ـ وهذا هو الأكثر أهمية ـ تبرر جرائمها بدونية ضحاياها!! ثم ترصد الباحثة قناعة أمريكية أخرى، وهي أنها أمة قدر الله لها أخذ أراضي الغير والسيطرة على شعوبها من أجل تحقيق الحرية والحكم الفدرالي! وأخيراً تصل الباحثة إلى اخطر ما في الأمر، وهو أن الرق والعبودية لم ينتهيا في أمريكا، وإنما مازال هناك عبيد يباعون ويشترون داخل حدود الدولة الأمريكية دون أن تذكر (صحافة الحريات) شيئاً عن الموضوع.
تقول (اليزابيت): أن جذور العنصرية الأمريكية أو ما يعرف بـ (الفوقية البيضاء)، تكمن في الاستغلال الاقتصادي عن طريق "سرقة الموارد الاقتصادية واستعباد العمالة"، وتبرر هذا الاستغلال فيما بعد (بدونية، ضحاياها). وكان أول تطبيق
(1) الدولة المارقة - الدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية - كلايد برستوفتز - تعريب فاضل جتكر - ص28
(2)
القومية الأمريكية الجديدة
…
ـ تأليف: اناتول لييفين ـ عرض: بشير البكرـ جريدة الخليج 23ـ6ـ2005م - الحلقة الرابعة.
للفوقية البيضاء أو العنصرية قد تمثل في الاحتلال الأوروبي الأمريكي للأراضي الأمريكية بإبادة سكانها الأصليين، ثم جاء عهد (العبودية السوداء)، ثم عهد (العمالة المستعبدة). وباختصار فإن الفوقية البيضاء والقوة الاقتصادية، ولدتا جنباً لجنب. فالولايات المتحدة الأمريكية هي أول أمة في العالم تولد عنصرية، وأول أمة ـ أيضاً ـ تولد رأسمالية، وهذه ليست مصادفة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، يظهر التاريخ أن الرأسمالية والعنصرية يسيران جنباً لجنب.
فمنذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، عززت الحملات الاستعمارية الأوربية الشعور بـ (فوقية الرجل الأبيض) وظهر في الولايات المتحدة مبدأ (القدر الواضح)، الذي يقول إن "الولايات المتحدة قدر لها الله أن تأخذ أراضي الغير وتسيطر على شعوبهم". واستخدم هذا المصطلح للمرة الأولى عام 1845م في إحدى المجلات الأمريكية التي ذكرت "لقد منحنا الله حق التوسع وامتلاك القارة بأكملها من أجل تحقيق التجربة العظمى من أجل الحرية وتطبيق الحكم الفيدرالي". ويمثل مبدأ (القدر الواضح) سياسة عنصرية واضحة انتهجتها الولايات المتحدة منذ زمن بعيد، حيث سهلت عليها التوسع الجغرافي والتطور الاقتصادي على مبدأ أحقيتها في ذلك بسبب تفوقها العنصري الأبيض، وكانت نظرتها للشعوب الأخرى وراء نجاحها في الوصول إلى ما تريد. فقد نادى البيض منذ زمن بضرورة إخراج السود من أمريكا لتجنب التلوث، الذي تسببه تلك الشعوب السوداء. وكان قبل ذلك السكان الأصليين قد عانوا من معتقدات الفوقية البيضاء، التي لم تكتف باعتبارهم قذرين، وهمجيين، ولكنها اعتبرتهم دونيين في معتقداتهم وقيمهم. وتؤكد (اليزابيت) إن عنصرية (الفوقية البيضاء) وما تمثله من عنجهية مازالت تسيطر علي المجتمع الأمريكي، ومازالت تحتفظ بعدوانيتها العنصرية، وما يحدث للمسلمين الآن خير مثال على ذلك.
ولكن هل توقف الأمر في الولايات المتحدة عند العوامل التي تحدثت عنها (اليزابيت) من عنصرية وفوقية بيضاء، ورغبة جامحة منذ البداية بإقامة مجتمع رأسمالي يمثل شركة كبيرة همها الأوحد الربح والخسارة دون اعتبار لأي قيم؟ شركة تقوم فقط على الانقضاض علي موارد الشعوب أينما وجدت علي اعتبار أن هذه